السبت، 14 مارس 2009

أصوات للبيع! نشرت بتاريخ 7 / 11 / 2005

في موسم الشعارات والمزايدات يتحول المواطن إلي "أذن كبيرة" تخترقها الوعود الانتخابية من كل اتجاه. فكل مرشح يدرك جيدا أن اليأس والعجز عوامل كفيلة بجعل الناخب مهيأ لاستقبال شعارات تبشره بالإصلاح والقضاء علي الفساد، وتدغدغ مشاعره بفرص العمل ومحاربة الغلاء وحماية المستهلك. وسواء كانت مطالب الناخب من أعضاء البرلمان بسيطة لا تتجاوز تأشيرة من مسئول أو كانت مستحيلة تصل بالمساءلة إلي سحب الثقة من الحكومة.. فكلنا - في النهاية - بحاجة للتصديق. نحن أول من يبحث عن الأمل في الانتخابات البرلمانية وأول من يحصد الحسرة وخيبة الأمل!!
وفيما نحن نتحدث عن نزاهة الانتخابات والإشراف القضائي الكامل علي العملية الإنتخابية مع السماح -أيضا - لمنظمات حقوق الإنسان ونقابة المحامين بالمراقبة،ربما لا يري رجل الشارع في هذا التوقيت إلا فرصة للقاء "البك النائب"، فهو لم يلتق به منذ اختاره في الانتخابات الماضية وها هو يعود لنفس الدائرة بحثا عن أصوات يدفع ثمنها مقدما ليشتري بها الحصانة.
في صعيد مصر تتحكم العصبية القبلية -إلي حد ما- في توجيه دفة الناخبين، أما في الريف والمدن الكبيرة فقد يكون الحد الأدني لسعر "الصوت" تخصيص قطعة من أراضي الدولة.. لكن السطوة والغلبة تكون دائما لسلطان النفوذ والمال والبلطجة في كل الدوائر. فهل لنا بعد ذلك أن نلوم نواب المخدرات أو نواب البلطجة.. هل لنا أن ننزع ثوب الحصانة عن ممثل الشعب لنسأله من
أين لك ذلك.. أو لماذا تهربت من التجنيد؟ أليس الأحري بنا أن نسأل كيف وصل إلي مقعده تحت قبة المجلس؟. إذا استبعدنا شبهة التزوير علي سبيل التفاؤل، واستبعدنا معها احتمالات التعسف في استخدام السلطة وسلمنا بأن الشرطة ستلتزم الحياد، لن يتبقي أمامنا سوي رجل الشارع لنسأله :لمن منحت صوتك..ولماذا؟. قد يبدو السؤال سهلا ساذجا للبعض لكن إذا أردتم قياس درجة الوعي السياسي للمواطنين ماعليكم إلا إجراء استطلاع رأي بهذا السؤال وحده. ساعتها فقط ربما نعرف لماذا تباع أصوات الناخبين علي أرصفة الإغراء المادي والوعود المخدرة، سنعرف كيف يتم ابتزاز المواطن بسلطة المرشح أو انتمائه الحزبي، وسندرك جميعا أن غياب الثقافة السياسية من المجتمع منهج منظم لمن يستغل جهل البعض في توقيت مثل موسم الانتخاباتالمواطن البسيط الذي أنهكته مصاريف الدروس الخصوصية لا يفهم إلا القليل من الخطاب السياسي الموجه إليه، لأننا نخاطبه -عادة- من فوق! نفترض أن عليه وحده أن يفهم أن مجلس الشعب مسئول عن مراقبة أداء الحكومة ومحاسبتها، ورغم أننا نعلم أن نسبة العمال والفلاحين في البرلمان تأتي عبر صناديق ملأتها أصوات لا تتجاوز ثقافتها "محو الأمية"،إلا أننا نتصور أنهم يدركون دور البرلمان في إصدار التشريعات وتعديل الدستور من دون أن يتبرع أحدنا ويشرح لهم أولا ما هو الدستور.. وما المراد من تغييره!
نحن شركاء - بدرجة ما - في تشويه الحياة النيابية، فإذا كان الحزب الحاكم يسيء اختيار ممثليه فالناخبون يصدقون علي اختياراته، وإذا كانت أحزاب المعارضة معزولة مهمشة أو حتي مستأنسة فسلبية المواطن تفقدها مناعتها أمام محاولات الاستقطاب. وما بين بيزنس بعض المستقلين ووطنية البعض الآخر لابد أن يتوه المواطن،لأنه -ببساطة- حرم من النشاط السياسي في الجامعة، وأحجم عن المشاركة السياسية تجنبا لتطبيق "قانون الطوارئ" عليه، ولأنه حين تجاسر وخرج في مظاهرة واجهته الطلقات المطاطية والتحرش الجنسي بالنساء. فهل مجتمع مثل هذا قادر علي إفراز مجلس شعب قوي ونزيه.. هل الناخب في مجتمع خاضع لجبروت السلطة وبطش القوانين الاستثنائية قادر علي الاختيار الحر.. أشك!
إن ما شهدناه من حراك سياسي تحول إلي فوضي لقلة الوعي السياسي وانعدام الرؤية المستقبلية، ولم يعد لدي الدولة ما تقدمه دليلا علي الليبرالية وبرهانا علي الإصلاح إلا إطلاق يد جماعة "الإخوان المسلمين" المحظورة في الحياة السياسية .. وبالتالي لم يعد أمام المواطن إلا متابعة بلطجة بعض المرشحين.. ومسيرات الأخوان والتندر علي أغنياتهم الدعائية.. أو عليه أن يتبع سياسة القطيع ويمنح صوته
لأعلى ثمن