الخميس، 27 نوفمبر 2008

مارد الإرهاب .. «مصري» ! .. نشرت فى العدد التاسع بتاريخ 30 / 7 / 2005

قبل أي كارثة وطنية يصر بعض المسئولين علي سياسة التضليل وجرنا إلي الطريق الخطأ. وفي كل مرة تتوافر الذرائع المقنعة لحالة "التوهان المنظم"، وهو ما حدث عقب مجزرة "شرم الشيخ".
نحن الآن نتابع مطاردة قوات الأمن المصرية لشبح "بن لادن" ونبحث معها عن بصمات تنظيم "القاعدة" علي حطام السيارات المتناثرة وأشلاء الجثث المتفحمة. والغاية هنا أنبل من الحقيقة لأن الاعتراف بوجود "إرهاب محلي" نشط يعد ضرباً مباشراً للسياحة المستهدفة أصلا بالعمليات الارهابية. أما الدخول في دائرة الإرهاب الدولي ففيه حصانة مؤقتة لاقتصاد منهار أصلا لا ينقصه إرهاب. كما أنه يبرئ ساحة المسئولين عن الأسباب السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تدفع الشباب إلي اعتناق افكار تكفير المجتمع (المسماة بالجهاد) والانخراط في صفوف جماعات العنف الديني.
لابد هنا أن تتمتع بقدر من السذاجة (ولا أقول الغباء) لتتقبل فكرة الخلايا العشوائية التي أطلقت رصاصها علي أتوبيس سياح إسرائيليين في السيدة عائشة دون أن تتوافر لديها قاعدة بيانات لحركة الأفواج السياحية، وألا تجادل في كيفية دخول المفرقعات عبر المنافذ الجمركية رغم وجود أجهزة إشعاعية للكشف عنها في الجمارك، وعليك أن تتابع الصدام الأمني مع جماعات الإرهاب في القري المجاورة لشرم الشيخ باعتباره فيلماً بوليسياً يجسد مطاردة جنودنا البواسل لعناصر خارجية (باكستانية تحديدا نفت أجهزة الأمن تورطها) تسللت إلي أراضينا وفجرت مدينة السلام وحولتها إلي مدينة أشباح، ثم وجدت من يحميها بين قبائل سيناء.. وكأننا دخلنا كهوف أفغانستان نفتش عن رقم هاتف أسامة بن لادن المحمول!
أمامك الآن عدة سيناريوهات لكارثة شرم الشيخ، أسهلها أن تحمل الموساد الإسرائيلي المسئولية خاصة وقد حذرت إسرائيل مواطنيها من التردد علي المدينة قبل التفجيرات، أما السيناريو الذي تروج له الأجهزة الأمنية فليس مفروضا عليك لأنه يعلق ذنوبنا في رقبة مارد تنظيم (قاعدة الجهاد)، وهو سيناريو دعائي خطابه موجه إلي الخارج. السيناريو الأقرب الي المنطق (وهو مفزع) يبدأ من الواقعة التي نشرها الزميل مصطفي بكري في جريدة "الأسبوع" وأكد خلالها أن الجماعات الإرهابية أطلقت نيرانها علي طائرة تابعة لقوات مكافحة الإرهاب - كانت تطارد الإرهابيين في جبال سيناء - وأجبرتها علي الهبوط الاضطراري فتسببت في إصابة 22 جنديا وضابطا! هذه الواقعة تكشف مدي نفوذ تلك الجماعات أولا بين بدو سيناء خاصة بعد حملات الاعتقال والتعذيب التي تعرضوا لها عقب تفجير "هيلتون طابا"، وتوضح القدرات المادية الضخمة التي تمكنها من امتلاك أسلحة متقدمة (هنا يبرز دور التمويل الخارجي)، وتدلل هذه الواقعة علي أن خلايا الإرهاب نشطة ومتشعبة ومتغلغلة في بنية المجتمع سواء خرجت من عباءة "تنظيم الجهاد" أو اعتنقت أفكار "بن لادن" أو ابتكرت عقيدة تكفيرية جديدة مؤسسة علي رفض التطبيع المصري - الإسرائيلي أو مناهضة الاحتلال الأمريكي للعراق أو مواجهة أخطبوط الفساد الذي يطوق البلد. لكن الأدهي من ذلك أنها ليست خلايا عشوائية كما يزعم الأمن، لأنها تملك شبكة معلومات حديثة (معظم التنظيمات الإرهابية مخترقة من أجهزة استخباراتية) وتتمتع بحرية حركة داخل البلاد وترصد أهدافها بدقة وتنفذها بحرفية عالية، وهذا دليل علي تدريب رفيع المستوي. فإذا افترضنا أن التمويل خارجي والقاعدة المعلوماتية مستمدة من أجهزة معادية لمصر والأيديولوجية الفكرية مستوردة.. فإن المتفجرات في النهاية صناعة محلية، وهناك أيد مصرية ملوثة بدماء أبرياء، بل وهناك مجتمع يحتضن هذه الجماعات يفرخ منها أجيالا جديدة كل يوم. وما دمنا نصر علي الإنكار فلا سبيل لاقتلاع الإرهاب من جذوره كما يروجون، وما دامت المواجهة تقتصر علي الأمن ففي غياب العدالة يتحول كل عاطل إلي مشروع إرهابي في انتظار التجنيد.

ليست هناك تعليقات: