الخميس، 27 نوفمبر 2008

نعم.. إنصاف الأقباط! .. نشرت بتاريخ 10 / 10 / 2005



لماذا يصر النظام علي ترك ملف الأقباط نهبا للشائعات وحرب التصريحات الصحفية ويسلم قطعة من قلب الوطن للقوي الخارجية لتتحول إلي كارت ضغط علي الإدارة المصرية.. وكأنها إدارة أدمنت ابتزاز القوي الخارجية لها وفقدت القدرة علي التحرك بمفردها وبالتالي تستمتع بسادية الإملاءات الأمريكية.
هي ليست المرة الأولي التي ينظم فيها أقباط المهجر مؤتمرا تحت عنوان الاضطهاد و"حقوق الأقليات الدينية" في مصر ولن تكون الأخيرة.. لأن إحراج النظام المصري هدف ثابت علي أجندة الإصلاح المصري. ورغم ذلك تصر الدولة بكل غطرسة علي التجاهل واللامبالاة وكأن هذا السلوك يعفيها من النقد الدولي والمحلي!
قطعا وصف الأقباط بالأقليات كفيل بإثارة النظام الذي يعتبر أن عرض المشكلة هو الأزمة الحقيقية وأن الملوم في تلك القصة هو الصحافة التي تنشر قصص إسلام بعض المسيحيات أو عجز الدولة عن حماية "حرية العقيدة" بإعادتهم إلي المسيحية. لكن ها هو "عدلي أبادير يوسف" الناشط القبطي المصري المقيم في سويسرا يدعو لعقد المؤتمر القبطي الثاني في واشنطن خلال نوفمبر المقبل تحت رعاية "الكونجرس الأمريكي" وربما كانت المرة الأولي التي يخرج فيها عن أجندة الأقباط لتشمل مطالبه تغييرا شاملا للسلطة. وفي بيان قام بتوزيعه للرد علي مهاجمة مؤتمره شن حربا شرسة علي مصر بدأها بالتشنيع علي الصحافة التي اتهمته بالعمالة ووصفت مؤتمره بأنه مشبوه، وكالت له عشرات الاتهامات، بدءاً من العمالة للغرب والاستقواء بواشنطن ضد بلده مصر، وصولاً إلي وصفه بالموتور والحاقد ومشعل الفتن و"حمال الحطب".
ورغم أن السم الذي يقطر من بيانه يؤكد بعض تلك التهم إلا أنه يقول إنه يراهن علي البسطاء أكثر مما يراهن علي النخبة التي وصفها بأنها "خائنة لقضايا أمتها مقابل ما تحصل عليه من عطايا"!!
ويستشهد أبادير بمظاهرات "كفاية" لينفي اتهامه بالمساس باستقرار مصر. لكنه لا يفوته في هذه النقطة تأييد "توريث الحكم" شريطة أن يقوم "جمال مبارك" بطرد اللصوص المهيمنين علي الحكم في الدولة، والذين أذلوا ملايين المصريين مسلمين وأقباطاً علي حد تعبيره!
وفي تناقض غريب ينتقل أبادير لينتقد رأس الدولة الذي يزعم أنه أصبح "محاصراً" بما يسميه "الأجهزة السيادية" التي تكلف الدولة بلايين الدولارات.. ليستكمل بعد ذلك هجومه الشرس علي مقار الرئاسة التي يسميها "القصور الملكية". ولست في صدد الترويج لآرائه الفجة التي خرجت بقضية الأقباط عن مسارها في إعلان سافر عن طبيعة أهداف لوبي المهجر الذي يتعامل مع النظام وكأنه حكومة منفي! لكني لست من حزب الإنكار، أنا واحدة من الذين ألحوا في كتاباتهم علي تلبية مطالب الأقباط حتي لو كان المناخ السائد ملوثا بالفساد ومترديا بسبب انعدام العدالة وانتهاك حقوق الإنسان. فحقوق المواطنة ليست أغنية موسمية نتغني بها كلما حدثت بوادر فتنة طائفية.. والحديث عن النسيج الواحد للمجتمع ليس مجرد شعار نرفعه في مواجهة الرأي العام العالمي. نحن نواجه مسلسل تسييس الدين بمسكنات فقدت صلاحيتها، وفي الوقت الذي برز اللوبي الشيعي ليرفع صوته وهاجت جماعة الإخوان المسلمين للمطالبة بوجود سياسي مشروع.. لم نسمع صوتا واحدا يتحدث عن إنصاف الأقباط !


نعم إنصاف الأقباط.. فلم يعد ممكنا مداواة الاضطهاد بنفيه. المجتمع الذي يطالب بإصلاح سياسي حقيقي ويموج بحركات سياسية تشعل نيران المظاهرات وتحول المياه الراكدة الي دوامات لا يجوز له أن يبتلع حقوق مواطنيه. وإذا كان أبادير ينأي بالكنيسة المصرية عن مواقفه السياسية ويكتفي بكونها مظلة روحية، ويطالب بمجتمع مدني علماني.. فلا أحد منا يختلف مع هذا المطلب رغم اختلافنا مع أسلوب السعي لتحقيقه. وحتي إذا صدقت اتهامات العمالة الموجهة لأبادير وارتباطه بالأهداف الاستراتيجية الأمريكية والصهيونية ضد مصر مسلمين ومسيحيين ومسيحيين علي السواء.. فلن نسمح بأن يدفع فاتورة اخطائه مسيحيو الداخل في مصر القبطية


يحدث في «كهف ستان»! .. نشرت بتاريخ 6 / 8 / 2005

في جمهورية «كهف ستان» الرفاق نائمون.. لا يبالون كثيرا بما يحدث في قصر الرئاسة، البعيد عن كهفهم. معزولون عن العالم الخارجي بسبب انقطاع التيار الكهربائي.. حتي فقدوا القدرة علي الإبصار. فجأة قرر الحاكم إخراجهم من الظلام. جاءتهم الصورة مشوشة وضبابية، والمشاهد متتابعة لكنها مبهمة. لم يفهم سكان الكهف ما المقصود من تداول السلطة أو تحديد صلاحيات الحاكم. لم يستوعبوا خطورة «قانون الطوارئ» فلم يستجب أي منهم للاستفتاء علي تعديل الدستور. هم منغلقون علي همومهم يكملون عشاءهم نوماً. وبدون سابق إنذار اقتحم سلامهم المزعوم من يبشرهم بمنحة الحاكم للشعب: إنها«الحرية».. بوابة الإصلاح السياسي لدخول عهد الانتخابات الرئاسية. أطلت عليهم وجوه تتجهم وتتحدث بلهجة سياسية عن حق المواطن في «كرسي الحكم»، وألح عليهم رجال الدين للمشاركة في تحديد مصير «كهف ستان» باختيار رئيسهم القادم. صدم الشعب الذي لم يعرف في حياته سوي «ثورة الجياع» حين شاهد «الهجامة» تطارد مظاهرات حركة «بس خلاص». شعروا بالفزع من الفوضي فهم لم يألفوا الخطب العصماء لقادة المعارضة ولم يعتادوا التطاول ولو بالتلميح علي رموز الحكم، فاعتبروا أن ما يحدث مجرد «كابوس» سيستيقظون منه حتما. لكن هناك من رأي فيما يحدث «حلما» في طريقه للتحقق: العقار رقم 117 هو رقم مقر لجنة تلقي طلبات الترشيح لرئاسة الجمهورية. هي إذن علامة لا يخطئها قلب مؤمن دفعت صاحب «الرؤية» لتقديم أوراقه فورا للانتخابات. وفي منام آخر هناك من رأي نفسه يرتدي ثوبا «أبيض في أبيض»: هي إذن بشارة فوزه برئاسة الجمهورية. الأهم من ذلك أن رئيس أحد الأحزاب وزع كتبه القيمة في «تفسير الأحلام» داخل اللجنة بعد سنوات طويلة ناضل خلالها حزبه لفك عقدة الاقتصاد المربوط علي الفقر وجلب الغائب وتزويج العانس بالاستعانة بالأرواح! ثم طرح أحدث أفكاره للمساواة بين الفقراء بتعميم «زي موحد» للقضاء علي التمييز الطبقي بين فئات الشعب!
ولأن الناخبين بينهم من يهتم بـ «الطبق» قبل «الطبقة» رفع أحد مرشحي الرئاسة شعار توفير «الفول» لكل مواطن. وعلي سبيل المزايدة السياسية أضاف مرشح آخر القمح إلي الفول. واعتبر آخر أن الحل في بطن «السمكة». والغريب أن هناك من اقترح زراعة «الصبار»، ثم اكتسحهم مرشح حمل معه كيسا من «الخبز» إلي اللجنة. وبعد «وصلة هذيان» انصرف حفاظا علي سخونة الخبز!. وتنوعت برامج المرشحين بين قوائم الطعام وقائمة الإصلاح السياسي. وفي السياسة حدث ولا حرج، فأحد المرشحين البارزين لم يجد حلا للبطالة سوي فتح الحدود بين «كهف ستان» و«إسراطين»، في حين طالب مرشح آخر بطرد سفراء أمريكا وإسرائيل وإنجلترا ونفيهم إلي كوكب آخر. وهناك من طالب بفصل الشرطة عن وزارة الداخلية ونادي بعدم تحديد النسل باعتباره خطة صهيونية! لكن الأطرف من ذلك المطالبة بتشريع يحاسب رئيس الجمهورية عقب كل ثلاث سنوات علي ما وعد وتعهد به، فإذا لم يف بما قطعه علي نفسه يتم عزله وحبسه.
وعكست أعراض «البارانويا» التي بدت علي بعض المرشحين حالة التعطش للسلطة: أحد المرشحين رفض الإفصاح عن برنامجه الانتخابي إلا أمام كاميرات برنامج «البيت بيت أبونا». والآخر زعيم بالفطرة نجا من تطبيق خمسة أحكام بالإعدام شنقا ورفض الترشيح لجائزة نوبل ثلاث مرات. والثالث يطلب مناظرة علنية مع الرئيس وهو خلف أسوار السجن. أما المناظرة الأخري فيطالب بها مرشح أعلن ترشيحه أيضا من خلف القضبان!
في مصر القانون يحظر تناول سلوك المرشح أو أخلاقه ، أما في «كهف ستان» فهذا الحظر مطعون في دستوريته، وهو ما جعل الشعب يشاهد هناك كوميديا سياسية أبطالها من الواقع. وبعد حملة تأييد لرئيسهم الحالي عادوا إلي الكهف وانقطع التيار الكهربائي.

مارد الإرهاب .. «مصري» ! .. نشرت فى العدد التاسع بتاريخ 30 / 7 / 2005

قبل أي كارثة وطنية يصر بعض المسئولين علي سياسة التضليل وجرنا إلي الطريق الخطأ. وفي كل مرة تتوافر الذرائع المقنعة لحالة "التوهان المنظم"، وهو ما حدث عقب مجزرة "شرم الشيخ".
نحن الآن نتابع مطاردة قوات الأمن المصرية لشبح "بن لادن" ونبحث معها عن بصمات تنظيم "القاعدة" علي حطام السيارات المتناثرة وأشلاء الجثث المتفحمة. والغاية هنا أنبل من الحقيقة لأن الاعتراف بوجود "إرهاب محلي" نشط يعد ضرباً مباشراً للسياحة المستهدفة أصلا بالعمليات الارهابية. أما الدخول في دائرة الإرهاب الدولي ففيه حصانة مؤقتة لاقتصاد منهار أصلا لا ينقصه إرهاب. كما أنه يبرئ ساحة المسئولين عن الأسباب السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تدفع الشباب إلي اعتناق افكار تكفير المجتمع (المسماة بالجهاد) والانخراط في صفوف جماعات العنف الديني.
لابد هنا أن تتمتع بقدر من السذاجة (ولا أقول الغباء) لتتقبل فكرة الخلايا العشوائية التي أطلقت رصاصها علي أتوبيس سياح إسرائيليين في السيدة عائشة دون أن تتوافر لديها قاعدة بيانات لحركة الأفواج السياحية، وألا تجادل في كيفية دخول المفرقعات عبر المنافذ الجمركية رغم وجود أجهزة إشعاعية للكشف عنها في الجمارك، وعليك أن تتابع الصدام الأمني مع جماعات الإرهاب في القري المجاورة لشرم الشيخ باعتباره فيلماً بوليسياً يجسد مطاردة جنودنا البواسل لعناصر خارجية (باكستانية تحديدا نفت أجهزة الأمن تورطها) تسللت إلي أراضينا وفجرت مدينة السلام وحولتها إلي مدينة أشباح، ثم وجدت من يحميها بين قبائل سيناء.. وكأننا دخلنا كهوف أفغانستان نفتش عن رقم هاتف أسامة بن لادن المحمول!
أمامك الآن عدة سيناريوهات لكارثة شرم الشيخ، أسهلها أن تحمل الموساد الإسرائيلي المسئولية خاصة وقد حذرت إسرائيل مواطنيها من التردد علي المدينة قبل التفجيرات، أما السيناريو الذي تروج له الأجهزة الأمنية فليس مفروضا عليك لأنه يعلق ذنوبنا في رقبة مارد تنظيم (قاعدة الجهاد)، وهو سيناريو دعائي خطابه موجه إلي الخارج. السيناريو الأقرب الي المنطق (وهو مفزع) يبدأ من الواقعة التي نشرها الزميل مصطفي بكري في جريدة "الأسبوع" وأكد خلالها أن الجماعات الإرهابية أطلقت نيرانها علي طائرة تابعة لقوات مكافحة الإرهاب - كانت تطارد الإرهابيين في جبال سيناء - وأجبرتها علي الهبوط الاضطراري فتسببت في إصابة 22 جنديا وضابطا! هذه الواقعة تكشف مدي نفوذ تلك الجماعات أولا بين بدو سيناء خاصة بعد حملات الاعتقال والتعذيب التي تعرضوا لها عقب تفجير "هيلتون طابا"، وتوضح القدرات المادية الضخمة التي تمكنها من امتلاك أسلحة متقدمة (هنا يبرز دور التمويل الخارجي)، وتدلل هذه الواقعة علي أن خلايا الإرهاب نشطة ومتشعبة ومتغلغلة في بنية المجتمع سواء خرجت من عباءة "تنظيم الجهاد" أو اعتنقت أفكار "بن لادن" أو ابتكرت عقيدة تكفيرية جديدة مؤسسة علي رفض التطبيع المصري - الإسرائيلي أو مناهضة الاحتلال الأمريكي للعراق أو مواجهة أخطبوط الفساد الذي يطوق البلد. لكن الأدهي من ذلك أنها ليست خلايا عشوائية كما يزعم الأمن، لأنها تملك شبكة معلومات حديثة (معظم التنظيمات الإرهابية مخترقة من أجهزة استخباراتية) وتتمتع بحرية حركة داخل البلاد وترصد أهدافها بدقة وتنفذها بحرفية عالية، وهذا دليل علي تدريب رفيع المستوي. فإذا افترضنا أن التمويل خارجي والقاعدة المعلوماتية مستمدة من أجهزة معادية لمصر والأيديولوجية الفكرية مستوردة.. فإن المتفجرات في النهاية صناعة محلية، وهناك أيد مصرية ملوثة بدماء أبرياء، بل وهناك مجتمع يحتضن هذه الجماعات يفرخ منها أجيالا جديدة كل يوم. وما دمنا نصر علي الإنكار فلا سبيل لاقتلاع الإرهاب من جذوره كما يروجون، وما دامت المواجهة تقتصر علي الأمن ففي غياب العدالة يتحول كل عاطل إلي مشروع إرهابي في انتظار التجنيد.

محلل سياسي! نشرت بالعدد السابع بتاريخ 16 / 7/ 2005

هل تدار السياسة الخارجية وفقا لمصالح كل دولة وثقلها الإقليمي وتوازناتها الدولية أم أن علينا الاعتراف بأننا سلمنا إرادتنا وقرارنا ودخلنا بيت الطاعة الأمريكي؟ هل تحتكم للمواثيق والأعراف الدولية أم لمعيار الأخلاق والفضيلة المختلف عليها؟ هذه الأسئلة أوجهها لرئيس الوزراء الدكتور أحمد نظيف الذي اعتبر استمرار الوجود المصري في العراق "قضية أخلاقية" لن نتنازل عنها!
إن البعض ـ وأنا منهم ـ يري أن إضفاء الشرعية علي الحكومة العراقية الموالية لقوات الاحتلال مسألة غير أخلاقية بالمرة، وقبل أن أنزلق إلي عبارات فضفاضة دعونا نعترف أولاً بأن تلك المسألة تتعارض مع الأمن القومي العربي ككل.. فقد يتحول العراق فيما بعد إلي منصة لقصف إيران وضرب سوريا. كان علي الدكتور نظيف أن يراجع اغتصاب الرجال قبل الإناث ووحشية المارينز التي تجاوزت حد الجنون في سجن "أبو غريب" قبل استخدام "الأخلاق" في تبرير استمرار البعثة الدبلوماسية هناك. هل يعتقد أننا نمر بحالة غيبوبة حالت دون متابعة الصفقة المخجلة التي عقدتها وزيرة الخارجية الأمريكية "كونداليزا رايس" في القاهرة وتنازلت بمقتضاها عن مطالب الإصلاح الأمريكية، مقابل إرسال السفير المصري"إيهاب الشريف" إلي بغداد.
ولن تخيفنا غلظة الوزير أحمد أبو الغيط في مواجهة الكاميرات، حين سئل عن ثمن الدم المصري الذي أراقته أياد تستهين بمقدرات الأمة .. لن نتراجع أمام عصبيته وهو ينهر الصحفيين في عصبية: "كفي هزلاً".. بل علي الحكومة المصرية أن تكف هي عن الهزل واللعب بمصير البلد وشعبه. ولا تحسب أن تكريس الموديل الأمريكي للديمقراطية في العراق ستنأي بالنظام عن رياح التغيير العاتية، فالصديق الأمريكي لم يتحرك خطوة لإنقاذ السفير المصري، رغم اعتراف وزير الدفاع دونالد رامسفيلد بوجود قنوات حوار مع جماعات مسلحة عراقية. وأظن أن تصريحات رامسفيلد باستثناء جماعة "الزرقاوي" من الحوار مجرد محاولة لوصم المقاومة العراقية كلها بتهمة الإرهاب.
ونحن بالتبعية علينا أن نتبني الخلط الأمريكي بين المقاومة المشروعة لقوات الاحتلال والإرهاب الذي يروع الآمنين والمدنيين، ولا نصدق التقرير الصادر عن معهد الدراسات الاستراتيجية الدولية في أمريكا والذي يقول: "إن عملية الدمقرطة التي تبنتها واشنطن في الشرق الأوسط وحربها علي الإرهاب أسهمتا في تحسين الأمن في المنطقة العام الماضي، لكنها في العراق زادت من أنصار
القاعدة". وهذا معناه ببساطة أن "بوش" يتولي الآن مهمة تجييش الشباب في صفوف الجماعات الإرهابية. ورغم أنه يعتبر العراق بمثابة "الجبهة المركزية في الحرب ضد الإرهاب" فإنه يبحث عن طوق نجاة ينتشله هو وجنوده من مستنقع العراق بعد أن تدنت شعبيته وأظهر آخر استطلاع للرأي أن 60% من الأمريكيين يريدون انسحاب القوات من العراق. وزاد من مأزق الإدارة الأمريكي مطالبة 128 من أعضاء الكونجرس لبوش بالإعلان عن خطة للانسحاب من العراق مع نهاية هذا العام. وفي رحلة البحث عن متنفس سياسي عثر "بوش" علي من يقوم بدور "المحلل السياسي" لحكومة "شيعية" تسكن فراش "المتعة" مع الأمريكان.. حكومة ترفض قرار مجلس الأمن الذي ينص علي انتهاء ولاية القوة متعددة الجنسيات مع نهاية العام الحالي بل وتطالب ببقائها بحجة مكافحة الإرهاب. إذن فليذهب كل "شريف" إلي الجحيم طالما كان اغتياله يدعم وجود الاحتلال الأمريكي في العراق، وليحصد الإرهاب أرواح الأبرياء في "لندن" ليجد "توني بلير" ذريعة مقنعة لتبعيته المطلقة لأمريكا. إنه مسلسل "بقاء الأنظمة" وكلنا في الهم "شعب": في الشارع الأمريكي يلوح "بوش" بكارت الإرهاب فيهرع المواطنون إلي صناديق الانتخاب ويختارونه بكل ديمقراطية لولاية ثانية، وحين يهددوننا هنا: "كفي هزلاً" ننسي أنهم فرطوا في هيبة دولة وأهدروا دماء أبنائها باسم "الأخلاق"!.

الأقباط في ذمة الإخوان نشرت فى العدد السادس بتاريخ 9 / 7 / 2005

يبدو أن أوهام الزعامة تسيطر علي «محمد مهدي عاكف» المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة، إذ تصور أنه فور إعلانه الخوف من محاولة اغتياله سيتحول إلي بطل قومي يتحالف معه الجميع رغم تباين الأجندة السياسية! وبهذا التصريح تجاوز عاكف سقف الشائعات التي تتحدث عن وجود انقسامات حادة داخل الجماعة، بدأت بعزل الدكتور عبد المنعم أبوالفتوح ممثل تيار التجديد داخل الجماعة.. وبرر عزوف بعض أحزاب المعارضة والحركات السياسية عن الانضمام إلي «التحالف الوطني من أجل التغيير والإصلاح» الذي تتزعمه الجماعة وانسحاب عدد آخر منه بعد الاجتماع التأسيسي الذي اظهر احتكار الجماعة لعمل التحالف من القمة إلي القاعدة.
ولأن الجماعة واحدة من اصحاب براءة اختراع المناورات السياسية ودائما ما يتعامل مرشدها ـ أيا ما كان اسمه ـ مع الوطن وكأنه «طاولة قمار»، كل الأوراق فوقها مشروعة من منطق «الغاية تبرر الوسيلة»، أصبح سهلاً علي عاكف أن يبدل خطاب الجماعة الثابت لعدة أجيال وفي لحظة ليعترف بوجود المرأة ويضم سيدتين إلي الجماعة (الدكتورة عايدة سيف النصر والدكتورة نجلاء القليوبي)، ويبادر إلي مراجعة برنامج الجماعة لتعديل موقفها من الأقباط لتقر بأن مفهوم «الذمة» الذي يدعو إلي ضرورة دفع الأقباط للجزية هو مفهوم تاريخي لم يعد قائما الآن، وبالتالي تعترف بمفهوم المواطنة الشامل للأقباط. ورغم أن فتوي عبد الله الخطيب عضو مكتب إرشاد الجماعة بمنع بناء الكنائس في مصر وهدم الموجود منها مازالت سارية.. نجح المرشد العام في ضم عدة شخصيات مسيحية إلي تحالفه (كان أولهم الدكتور رفيق حبيب وتبعه الدكتور ميلاد حنا وجمال أسعد)، وهكذا أصبح من السهل تصدير مطالبه إلي الأخوة المسيحيين. وفي انتهازية سياسية فجة أعلن عاكف أنه يؤيد قيام حزب مدني مسيحي بمرجعية دينية علي أمل أن ينوب عنه البابا شنودة في تحقيق أهدافه. فالسماح بقيام حزب مسيحي هو الطريق الوحيد لـتأسيس حزب إسلامي.. لكن ذكاء عاكف لم يرق لفطنة الكنيسة التي لم تبتلع الطعم وأعلنت رفضها إنشاء حزب مسيحي لقناعتها بضرورة الابتعاد عن العمل السياسي.
ولا تجد الجماعة المحظورة تعارضا بين مخططها الأصلي في الاستيلاء علي النقابات المهنية والسعي للبحث عن شرعية لوجودها السياسي. لكن يبدو أن صخب الشارع السياسي أغراها هذه المرة بتصعيد اللعب داخل النقابات. فلأول مرة تضعف الجماعة أمام مقعد نقيب المهندسين (ولا نعرف بعد موقفها من مقعد الحكم)، وبعد أن كان الإخوان قانعين بمقايضة مقعد النقيب بالسيطرة علي مجلس النقابة في معظم النقابات التي احتلتها.. تراجعت الجماعة عن قرار تأييد الدكتور ميلاد حنا في حال خوضه الانتخابات علي منصب نقيب المهندسين، وتراود نفسها الآن لترشيح أحد قياداتها.
ولأن المنهج الثابت للإخوان هو اللعب علي كل الحبال.. لم يترك عاكف موجة واحدة تفلت دون أن يستغلها بدهاء شديد بدءا من مغازلة امريكا بورقة الأقباط رغم أنها رفعت الدعم عنهم.. مرورا بإستقطاب الأقباط بشعار (لهم ما لنا وعليهم ما علينا) وصولا إلي قمة النجاح الذي تمثل في انتزاع اعتراف بشرعية وجودهم بدأ ببضع مقالات تطالب الحكومة بفتح حوار معهم.. ومطالبة القيادي الوفدي الدكتور محمد علوان للحكومة باعتراف فوري بوجودهم! إضافة إلي تعاطف معظم الحركات السياسية والمدافعين عن الحريات مع معتقليهم. كل هذه المكاسب قطعا لن تشبع نهم الإخوان للسلطة التي بدأوها من القاعدة وأصبحت الآن قمتها متاحة، ولا أدري هل هناك فيروس غباء منتشر في الشارع السياسي جعل البعض يصدق كلام عاكف عن الحرية والديمقراطية.. أم أن مشروع الإصلاح أسقط من ذاكرة عتاة اليساريين والليبراليين التاريخ الأسود للإخوان المسلمين؟ أعتقد أن التيارات السياسية في المقابل تلعب علي حبال التغيير وتستخدم كارت الإخوان للضغط علي النظام. ولأن هذه التيارات تمثل أحزابا بلا قاعدة جماهيرية بينما الإخوان جماهير منظمة تبحث عن حزب تشكلت صورة ما من التكامل المرحلي.. وبالتالي فالأمر لن يتجاوز خطوات تكتيكية إلي تحالفات استراتيجية

كوندي.. والأربعون كلبا نشر فى العدد الرابع بتاريخ 25 / 6 / 2005

في مستهل زيارة "كونداليزا رايس"وزيرة الخارجية الأمريكية للشرق الأوسط.. طالعتنا الصحف اليومية بخبر عجيب : "يرافق كونداليزاخلال جولتها في المنطقة عدد من المعاونين وعدد من رجال الأمن والمارينز.. و40 كلبا بوليسيا!"، وبدا الخبر غريبا وسط صخب الحديث عن الأجندة التي تحملها كوندي ومدي تقبل الأنظمة العربية للإملاءات الأمريكية حول عملية الإصلاح السياسي. ولأن الزيارة جادة ولا تحتمل روح الدعابة كان لابد من النظر إلي الأربعين كلبا بعين المراقب السياسي الذي لا يتمتع بحب الفكاهة، فتقول مثلا: ربما جاءت بهم لإعلان رفضها التعامل مع الإخوان المسلمين الذين يفرون من الكلاب حرصا علي وضوئهم. أو تقول أن كوندي تخشي التحرش الجنسي في القاهرة بعد أن أصبحت شهرتنا عالمية في إنتهاك أعراض المطالبات بالإصلاح (بالمناسبة لي صديق يعتبر أن سيقان كوندي نموذج للجمال!). أو قد تكون لكوندي مع الكلاب "علاقة حميمة" تشعرها بالأمان في منطقة مفخخة بالبدو والإرهابيين! وهي في النهاية إمرأة (آه والله) ودليلي علي ذلك.. الإحساس بالقهر الذي بدا في حديثها عن إنتهاء عصر الرق والعبودية (سواد بشرتها هو هويتها الأصلية). وهي في الحقيقة رقيقة جدا ومجاملة: ألم تثني علي الإفطار المصري والقهوة العربية في السعودية وإصلاح نظام التعليم في الأردن؟
حتي في حديثها عن الإصلاح السياسي كانت ودودة للغاية وهي تقول أن الوصول إلي ديموقراطية حقيقية في أمريكا إستغرق مائة عام.. لكن حذار ألا تقطع حبل المودة، فهي تحذر من أن الولايات المتحدة سعت علي مدي ستين عاما إلي تحقيق "الاستقرار" في المنطقة علي حساب "الديمقراطية" لكنها ستتبني الآن نهجا يدعم "التطلعات الديمقراطية لكل الشعوب".
كوندي التي شددت في القاهرة علي ضرورة إجراء إنتخابات رئاسية وبرلمانية حرة ونزيهة بوجود مراقبين دوليين يتمتعون بحرية الحركة، وإنتقدت بشدة قانون الطوارئ وما أسمته بالتعسف في تطبيق العدالة والعنف ضد المتظاهرين.. كانت تحدث الإدارة المصرية علي طريقة: "غزة أولا.. والإصلاح فيما بعد" فكانت إنتقاداتها لا تخلو من لهجة التهديد. لكن يبدو أن مقايضة الدور الأمني الذي تلعبه مصر بين إسرائيل وفلسطين بإرجاء مطالب الإصلاح الملحة.. مقايضة مرضية للبيت الأبيض. ولأنها لم تجد من يردها في القاهرة ولا من يرفض التدخل
السافر في شئوننا الداخلية.. واصلت تهديداتها علي طريقة خذ العظة من جارتك سوريا التي لم تستوعب الدرس.. ومماسمته كوندي الوحشية المنظمة للنظام الإيراني. ربما كانت كوندي بحاجة إلي فنجان قهوة مر مثل الذي تذوقته في المؤتمر الصحفي الذي جمعها بالأمير "سعود الفيصل"وزير الخارجية السعودي. الأمير "سعود" واجه الانتقادات الأمريكية لموقف السعودية من الإصلاح بشجاعة يحسد عليها: إعترف بوجود خلاف حقيقي بين واشنطن والرياض حول تلك القضية، وأكد أن "التقييم المهم لأي بلد في تطور إصلاحه السياسي هو حكم شعبه"، ودافع بثقة عن وجود معتقلين طالبوا بقيام ملكية دستورية (رغم إختلافنا معه).. وأوحي بأن سقف الإصلاح السياسي المتاح في السعودية ربما لن يتجاوز وجود مجلس شوري معين ومجالس بلدية منتخبة!.

وفي المؤتمر الصحفي نفسه وجدت كوندي نفسها في مواجهة عينين تطلان في تحد من خلف النقاب لتسألا داعية الإصلاح عن التعذيب في سجن "أبو غريب". فعلتها إذن إمرأة سعودية بين الحضور، خرجت من الحرملك لتطوق كوندي بالحرج وتضعها في خانة الدفاع بدلا من ساحة الهجوم التي عربدت فيها بالطول والعرض تلقننا درس: "النظام العالمي الجديد تهذيب وإصلاح". وحين بدا وجه كوندي محتقنا وهي تبرر إنتهاك حقوق الإنسان في "أبو غريب" وتصف المعتقلين بأنهم إرهابيون تذكرت علي الفور كلابها. لا أقصد بالقطع الكلاب البوليسية.. .. بل من يتصرفون كالكلاب ويلعقون الحذاء الأمريكي ويتسولون موعدا مع الفاتنة كوندي. حدث هذا في السعودية.. أما في القاهرة فلم تقابل كوندي من يستوقفها حين تحدثت عن الإستعمار ليسألها: متي يرحلون عن العراق؟.