الجمعة، 3 أبريل 2009

ضريبة المهنة – نشر بتاريخ 27 /2 / 2006

طبقا لتصريحات "أنس الفقي" وزير الإعلام: "وعد الرئيس مبارك بإلغاء عقوبة حبس الصحفيين قائم "(!!). إذن من الذي عطل تنفيذه لعامين ؟. من الذي حذفه من أجندة المشرع المصري، وعطل عرضه علي مجلس الشعب رغم إلحاح الزملاء من الصحفيين الأعضاء في المجلس الموقر؟. تجميد الوعد الرئاسي لغز يضاف لألغاز عديدة في الساحة السياسية المرتبكة:" كيف نصدق أن هناك إصلاحاً سياسياً تتبناه الدولة في الوقت الذي يقف فيه أصحاب الرأي خلف القضبان ؟.. كيف نساهم في عملية الحراك السياسي - كما تطالبنا القيادة السياسية- وأيادينا مكبلة بالقوانين سالبة للحريات ؟.. هل صحيح أن هناك "نية" لتعديل الدستور في ظل وجود قوانين معيبة تنسف أي حديث عن الديموقراطية ؟.. من المستفيد من مصادرة حرية الصحافة غير أباطرة الفساد الذين توغلوا في دهاليز الحكم؟ ".

هذه التساؤلات كانت تسرقني من النظر في عيني الزميل "عبد الناصر الزهيري" خلال مؤتمر التضامن معه والذي عقد بجريدة "المصري اليوم"، عقب الحكم بحبسه سنة في قضية السب والقذف التي أقامها الدكتور إبراهيم سليمان وزير الإسكان السابق، وهي نفس القضية التي حكم فيها بتغريم الزميلين "علاء الغطريفي" و"يوسف العومي" بدفع تعويض مؤقت قدره 100001 جنيه (!!).

كان حديث أعضاء مجلس نقابة الصحفيين ورئيس تحرير المصري اليوم "مجدي الجلاد" يشعرك أن براءة عبد الناصر مضمونة، لكنني كنت أشعر أننا جميعا ندافع عن حريتنا من خلف "القضبان"، وأن شبح الحبس يخيم علي المكان، كنت ألمح في عيني عبد الناصر الإحساس بـ "عدم الجدوي"، أحسست أننا في حفل تأبين "صاحبة الجلالة"، وتملكني يأس شديد من عملية التغيير المزعوم في بلد يسير في الاتجاه المعاكس لرأس الدولة !، وهذا لغز جديد لا أفهمه.

جاء توقيت الحكم بحبس عبد الناصر ليضع الدولة في حرج سياسي بالغ، ويطيح بمصداقية "الخطوة اليتيمة" التي خطوناها في اتجاه الإصلاح بتغيير المادة 76 من الدستور. وكأن هناك من يتعمد إجهاض عملية الإصلاح بالاستبداد التشريعي.

السؤال المحير:"هل نحن لا نفهم "الليبرالية".. أم أنهم اخترعوا مفاهيم جديدة لها؟".. أليست حرية الرأي وإطلاق إصدار الصحف وتأسيس الأحزاب في مقدمة العملية الديموقراطية ؟، لماذا إذن يتفنن ترزية القوانين في إسقاط حصانة الصحافة، ومحاصرة الرأي بالعقوبات المغلظة ؟.

أليس "الوعد الرئاسي" في حكم "القرار الجمهوري" ؟.. إن المتابع لتوجهات رئيس الجمهورية سيجد أنه وعد الصحفيين قبل عامين برفع عقوبة الحبس في قضايا النشر (!!)، ووضع حرية التعبير في أولويات برنامجه الانتخابي، ثم عاد وشدد علي أهميتها في خطابه في عيد المعلم. واعتبرت جماعة الصحفيين "الوعد الرئاسي" أحد مفردات الإصلاح السياسي الذي ننشده ونلح في طلبه، وأن المبادرات الشخصية من الرئيس مبارك تعكس الوعي الوطني بضرورات المرحلة وتضع "الحرية" مقابل "الالتزام". وانتظرنا عامين.. ومازلنا ننتظر دون أن نفقد ثقتنا في حكمة القيادة السياسية.

ولأننا ننتظر -أيضا- قرارا من النائب العام بوقف تنفيذ الحكم الصادر ضد الزميل عبد الناصر، وهو القرار الذي قد يصدر أثناء مثول الجريدة للطبع، فلن يكون هذا القرار نهاية لنضال الصحفيين ضد قوانين قصف الأقلام.. وأيضا لن ترهبهم عقوبة الحبس فترتعش الأقلام عند مواجهة الفساد. صحيح أن "العدالة عمياء" كما نفخر بها دائما فلم تنظر المحكمة إلي الرقم القياسي للفاسدين من رجال إبراهيم سليمان، ولم يسأل أحد عن دور الصحافة في تسليمهم ليد العدالة !!. لم يربط أحد بين قضايا الفساد في عهد وزير الإسكان السابق وعدائه المستحكم للصحافة.. وهي العلاقة التي تحدد من المستفيد من مصادرة حرية الصحافة.

الصحفيون (ليس علي رأسهم ريشة)، لكنهم يطالبون بحرية تمكنهم من ممارسة دورهم كـ "سلطة رابعة" إذا كانت الدولة تعتبرهم كذلك. يطالبون بتنقية القوانين المعيبة ليبدأ اصلاح سياسي حقيقي يعد بمستقبل أكثر عدلا. يطالبون بحرية تدفق المعلومات وشفافية أكثر لمكاشفة الرأي العام. الصحفيون لم يطالبوا "الدولة" بحمايتهم من حيتان الفساد.. لكن المثير للسخرية أن الدولة تتعمد إسقاط حصانتهم وتتركهم عزلاً يتلقون ضربات القانون والبلطجة.. والنوم علي (البرش)!!.

من بين جماعة الصحفيين من تحمل قسوة الضرب في الشارع ومهانة التعري، ومن بينهم من "اختفي" في ظروف غامضة، ومن دفع ضريبة المهنة أياما قاسية من عمره خلف القضبان،وبينهم أيضا سيدات انتهكت آدميتهن بالتحرش!. لكننا مازلنا صامدين.

ربما لا نشكل جماعة ضغط (لوبي) لأننا لا نملك قوة "المصالح" كجماعات أخري تستصدر القوانين في غمضة عين.. لكننا نملك إيمانا بهذا البلد لن يغيب خلف القضبان. نملك وعدا من رئيس الدولة.. ونسأل: من الذي جعله وعداً بلا موعد!!.

ليست هناك تعليقات: