الجمعة، 3 أبريل 2009

الفقراء يموتون فى صمت _ نشر بتاريخ 6 / 2 / 2006

اغضب.. احزن والعن الفقر ألف مرة ما دمت تحيا في بلد يهدر حقوق مواطنيه البسطاء، ولا يعترف إلا بسطوة الأثرياء. من حقك أن تتشكك في كل التصريحات الإعلامية حول متانة العبارة الغارقة (السلام 98) واستيفاء شروط السلامة الملاحية فيها، طالما كانت بعض "التراخيص" - إن لم يكن معظمها- تصدر لمن يدفع ثمنها وليس لمن يلتزم بالضوابط والمعايير الدولية للجودة!. أما اليد التي قبضت ثمن "روحك" فهي يد عاجزة تسلم أمن المواطنين أحيانا باسم الرشوة وأحيانا أخري خوفا من بطش "الكبار"!.

من حقك أن تشك وتسأل.. وتنتظر نتائج التحقيقات التي أمر بإجرائها السيد رئيس الجمهورية. لكن إلي أن يحدث ذلك سيظل مصيرك مرهونا بجشع "الكبار" الذين تعميهم المليارات عن حق المواطن الفقير في خدمة متواضعة وآمنة. ستظل عرضة لأيادي الإهمال والتقصير والإتجار بأرواح الفقراء.

لا تسل لماذا لا تسخر تلك الشركات الكبري التي تمتلك العبارات والسفن بعضا من ملايينها لتوفير استراحة إنسانية للركاب في منافذ العبور البحري،أو صيانة دورية لسفنها!. لا تسل أصحاب العبارة "السلام 98 " من أين يشترون تلك السفن المتهالكة؟، أو لماذا يشغلون سفنا مخالفة لشروط السلامة بجراچها العميق (بطن السفين) الذي -ربما- لا يجوز معه الإبحار في مياه البحر الأحمر؟. فهم قطعا يعلمون لماذا تتكرر حوادث النقل في شركاتهم، لكنهم يظنون أنهم فوق المساءلة أو أن هناك من ينوب عنهم في مواجهة الرأي العام طبقا لقواعد "المصالح المشتركة"!.

هناك رائحة فساد عفنة تلوث مياه البحر الأحمر، تغري الأسماك بالتهام جثث الضحايا لتتحلل مع أشلائهم ملامح "الجريمة". سيرددون عليك -كل لحظة- أن هناك شركة إنجليزية تراجع شروط الأمن والسلامة وأن ميناء الضبا السعودي شهد لمراجعة تلك الإجراءات بـ "نجاح". دعك من هذا السخف لأن ملاك الموت الذي زار أكثر من ألف مصري ينسف مصداقية تلك التصريحات.

نحن عادة أمام الكوارث القومية لا نجد إجابات شافية، سيخرج عليك من يقول إنه القدر" الذي حرك الزلزل وأطلق الرياح العاتية التي ضاعفت من قوة النيران.. فهل لديك اعتراض؟. ثم إن السفينة لا ترفع علم مصر!!

لكن لاحظ -مثلا- تصريحات محمد السيد الوكيل الملاحي لعبارات السلام، التي أكد خلالها أن: «أي سفينة تتعرض للغرق تحتاج إلي 20 ساعة علي الأقل لكي تستقر في قاع البحر، وبالتالي فإن غرق السفينة واستقرارها في قاع البحر خلال ساعتين فقط أمر محير ومثير للقلق». أضف إلي صعوبة حل اللغز أن هناك ألف يد ممدودة تتواطأ في دأب ليفلت الجاني الحقيقي. ويمكنك أن تحل اللغز - ببساطة - وتتبني نظرية ضرب السفينة في عرض البحر من جهة معادية (إسرائيل مثلا). لكن حتي هذا الحل -علي غرابته- لن يعفي المسئولين عن الحادث. لن تجد عذرا لوزير النقل الجديد "محمد منصور" (كحداثة عهده بالوزارة مثلا ) في عدم الإبلاغ عن فقدان العبارة فور انقطاع الاتصال معها، أو عدم وجود قوات طوارئ جاهزة لمواجهة مثل هذه الكوارث ربما كان بإمكانها التقليل من عدد الضحايا.. فالمهم لديهم جميعا أن تكون "الأوراق" مضبوطة، وكلنا نعلم كيف ترتب الأوراق!. ويكفيك أن القوات المسلحة أنقذت ما يمكن إنقاذه.

إن "الدولة" مشغولة بإنشاء مراسي "اليخوت الخاصة" في البحر الأحمر وشرم الشيخ، وليست معنية بهموم الفقراء، وكأنها قامت بدور الوسيط "السمسار" وسلمت ملايين الفقراء لحفنة من تجار الموت يتولون نقل العمالة المصرية (الشقيانة) وحجاج السفر البري، وهؤلاء ديتهم بسيطة عند الحكومة التي -ربما - تري أن التخفف من حملهم -بالموت- خدمة لوطن يعاني الانفجار السكاني!.

الحكومة التي سخرت مدن البحر الأحمر وشرم الشيخ لمليارات المستثمرين لم تكلف نفسها بتوفير مستشفيات مجهزة للطوارئ في تلك المناطق، وفي كل كارثة (مثل حادث أتوبيس السياح في طريق البحر الأحمر) تستنفر الدولة لنقل فرق طبية مجهزة و لكن بعد فوات الأوان!!. ولماذا تتكبد الدولة هذا العناء لتوفير الرعاية الطبية للعمالة التي تخدم في تلك المناطق السياحية، طالما أن كبار المستثمرين لديهم "طائرات خاصة"!.. والأغنياء لا تطأ أقدامهم مواقع الخطر في الطرق الوعرة.

أما فقراء هذا البلد فيعيشون في ضنك يعانون الأمرين في سفرهم ومرضهم.. يدفعون ثمنا فادحا للقمة عيش ضن بها الوطن.. يرتحلون ويتغربون لتوفير جنيهات قليلة لمسكن لا يرد برد الشتاء، وتعليم لا يحركهم من الطبقات الدنيا، ومأكل لا مذاق له!.

وفي رحلة العودة يستقبلهم من يحترف الإتجار بعرق الغلابة، وتغرق أحلامهم البسيطة وحفنة "الريالات " في بحر "الجشع"، يودعون الحياة في صمت، وتستقبل أسرهم "شهادة وفاة" هي في حقيقتها دليل إدانة لكل مسئول في البلد. فمن يحاسب من؟.

أتمني ألا نغلق ملف كارثة العبارة (السلام 98) دون أن يحاسب أحد -كالعادة - فساعتها سنصبح كلنا مدانين.

ليست هناك تعليقات: