الجمعة، 3 أبريل 2009

البعض يموت مرتين – نشر بتاريخ 13 / 3 / 2006

ضحايا العبارة المنكوبة (السلام 98) ليسوا مجرد ضحايا!، لأنهم حرموا حتي الحق في مأتم يليق بحزنهم النبيل، ودموع تشيع أحلامهم البسيطة، وسرادق يقيمه الوطن لتلقي العزاء في شعار "بلد الأمن والأمان" الذي غرق في مياه البحر الأحمر!.

زغاريد النصر الكروي جرفت دموع الأهالي لتستقر كل قطرة منها في قاع النيل، إلي جوار الطيور النافقة بالإنفلونزا التي سرقت فرصة حساب المسئولين عن القتل العمد لركاب العبارة. هرب "ممدوح إسماعيل" من أسئلة الرأي العام، تواري من كشافات الصحافة والإعلام، فالبعض مشغول بشائعات المياه الملوثة، والبعض الآخر مهموم بأشلاء القطاع العام المتناثرة مع صفقة بيع عمر أفندي.

ضحايا العبارة - إذن- ماتوا ألف مرة:" بالإهمال الجسيم والتفريط في أرواحهم، بأخطبوط الفساد الذي يحمي المسئول من العقاب، بالإتجار المنظم في جثثهم وعاهات بعضهم".

راحوا.. ودفنت أسرار موتهم في "الصندوق الأسود " المتهالك أو بالأحري الذي تم تعطيله عمدا بواسطة صاحب العبَّارة. وكما يحدث في الأفلام القديمة قرر رجل الأعمال تعليق التهمة في عنق "القبطان" الذي رفض العودة إلي ميناء ضبا السعودي لإطفاء الحريق، رغم علمنا جميعا بأن اتصالا هاتفيا تم بينهما رفض خلاله المالك عودة العبَّارة إلي السعودية خشية احتجازها.

إنها نفس القصة المعادة لتجار الموت، تتكرر بنفس السيناريو مع تعديلات تتفق ومنطق هذا الزمان المتطور في أساليب الرشوة وحماية الفساد وبيزنس الكبار.

في التقرير الذي نشره رئيس تحرير "الفجر" عادل حمودة العدد الماضي وثائق كافية ليلتف حبل لتوجيه تهمة القتل العمد إلي "ممدوح إسماعيل".. لكن من يهتم؟.

إذا كان التحايل علي الضرائب بإغلاق الشركات بعد انتهاء مدة الإعفاء الضريبي وتأسيس غيرها قد تحول إلي عرف في عالم المال، فلماذا تقتصر المحاسبة علي ممدوح إسماعيل؟. وإذا كانت هناك سفن أخري مخالفة لتعليمات الأمن والسلامة تسير بدون قوارب نجاة كافية، و سترات نجاة مهترئة، ومعدات أطفاء معطوبة، وصناديق سوداء معطلة.. فهل نحاسب التسيب والإهمال في شخص "ممدوح إسماعيل".. إنها فكرة تبدو رومانسية في معالجة كارثة وطنية تشملنا جميعا.

تري كم "ممدوح إسماعيل" في بلدنا يجدون أقارب لهم في دواوين الحكومة يعتمدون لهم الشهادات ويصدرون لهم التراخيص؟. كم ممدوح له (ظهر)..وحصانة.. وسجل أسود في غرق العبارات والإتجار بأرواح المصريين؟.

السؤال المؤلم الذي أتحرج من طرحه: إذا كانت أرواح الضحايا تهون علي ذويهم ويشتري ممدوح (أو أمثاله) تنازلهم عن حقوقهم بـ (15) ألف جنيه، بدلا من التعويض العادل الذي يصل إلي مائتي ألف دولار. فهل لنا أن نسأل لماذا تساوت روح المواطن المصري بسعر التراب؟.. أو لماذا وصل بنا الهوان إلي هذا الحد؟.

طبقا لتقرير الكاتب الصحفي "عادل حمودة" فإن أصحاب العبارة يتهربون من ولاية القضاء المصري بزعم أن العبارة غرقت في المياة الإقليمية. ولأنهم علماء بقواعد القانون وثغراته ألغي ممدوح إسماعيل عقوبة الحبس الاحتياطي قبل أن يصدر بها قانون!.. ليفلت من يد العدالة ربما إلي الأبد.!.. وسافر ممدوح إسماعيل إلي باريس دون أن يعترضه أحد!!.

في سجل الهاربين من العدالة لا توجد محرمات ولا مقدسات.. لا توجد معوقات فأموال البنوك المنهوبة قد تم تهريبها بالفعل إلي بنوك سويسرا أو باريس. والبيزنس نفسه ممتد وله فروع في أوروبا.. فمصر بالنسبة لهم ليست سوي مرحلة لجمع المال ولو بمص دماء الشعب علي طريقة "دراكيولا".. والحصانة تضمن لهم الهروب..وفي منافهم الإختياري تنتظرهم رفاهية "أوناسيس".

وبالتالي يسهل تصديق فكرة القتل العمد لركاب "السلام 98 " وإغراقها للحصول علي قيمة التأمين الباهظة. ولِمَ لا إذا كانت الحكومة نفسها قد انزلقت في عملية الإتجار بأموال التبرعات، حين قررت صرف التعويضات التي وعدت بها الدولة من أموال التبرعات التي جمعها وزير النقل "محمد منصور" والتي بلغت حوالي 56 مليون جنيه؟!. صحيح أن الحكومة تراجعت أمام لجنة تقصي الحقائق بمجلس الشوري.. ولكن إذا كان رب البيت (المعني في قلب الشاعر)!!

الحكومة قليلة الحيلة، ولذلك نعذرها، فإذا كان وزير النقل يلجأ لجمع التبرعات من رجال الأعمال فلابد أن نعذرها. والحكومة عاجزة لا تقوي إلا علي مواجهة الباعة الجائلين (الغلابة).. وتهرب من مواجهة أباطرة الفساد.

الحكومة -بكل أسف- مخترقة بنواب البلطجة والمخدرات، وفساد كبار الموظفين.. فهل نلوم صغارهم؟

ابكوا ألف مرة.. علي ضحايا سلخوا بعد غرقهم بنهب التعويضات.. وعلي حكومة أضعف من أن تردع خفافيش الرشوة والتسيب والإهمال.. أضعف من أن تحاسب فاسدا أو تمنع متهما من السفر .. ابكوا علي بلد حين هان.. هنا جميعا.

ليست هناك تعليقات: