الجمعة، 28 نوفمبر 2008

مجرد كلام !! .. نشرت بتاريخ 31 / 10 / 2005

المسافة بين المنهج الثوري والقواعد الدبلوماسية أشبه بالمسافة التي تفصل بين أمريكا وإيران. والرئيس الإيراني "محمود أحمدي نجاد" أعلن بوضوح أنه ينتمي لمدرسة الثورة ليس بحكم عضويته السابقة في الحرس الثوري وتشدده الديني فحسب بل بتصريحاته الأخيرة في مؤتمر "العالم من دون الصهيونية". وطبقا لتعاليم تلك المدرسة فهو لايعترف بالخطوط الحمراء في العلاقات الدولية ولا يضع سقفا للطموح الوطني.. ولا يتبع أية محاذير في تصريحاته السياسية. وبالتالي فمن السهل أن يدفع نجاد العالم كله إلي خندق الذعر والتوتر بتصريح واحد !. لكن التحالف الدولي ضد ما يسمونه "الشيطان الأكبر" سرعان ما خرج من نفق التوتر المؤقت ليواجه طهران بتهديدات ملتهبة كألسنة النار وحادة كسيوف ظلت متحفزة طيلة الوقت للنيل من رأس النظام الإيراني، وقد كانت مطالبة نجاد بمحو إسرائيل من الخريطة كفيلة بإشهار السيوف.. وإعلان النوايا.. ليبدأ العد التنازلي للصدام المتوقع بين أمريكا وإيران ببيان إدانة من مجلس الأمن.
البعض رأي في تصريحات "نجاد" عودة بإيران إلي نهج الثورة الإسلامية في الثمانينيات، فهو يتبني مقولة الإمام الخميني الراحل: "ان الكيان المحتل للقدس يجب أن يزول عن الوجود" ويعيد صياغتها ليبشرنا بإمكانية إيجاد عالم خال من أمريكا وإسرائيل !. لكن فن الخطابة مختلف تماما عن قواعد اللعبة السياسية، فتلك الخطب الرنانة قد تلهب مشاعر الجماهير العربية لكنها في الوقت نفسه تحفز العالم كله لتشديد العزلة الدولية علي إيران وإحالة ملفها النووي إلي مجلس الأمن الدولي، تمهيدا لفرض عقوبات دولية تجهض مشروعها النووي.
لقد وصل الرئيس الإيراني إلي أقصي درجات التشدد في سياسته الخارجية، وعمد إلي إثارة العالم كله ضده بخطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي، عندما تمسك بحق بلاده في إنتاج الوقود النووي. ولعل التصعيد الدولي ضد بلاده عقب ذلك الخطاب هو الذي دفعه للتهديد المباشر لإسرائيل ليصبح (اللعب علي المكشوف).
ولأن اللعبة السياسية لا تعرف الخجل وربما لم تعد تعترف بالعدالة الدولية، فقد أثارت تصريحات الرئيس الإيراني "قلق" الأمين العام للأمم المتحدة "كوفي عنان"، وسارع بتذكير جميع الدول الأعضاء بأن إسرائيل عضو في الأمم المتحدة لها نفس الحقوق والالتزامات كما لبقية الأعضاء!.
كان علي "كوفي عنان" ألا يتطرق لالتزامات الدول الأعضاء في الأمم المتحدة طالما لا يري المجازر التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني !.
وألا ينهي عن تهديد الدول الأعضاء لبعضها البعض طالما ظل العراق محتلا بفضل تقارير مجلس الأمن المغلوطة.
لكن يبدو أن "كوفي عنان" يتحسب ليوم قد يضطر فيه لتنفيذ رغبة "شارون" في طرد إيران من الأمم المتحدة، ليحظي برضا البيت
الأبيض فيضمن بذلك بقاءه في موقعه. أما ساكن البيت الأبيض نفسه فكان يعتقد أنه نجح في نزع ريش الطاووس الإيراني بحرب التقارير من "ميليس" إلي "لارسن". وأن نجاح أمريكا في استصدار قرار مجلس الأمن رقم 1559 لتصفية "حزب الله"، بالإضافة إلي السعي لتوقيع عقوبات دولية علي سوريا، كلها أوراق كفيلة بتحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة العربية . ولم يتوقع الرئيس الأمريكي أن "أحمدي نجاد" سيحتفل بـ "يوم القدس" علي طريقته، وأنه سيطلق بتصريحاته آهة حبيسة في صدور المسلمين تجذب انتباه العالم الإسلامي المغيب.. وتوجه الأنظار لمقدساتنا السليبة.
ولأننا شعوب عاطفية بالفطرة شعرنا بالزهو لغرور الطاووس الإيراني الذي يواجه التحرش الدولي بكل تحدٍ،وخرجت المظاهرات دعما لتصريحات الرئيس الإيراني. وتابعنا ابتسامة نجاد الغامضة وهو يسير ضمن حشود المتظاهرين دون أن ننتبه إلي أنه قد أهدي المجتمع الدولي ذريعة لضرب إيران سياسيا وعسكريا. فتصريحاته تعزف علي وجدان شعوب مقهورة تبحث عن كرامتها في لهجة تحدٍ.. لكن الخطاب العنتري الذي أقلق المجتمع الدولي لم يوقف الغارات علي غزة ولن يفلح في استصدار قرار من مجلس الأمن يدين وحشية قوات الاحتلال في العراق. فالأمة الإسلامية عاجزة عن حماية نفسها.. عاجزة عن تحقيق مصالحها. نحن لم يتبق لدينا من نظريات الثورة سوي الكلام.. أما الفعل فقد تركناه لأمريكا وإسرائيل!

أمة في قفص الاتهام! .. نشرت بتاريخ 24 / 10 / 2005

عقب أزمة لوكيربي سمعنا لأول مرة عن عقد محاكمة دولية للرئيس الليبي معمر القذافي. ثم توالت المشاهد بسرعة لنجد الرئيس العراقي السابق صدام حسين في قفص الاتهام من دون أن ننتبه إلي أن عجزه الواضح يجسد عجز أمة بأكملها، أمة أصبحت مكبلة باتهامات أمريكية تتراوح بين الإرهاب والديكتاتورية، وبالتالي أصبح كل حاكم عربي مداناً إلي أن يثبت العكس!
إنه مسلسل تصفية ما يسمي بالنظام العربي، وهو المسلسل الذي بدأ باحتلال العراق وتصاعدت حدته وصولاً إلي صدور تقرير "ميليس" الأخير الذي وضع الرئيس اللبناني إميل لحود والنظام السوري وبعض الفصائل الفلسطينية في خانة الاتهام. وهو وضع يبدو متوقعا في ظل اختلال موازين العدل الدولية وإحكام القبضة الأمريكية علي قرارات مجلس الأمن الدولي لرعاية حليفتها المدللة إسرائيل.
حتي سيناريو هيئة التحقيق الدولية يبدو مكررا ومطابقا لهيئة التفتيش الدولية التي صالت وجالت في العراق للبحث عن أسلحة دمار شامل، وأسقطت حصانة قصور الرئاسة العراقية تمهيدا للإطاحة بنظام صدام وابتلاع العراق.
قد لا يحتاج الأمر لاجتهاد مضن في التحليل السياسي لاستشراف مستقبل المنطقة العربية، فالصمت العربي وردود الفعل الدولية تجيب عن كل الأسئلة ببساطة: ما إن صدر التقرير حتي خرج الرئيس الأمريكي يطالب المجتمع الدولي بالتحرك "بقوة وجدية" ضد سوريا، وبدأ مشاوراته مع فرنسا وبريطانيا لاستصدار قرار من الأمم المتحدة بتوقيع عقوبات علي سوريا لتورطها المزعوم في اغتيال الحريري.
وبينما تتمادي أمريكا في تطويق النظام السوري ومحاصرة الفصائل الفلسطينية بتقرير ميليس، تكفل زعيم تيار المستقبل "سعد الحريري" بتهييج الشارع اللبناني، وخرجت المظاهرات مجددا إلي ساحة الشهداء للضعظ علي إميل لحود للتنحي عن الحكم، واحتلت صورة نجل الشهيد الحريري شاشات الفضائيات وهو يغازل الجماهير الثائرة قائلا إنه يطلب العدالة ولا يطلب الثأر!.. وكأنه تخلي عن حنكته السياسية أو أن دماء أبيه لا يعادلها - في نظره- سوي كل دماء الشعب اللبناني المطارد بشبح الحرب الأهلية، والمخترق أيضا من إسرائيل.
الحريري الصغير يقول: "إن هويتنا العربية لا تحتاج الي شهادات حسن سلوك". وفي تناقض غريب يبارك تقرير ميليس الذي يطالب بعض الحكام العرب بتقديم شهادة براءة من دم الحريري.. وكأنه أصبح طرفا في تنفيذ السيناريو المرسوم لتفكيك المنطقة، أو لعله يعتقد أن الأوطان تدار مثل الشركات وعليه أن يخلع رئيس مجلس إدارة لبنان "إميل لحود"ربما ليعتلي كرسيه فيما بعد!.
نحن نسير -عادة- في أي سيناريو يرسم لنا بكل بساطة رغم أن النهايات دائما واضحة، وبالتالي لجأ الجميع إلي بيانات النفي والتشكيك في مصداقية تقرير ميليس دون أن يسأل أي منا عن باقي حلقات السيناريو الذي يمهد له التقرير. لكن الإجابة تأتي قاطعة وسريعة علي لسان "يوفال شتاينتس" رئيس لجنة الدفاع والخارجية في الكنيست الاسرائيلي حين يقول: "ان انهاء حكم عائلة الأسد والاطاحة ببشار هو مصلحة اسرائيلية واضحة وليس مصلحة أمريكية فقط ". وحتي تكتمل الصورة يقول الناطق باسم وزارة الخارجية الاسرائيلية ليور بن دور إن التقرير تطور إيجابي يصب في الاتجاه الصحيح. والاتجاه الصحيح الذي تعرفه أمريكا هو زعزعة الأمن اللبناني الذي بدأ بالفعل مع انسحاب القوات السورية من لبنان، ووضعها علي حافة حرب أهلية لتصبح الأراضي اللبنانية مستباحة لإسرائيل من دون حرب. واسقاط نظام بشار الأسد تمهيدا لاحتلال أمريكي - إسرائيلي لسوريا. أما القضاء علي المقاومة الفلسطينية فهو الضلع الأضعف في مثلث المخطط الأمريكي. لكن الغريب أن الضلع الأضعف (الفلسطيني) يتمتع وحده بروح المقاومة والتصدي، فالوحيد الذي خرج من بين صفوف الأمة المهزومة ليطالب بمحاكمة ميليس علي هذا المخطط كان احمد جبريل الامين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.. فعلها وحده وسط صمت عربي مخز يوحي بأن أمريكا ستتولي محاكمة عدة دول.. وعلي بعض الشعوب العربية الأخري أن تحاكم قادتها
.

ومن العلم ما قتل! .. نشرت بتاريخ 17 / 10 / 2005

احترس من الاقتراب من آراء الدكتور "زغلول النجار"، لأنها ملتهبة مثل البراكين التي يتوعدنا بها، توشك أن تنفجر في وجوهنا جميعا. فيبدو أن نرجسية "العالم" قد تمكنت منه فأصبح يعتبر أن الاختلاف معه تهمة تعادل "معاداة السامية" !
فالرجل قد تولي تفسير الإعجاز العلمي للقرآن لأمثالي من العامة الجهلاء ويسعد بإثارة الجدل حول آرائه العلمية والدينية وما يترتب عليه من شهرة مجزية. لذلك فتح النار علي من عارضوا آراءه حيال الكوارث الطبيعية التي يعتبرها:"عقابا للعاصين وابتلاء للصالحين وعبرة للناجين". فهو يصنف معارضيه إلي "مشايخ" حاسدين وجهلة، أو بقايا "اليسار"الذين يراهم "مجرد سفهاء يريدون التطاول عليه"!!
و علي الدكتور زغلول البحث عن صفة جديدة ينعتني بها لأنني لا أنتمي لكلا التيارين. أو أن يلتزم بالحياد العلمي ووقار العلماء.. ويكف عن ترويعنا.
وبداية لابد أن أعلن ندمي علي متابعة حواره في برنامج "بلا حدود" مع الإعلامي "أحمد منصور" والذي اكد خلاله أن الزلازل والبراكين "جند من جند الله" يسخرها علي من يشاء.
فلم يرتق عقلي لإدراك الحكمة الإلهية من الزلازل التي ضربت الهند وباكستان، ولا سبب الغضب الإلهي علي فقراء جنوب آسيا الذي اجتاحه إعصار تسونامي. ولم أر من إعصار كاترينا سوي الدمار الذي لحق بفقراء أمريكا من السود فيما نجا الأمريكان الأثرياء من لعنة الخراب الذي خلفه مثلما نجوا من إعصار ريتا.
لكن الدكتور النجار يصر علي احتكار الحقائق العلمية والتفسيرات الدينية وحده. ويحاول بكل تعنت أن ينزع من قلوبنا الإحساس بالعدالة الإلهية ورحمة الله التي تسع الكون بأسره.. وكأنه لا يعرف من الصفات الإلهية سوي المنتقم الجبار !..ربما كان علي حق وجاء يوم نري فيه المشيئة الإلهية تثأر للأرواح البريئة التي اغتالتها الإدارة الأمريكية. لكن تري هل يتبني "بوش" نفس وجهة النظر ليتعظ ويحتكم لموازين العدل الدولية ؟. لا أعتقد.
ولا أتصور إمكانية تطبيق نظريته في العقاب الإلهي علي عشرات الآلاف من فقراء باكستان إلا إذا كان يعتقد أن السماء تصب غضبها علي تنظيم القاعدة الذي فجر مركز التجارة العالمي و استقرت بعض فلوله في باكستان !.ألم ير دكتور الجيولوجيا الشهير جثث ضحايا الأعاصير
التي ضربت الهند و تايوان والفلبين والصين وبينهم مسلمون ومؤمنون من مختلف الديانات!!.أم تراه يعتقد أن السماء لا تحب الفقراء؟
كانت شماتة الدكتور النجار في أمريكا واضحة التي تسبب لنا الكوارث الطبيعية باعتبارها كبري الدول الصناعية إطلاقا لملوثات البيئة، وبالتالي تعد هي المسئول الأول عن ظاهرة الاحتباس الحراري الذي يؤدي بدوره لتزايد معدلات الفيضانات والأعاصير والزلازل. و لأنها دولة مارقة لم توقع علي إتفاقيات الحفاظ علي البيئة فلن تنجو من الانتقام الإلهي. فالدكتور النجار ينذرها بلعنة السماء حين يؤكد أن ثلثي الولايات المتحدة الأمريكية ستختفي عقب أكبر ثورة بركانية مرشحة للاندلاع في أية لحظة وهي ثورة بركان
Yellow Stone)) العظيم الذي يقع في ولاية أوهايو الأمريكية. فجأة
تذكرت فقراء مصر الذين شردهم زلزال محدود، مقارنة بما نراه اليوم.. وللحقيقة لم أجد لفكرة الانتقام الإلهي أي سند من الصحة رغم إصرار الدكتور النجار عليها حتي الآن. فمصر لم تكن قرية للظالمين أراد الله إهلاكهم.
وكذلك المدينة المنورة التي يؤكد الدكتور زغلول أنها محاطة بأربعمائة فوَّهة بركانية بعضها سجل هزات أرضية (سجل بركان واحد منها ثلاثمائة هزة أرضية قبل عامين أو ثلاثة)، لكنه يعود - في تناقض غريب- ليؤكد لنا أن الزلزال الذي أثار هلع الناس في مكة المكرمة ليس سوي هزة خفيفة ناجمة عن التفجيرات المستمرة لحفر الأنفاق، ونحن نصدقه بالفعل في كونها أرضاً مباركة نمت منها اليابسة فحسب،أما قوله بأن مكة بعيدة عن منأي الزلازل فينفيه العلماء السعوديون في إشارة إلي حوالي 12 زلزالا مدمرا ضربت مكة كان آخرها في عام 1994 ! هل هؤلاء العلماء أيضا جهلة في رأيه أم أنهم من فئة الحاسدين؟!.

الخميس، 27 نوفمبر 2008

نعم.. إنصاف الأقباط! .. نشرت بتاريخ 10 / 10 / 2005



لماذا يصر النظام علي ترك ملف الأقباط نهبا للشائعات وحرب التصريحات الصحفية ويسلم قطعة من قلب الوطن للقوي الخارجية لتتحول إلي كارت ضغط علي الإدارة المصرية.. وكأنها إدارة أدمنت ابتزاز القوي الخارجية لها وفقدت القدرة علي التحرك بمفردها وبالتالي تستمتع بسادية الإملاءات الأمريكية.
هي ليست المرة الأولي التي ينظم فيها أقباط المهجر مؤتمرا تحت عنوان الاضطهاد و"حقوق الأقليات الدينية" في مصر ولن تكون الأخيرة.. لأن إحراج النظام المصري هدف ثابت علي أجندة الإصلاح المصري. ورغم ذلك تصر الدولة بكل غطرسة علي التجاهل واللامبالاة وكأن هذا السلوك يعفيها من النقد الدولي والمحلي!
قطعا وصف الأقباط بالأقليات كفيل بإثارة النظام الذي يعتبر أن عرض المشكلة هو الأزمة الحقيقية وأن الملوم في تلك القصة هو الصحافة التي تنشر قصص إسلام بعض المسيحيات أو عجز الدولة عن حماية "حرية العقيدة" بإعادتهم إلي المسيحية. لكن ها هو "عدلي أبادير يوسف" الناشط القبطي المصري المقيم في سويسرا يدعو لعقد المؤتمر القبطي الثاني في واشنطن خلال نوفمبر المقبل تحت رعاية "الكونجرس الأمريكي" وربما كانت المرة الأولي التي يخرج فيها عن أجندة الأقباط لتشمل مطالبه تغييرا شاملا للسلطة. وفي بيان قام بتوزيعه للرد علي مهاجمة مؤتمره شن حربا شرسة علي مصر بدأها بالتشنيع علي الصحافة التي اتهمته بالعمالة ووصفت مؤتمره بأنه مشبوه، وكالت له عشرات الاتهامات، بدءاً من العمالة للغرب والاستقواء بواشنطن ضد بلده مصر، وصولاً إلي وصفه بالموتور والحاقد ومشعل الفتن و"حمال الحطب".
ورغم أن السم الذي يقطر من بيانه يؤكد بعض تلك التهم إلا أنه يقول إنه يراهن علي البسطاء أكثر مما يراهن علي النخبة التي وصفها بأنها "خائنة لقضايا أمتها مقابل ما تحصل عليه من عطايا"!!
ويستشهد أبادير بمظاهرات "كفاية" لينفي اتهامه بالمساس باستقرار مصر. لكنه لا يفوته في هذه النقطة تأييد "توريث الحكم" شريطة أن يقوم "جمال مبارك" بطرد اللصوص المهيمنين علي الحكم في الدولة، والذين أذلوا ملايين المصريين مسلمين وأقباطاً علي حد تعبيره!
وفي تناقض غريب ينتقل أبادير لينتقد رأس الدولة الذي يزعم أنه أصبح "محاصراً" بما يسميه "الأجهزة السيادية" التي تكلف الدولة بلايين الدولارات.. ليستكمل بعد ذلك هجومه الشرس علي مقار الرئاسة التي يسميها "القصور الملكية". ولست في صدد الترويج لآرائه الفجة التي خرجت بقضية الأقباط عن مسارها في إعلان سافر عن طبيعة أهداف لوبي المهجر الذي يتعامل مع النظام وكأنه حكومة منفي! لكني لست من حزب الإنكار، أنا واحدة من الذين ألحوا في كتاباتهم علي تلبية مطالب الأقباط حتي لو كان المناخ السائد ملوثا بالفساد ومترديا بسبب انعدام العدالة وانتهاك حقوق الإنسان. فحقوق المواطنة ليست أغنية موسمية نتغني بها كلما حدثت بوادر فتنة طائفية.. والحديث عن النسيج الواحد للمجتمع ليس مجرد شعار نرفعه في مواجهة الرأي العام العالمي. نحن نواجه مسلسل تسييس الدين بمسكنات فقدت صلاحيتها، وفي الوقت الذي برز اللوبي الشيعي ليرفع صوته وهاجت جماعة الإخوان المسلمين للمطالبة بوجود سياسي مشروع.. لم نسمع صوتا واحدا يتحدث عن إنصاف الأقباط !


نعم إنصاف الأقباط.. فلم يعد ممكنا مداواة الاضطهاد بنفيه. المجتمع الذي يطالب بإصلاح سياسي حقيقي ويموج بحركات سياسية تشعل نيران المظاهرات وتحول المياه الراكدة الي دوامات لا يجوز له أن يبتلع حقوق مواطنيه. وإذا كان أبادير ينأي بالكنيسة المصرية عن مواقفه السياسية ويكتفي بكونها مظلة روحية، ويطالب بمجتمع مدني علماني.. فلا أحد منا يختلف مع هذا المطلب رغم اختلافنا مع أسلوب السعي لتحقيقه. وحتي إذا صدقت اتهامات العمالة الموجهة لأبادير وارتباطه بالأهداف الاستراتيجية الأمريكية والصهيونية ضد مصر مسلمين ومسيحيين ومسيحيين علي السواء.. فلن نسمح بأن يدفع فاتورة اخطائه مسيحيو الداخل في مصر القبطية


يحدث في «كهف ستان»! .. نشرت بتاريخ 6 / 8 / 2005

في جمهورية «كهف ستان» الرفاق نائمون.. لا يبالون كثيرا بما يحدث في قصر الرئاسة، البعيد عن كهفهم. معزولون عن العالم الخارجي بسبب انقطاع التيار الكهربائي.. حتي فقدوا القدرة علي الإبصار. فجأة قرر الحاكم إخراجهم من الظلام. جاءتهم الصورة مشوشة وضبابية، والمشاهد متتابعة لكنها مبهمة. لم يفهم سكان الكهف ما المقصود من تداول السلطة أو تحديد صلاحيات الحاكم. لم يستوعبوا خطورة «قانون الطوارئ» فلم يستجب أي منهم للاستفتاء علي تعديل الدستور. هم منغلقون علي همومهم يكملون عشاءهم نوماً. وبدون سابق إنذار اقتحم سلامهم المزعوم من يبشرهم بمنحة الحاكم للشعب: إنها«الحرية».. بوابة الإصلاح السياسي لدخول عهد الانتخابات الرئاسية. أطلت عليهم وجوه تتجهم وتتحدث بلهجة سياسية عن حق المواطن في «كرسي الحكم»، وألح عليهم رجال الدين للمشاركة في تحديد مصير «كهف ستان» باختيار رئيسهم القادم. صدم الشعب الذي لم يعرف في حياته سوي «ثورة الجياع» حين شاهد «الهجامة» تطارد مظاهرات حركة «بس خلاص». شعروا بالفزع من الفوضي فهم لم يألفوا الخطب العصماء لقادة المعارضة ولم يعتادوا التطاول ولو بالتلميح علي رموز الحكم، فاعتبروا أن ما يحدث مجرد «كابوس» سيستيقظون منه حتما. لكن هناك من رأي فيما يحدث «حلما» في طريقه للتحقق: العقار رقم 117 هو رقم مقر لجنة تلقي طلبات الترشيح لرئاسة الجمهورية. هي إذن علامة لا يخطئها قلب مؤمن دفعت صاحب «الرؤية» لتقديم أوراقه فورا للانتخابات. وفي منام آخر هناك من رأي نفسه يرتدي ثوبا «أبيض في أبيض»: هي إذن بشارة فوزه برئاسة الجمهورية. الأهم من ذلك أن رئيس أحد الأحزاب وزع كتبه القيمة في «تفسير الأحلام» داخل اللجنة بعد سنوات طويلة ناضل خلالها حزبه لفك عقدة الاقتصاد المربوط علي الفقر وجلب الغائب وتزويج العانس بالاستعانة بالأرواح! ثم طرح أحدث أفكاره للمساواة بين الفقراء بتعميم «زي موحد» للقضاء علي التمييز الطبقي بين فئات الشعب!
ولأن الناخبين بينهم من يهتم بـ «الطبق» قبل «الطبقة» رفع أحد مرشحي الرئاسة شعار توفير «الفول» لكل مواطن. وعلي سبيل المزايدة السياسية أضاف مرشح آخر القمح إلي الفول. واعتبر آخر أن الحل في بطن «السمكة». والغريب أن هناك من اقترح زراعة «الصبار»، ثم اكتسحهم مرشح حمل معه كيسا من «الخبز» إلي اللجنة. وبعد «وصلة هذيان» انصرف حفاظا علي سخونة الخبز!. وتنوعت برامج المرشحين بين قوائم الطعام وقائمة الإصلاح السياسي. وفي السياسة حدث ولا حرج، فأحد المرشحين البارزين لم يجد حلا للبطالة سوي فتح الحدود بين «كهف ستان» و«إسراطين»، في حين طالب مرشح آخر بطرد سفراء أمريكا وإسرائيل وإنجلترا ونفيهم إلي كوكب آخر. وهناك من طالب بفصل الشرطة عن وزارة الداخلية ونادي بعدم تحديد النسل باعتباره خطة صهيونية! لكن الأطرف من ذلك المطالبة بتشريع يحاسب رئيس الجمهورية عقب كل ثلاث سنوات علي ما وعد وتعهد به، فإذا لم يف بما قطعه علي نفسه يتم عزله وحبسه.
وعكست أعراض «البارانويا» التي بدت علي بعض المرشحين حالة التعطش للسلطة: أحد المرشحين رفض الإفصاح عن برنامجه الانتخابي إلا أمام كاميرات برنامج «البيت بيت أبونا». والآخر زعيم بالفطرة نجا من تطبيق خمسة أحكام بالإعدام شنقا ورفض الترشيح لجائزة نوبل ثلاث مرات. والثالث يطلب مناظرة علنية مع الرئيس وهو خلف أسوار السجن. أما المناظرة الأخري فيطالب بها مرشح أعلن ترشيحه أيضا من خلف القضبان!
في مصر القانون يحظر تناول سلوك المرشح أو أخلاقه ، أما في «كهف ستان» فهذا الحظر مطعون في دستوريته، وهو ما جعل الشعب يشاهد هناك كوميديا سياسية أبطالها من الواقع. وبعد حملة تأييد لرئيسهم الحالي عادوا إلي الكهف وانقطع التيار الكهربائي.

مارد الإرهاب .. «مصري» ! .. نشرت فى العدد التاسع بتاريخ 30 / 7 / 2005

قبل أي كارثة وطنية يصر بعض المسئولين علي سياسة التضليل وجرنا إلي الطريق الخطأ. وفي كل مرة تتوافر الذرائع المقنعة لحالة "التوهان المنظم"، وهو ما حدث عقب مجزرة "شرم الشيخ".
نحن الآن نتابع مطاردة قوات الأمن المصرية لشبح "بن لادن" ونبحث معها عن بصمات تنظيم "القاعدة" علي حطام السيارات المتناثرة وأشلاء الجثث المتفحمة. والغاية هنا أنبل من الحقيقة لأن الاعتراف بوجود "إرهاب محلي" نشط يعد ضرباً مباشراً للسياحة المستهدفة أصلا بالعمليات الارهابية. أما الدخول في دائرة الإرهاب الدولي ففيه حصانة مؤقتة لاقتصاد منهار أصلا لا ينقصه إرهاب. كما أنه يبرئ ساحة المسئولين عن الأسباب السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تدفع الشباب إلي اعتناق افكار تكفير المجتمع (المسماة بالجهاد) والانخراط في صفوف جماعات العنف الديني.
لابد هنا أن تتمتع بقدر من السذاجة (ولا أقول الغباء) لتتقبل فكرة الخلايا العشوائية التي أطلقت رصاصها علي أتوبيس سياح إسرائيليين في السيدة عائشة دون أن تتوافر لديها قاعدة بيانات لحركة الأفواج السياحية، وألا تجادل في كيفية دخول المفرقعات عبر المنافذ الجمركية رغم وجود أجهزة إشعاعية للكشف عنها في الجمارك، وعليك أن تتابع الصدام الأمني مع جماعات الإرهاب في القري المجاورة لشرم الشيخ باعتباره فيلماً بوليسياً يجسد مطاردة جنودنا البواسل لعناصر خارجية (باكستانية تحديدا نفت أجهزة الأمن تورطها) تسللت إلي أراضينا وفجرت مدينة السلام وحولتها إلي مدينة أشباح، ثم وجدت من يحميها بين قبائل سيناء.. وكأننا دخلنا كهوف أفغانستان نفتش عن رقم هاتف أسامة بن لادن المحمول!
أمامك الآن عدة سيناريوهات لكارثة شرم الشيخ، أسهلها أن تحمل الموساد الإسرائيلي المسئولية خاصة وقد حذرت إسرائيل مواطنيها من التردد علي المدينة قبل التفجيرات، أما السيناريو الذي تروج له الأجهزة الأمنية فليس مفروضا عليك لأنه يعلق ذنوبنا في رقبة مارد تنظيم (قاعدة الجهاد)، وهو سيناريو دعائي خطابه موجه إلي الخارج. السيناريو الأقرب الي المنطق (وهو مفزع) يبدأ من الواقعة التي نشرها الزميل مصطفي بكري في جريدة "الأسبوع" وأكد خلالها أن الجماعات الإرهابية أطلقت نيرانها علي طائرة تابعة لقوات مكافحة الإرهاب - كانت تطارد الإرهابيين في جبال سيناء - وأجبرتها علي الهبوط الاضطراري فتسببت في إصابة 22 جنديا وضابطا! هذه الواقعة تكشف مدي نفوذ تلك الجماعات أولا بين بدو سيناء خاصة بعد حملات الاعتقال والتعذيب التي تعرضوا لها عقب تفجير "هيلتون طابا"، وتوضح القدرات المادية الضخمة التي تمكنها من امتلاك أسلحة متقدمة (هنا يبرز دور التمويل الخارجي)، وتدلل هذه الواقعة علي أن خلايا الإرهاب نشطة ومتشعبة ومتغلغلة في بنية المجتمع سواء خرجت من عباءة "تنظيم الجهاد" أو اعتنقت أفكار "بن لادن" أو ابتكرت عقيدة تكفيرية جديدة مؤسسة علي رفض التطبيع المصري - الإسرائيلي أو مناهضة الاحتلال الأمريكي للعراق أو مواجهة أخطبوط الفساد الذي يطوق البلد. لكن الأدهي من ذلك أنها ليست خلايا عشوائية كما يزعم الأمن، لأنها تملك شبكة معلومات حديثة (معظم التنظيمات الإرهابية مخترقة من أجهزة استخباراتية) وتتمتع بحرية حركة داخل البلاد وترصد أهدافها بدقة وتنفذها بحرفية عالية، وهذا دليل علي تدريب رفيع المستوي. فإذا افترضنا أن التمويل خارجي والقاعدة المعلوماتية مستمدة من أجهزة معادية لمصر والأيديولوجية الفكرية مستوردة.. فإن المتفجرات في النهاية صناعة محلية، وهناك أيد مصرية ملوثة بدماء أبرياء، بل وهناك مجتمع يحتضن هذه الجماعات يفرخ منها أجيالا جديدة كل يوم. وما دمنا نصر علي الإنكار فلا سبيل لاقتلاع الإرهاب من جذوره كما يروجون، وما دامت المواجهة تقتصر علي الأمن ففي غياب العدالة يتحول كل عاطل إلي مشروع إرهابي في انتظار التجنيد.

محلل سياسي! نشرت بالعدد السابع بتاريخ 16 / 7/ 2005

هل تدار السياسة الخارجية وفقا لمصالح كل دولة وثقلها الإقليمي وتوازناتها الدولية أم أن علينا الاعتراف بأننا سلمنا إرادتنا وقرارنا ودخلنا بيت الطاعة الأمريكي؟ هل تحتكم للمواثيق والأعراف الدولية أم لمعيار الأخلاق والفضيلة المختلف عليها؟ هذه الأسئلة أوجهها لرئيس الوزراء الدكتور أحمد نظيف الذي اعتبر استمرار الوجود المصري في العراق "قضية أخلاقية" لن نتنازل عنها!
إن البعض ـ وأنا منهم ـ يري أن إضفاء الشرعية علي الحكومة العراقية الموالية لقوات الاحتلال مسألة غير أخلاقية بالمرة، وقبل أن أنزلق إلي عبارات فضفاضة دعونا نعترف أولاً بأن تلك المسألة تتعارض مع الأمن القومي العربي ككل.. فقد يتحول العراق فيما بعد إلي منصة لقصف إيران وضرب سوريا. كان علي الدكتور نظيف أن يراجع اغتصاب الرجال قبل الإناث ووحشية المارينز التي تجاوزت حد الجنون في سجن "أبو غريب" قبل استخدام "الأخلاق" في تبرير استمرار البعثة الدبلوماسية هناك. هل يعتقد أننا نمر بحالة غيبوبة حالت دون متابعة الصفقة المخجلة التي عقدتها وزيرة الخارجية الأمريكية "كونداليزا رايس" في القاهرة وتنازلت بمقتضاها عن مطالب الإصلاح الأمريكية، مقابل إرسال السفير المصري"إيهاب الشريف" إلي بغداد.
ولن تخيفنا غلظة الوزير أحمد أبو الغيط في مواجهة الكاميرات، حين سئل عن ثمن الدم المصري الذي أراقته أياد تستهين بمقدرات الأمة .. لن نتراجع أمام عصبيته وهو ينهر الصحفيين في عصبية: "كفي هزلاً".. بل علي الحكومة المصرية أن تكف هي عن الهزل واللعب بمصير البلد وشعبه. ولا تحسب أن تكريس الموديل الأمريكي للديمقراطية في العراق ستنأي بالنظام عن رياح التغيير العاتية، فالصديق الأمريكي لم يتحرك خطوة لإنقاذ السفير المصري، رغم اعتراف وزير الدفاع دونالد رامسفيلد بوجود قنوات حوار مع جماعات مسلحة عراقية. وأظن أن تصريحات رامسفيلد باستثناء جماعة "الزرقاوي" من الحوار مجرد محاولة لوصم المقاومة العراقية كلها بتهمة الإرهاب.
ونحن بالتبعية علينا أن نتبني الخلط الأمريكي بين المقاومة المشروعة لقوات الاحتلال والإرهاب الذي يروع الآمنين والمدنيين، ولا نصدق التقرير الصادر عن معهد الدراسات الاستراتيجية الدولية في أمريكا والذي يقول: "إن عملية الدمقرطة التي تبنتها واشنطن في الشرق الأوسط وحربها علي الإرهاب أسهمتا في تحسين الأمن في المنطقة العام الماضي، لكنها في العراق زادت من أنصار
القاعدة". وهذا معناه ببساطة أن "بوش" يتولي الآن مهمة تجييش الشباب في صفوف الجماعات الإرهابية. ورغم أنه يعتبر العراق بمثابة "الجبهة المركزية في الحرب ضد الإرهاب" فإنه يبحث عن طوق نجاة ينتشله هو وجنوده من مستنقع العراق بعد أن تدنت شعبيته وأظهر آخر استطلاع للرأي أن 60% من الأمريكيين يريدون انسحاب القوات من العراق. وزاد من مأزق الإدارة الأمريكي مطالبة 128 من أعضاء الكونجرس لبوش بالإعلان عن خطة للانسحاب من العراق مع نهاية هذا العام. وفي رحلة البحث عن متنفس سياسي عثر "بوش" علي من يقوم بدور "المحلل السياسي" لحكومة "شيعية" تسكن فراش "المتعة" مع الأمريكان.. حكومة ترفض قرار مجلس الأمن الذي ينص علي انتهاء ولاية القوة متعددة الجنسيات مع نهاية العام الحالي بل وتطالب ببقائها بحجة مكافحة الإرهاب. إذن فليذهب كل "شريف" إلي الجحيم طالما كان اغتياله يدعم وجود الاحتلال الأمريكي في العراق، وليحصد الإرهاب أرواح الأبرياء في "لندن" ليجد "توني بلير" ذريعة مقنعة لتبعيته المطلقة لأمريكا. إنه مسلسل "بقاء الأنظمة" وكلنا في الهم "شعب": في الشارع الأمريكي يلوح "بوش" بكارت الإرهاب فيهرع المواطنون إلي صناديق الانتخاب ويختارونه بكل ديمقراطية لولاية ثانية، وحين يهددوننا هنا: "كفي هزلاً" ننسي أنهم فرطوا في هيبة دولة وأهدروا دماء أبنائها باسم "الأخلاق"!.

الأقباط في ذمة الإخوان نشرت فى العدد السادس بتاريخ 9 / 7 / 2005

يبدو أن أوهام الزعامة تسيطر علي «محمد مهدي عاكف» المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة، إذ تصور أنه فور إعلانه الخوف من محاولة اغتياله سيتحول إلي بطل قومي يتحالف معه الجميع رغم تباين الأجندة السياسية! وبهذا التصريح تجاوز عاكف سقف الشائعات التي تتحدث عن وجود انقسامات حادة داخل الجماعة، بدأت بعزل الدكتور عبد المنعم أبوالفتوح ممثل تيار التجديد داخل الجماعة.. وبرر عزوف بعض أحزاب المعارضة والحركات السياسية عن الانضمام إلي «التحالف الوطني من أجل التغيير والإصلاح» الذي تتزعمه الجماعة وانسحاب عدد آخر منه بعد الاجتماع التأسيسي الذي اظهر احتكار الجماعة لعمل التحالف من القمة إلي القاعدة.
ولأن الجماعة واحدة من اصحاب براءة اختراع المناورات السياسية ودائما ما يتعامل مرشدها ـ أيا ما كان اسمه ـ مع الوطن وكأنه «طاولة قمار»، كل الأوراق فوقها مشروعة من منطق «الغاية تبرر الوسيلة»، أصبح سهلاً علي عاكف أن يبدل خطاب الجماعة الثابت لعدة أجيال وفي لحظة ليعترف بوجود المرأة ويضم سيدتين إلي الجماعة (الدكتورة عايدة سيف النصر والدكتورة نجلاء القليوبي)، ويبادر إلي مراجعة برنامج الجماعة لتعديل موقفها من الأقباط لتقر بأن مفهوم «الذمة» الذي يدعو إلي ضرورة دفع الأقباط للجزية هو مفهوم تاريخي لم يعد قائما الآن، وبالتالي تعترف بمفهوم المواطنة الشامل للأقباط. ورغم أن فتوي عبد الله الخطيب عضو مكتب إرشاد الجماعة بمنع بناء الكنائس في مصر وهدم الموجود منها مازالت سارية.. نجح المرشد العام في ضم عدة شخصيات مسيحية إلي تحالفه (كان أولهم الدكتور رفيق حبيب وتبعه الدكتور ميلاد حنا وجمال أسعد)، وهكذا أصبح من السهل تصدير مطالبه إلي الأخوة المسيحيين. وفي انتهازية سياسية فجة أعلن عاكف أنه يؤيد قيام حزب مدني مسيحي بمرجعية دينية علي أمل أن ينوب عنه البابا شنودة في تحقيق أهدافه. فالسماح بقيام حزب مسيحي هو الطريق الوحيد لـتأسيس حزب إسلامي.. لكن ذكاء عاكف لم يرق لفطنة الكنيسة التي لم تبتلع الطعم وأعلنت رفضها إنشاء حزب مسيحي لقناعتها بضرورة الابتعاد عن العمل السياسي.
ولا تجد الجماعة المحظورة تعارضا بين مخططها الأصلي في الاستيلاء علي النقابات المهنية والسعي للبحث عن شرعية لوجودها السياسي. لكن يبدو أن صخب الشارع السياسي أغراها هذه المرة بتصعيد اللعب داخل النقابات. فلأول مرة تضعف الجماعة أمام مقعد نقيب المهندسين (ولا نعرف بعد موقفها من مقعد الحكم)، وبعد أن كان الإخوان قانعين بمقايضة مقعد النقيب بالسيطرة علي مجلس النقابة في معظم النقابات التي احتلتها.. تراجعت الجماعة عن قرار تأييد الدكتور ميلاد حنا في حال خوضه الانتخابات علي منصب نقيب المهندسين، وتراود نفسها الآن لترشيح أحد قياداتها.
ولأن المنهج الثابت للإخوان هو اللعب علي كل الحبال.. لم يترك عاكف موجة واحدة تفلت دون أن يستغلها بدهاء شديد بدءا من مغازلة امريكا بورقة الأقباط رغم أنها رفعت الدعم عنهم.. مرورا بإستقطاب الأقباط بشعار (لهم ما لنا وعليهم ما علينا) وصولا إلي قمة النجاح الذي تمثل في انتزاع اعتراف بشرعية وجودهم بدأ ببضع مقالات تطالب الحكومة بفتح حوار معهم.. ومطالبة القيادي الوفدي الدكتور محمد علوان للحكومة باعتراف فوري بوجودهم! إضافة إلي تعاطف معظم الحركات السياسية والمدافعين عن الحريات مع معتقليهم. كل هذه المكاسب قطعا لن تشبع نهم الإخوان للسلطة التي بدأوها من القاعدة وأصبحت الآن قمتها متاحة، ولا أدري هل هناك فيروس غباء منتشر في الشارع السياسي جعل البعض يصدق كلام عاكف عن الحرية والديمقراطية.. أم أن مشروع الإصلاح أسقط من ذاكرة عتاة اليساريين والليبراليين التاريخ الأسود للإخوان المسلمين؟ أعتقد أن التيارات السياسية في المقابل تلعب علي حبال التغيير وتستخدم كارت الإخوان للضغط علي النظام. ولأن هذه التيارات تمثل أحزابا بلا قاعدة جماهيرية بينما الإخوان جماهير منظمة تبحث عن حزب تشكلت صورة ما من التكامل المرحلي.. وبالتالي فالأمر لن يتجاوز خطوات تكتيكية إلي تحالفات استراتيجية

كوندي.. والأربعون كلبا نشر فى العدد الرابع بتاريخ 25 / 6 / 2005

في مستهل زيارة "كونداليزا رايس"وزيرة الخارجية الأمريكية للشرق الأوسط.. طالعتنا الصحف اليومية بخبر عجيب : "يرافق كونداليزاخلال جولتها في المنطقة عدد من المعاونين وعدد من رجال الأمن والمارينز.. و40 كلبا بوليسيا!"، وبدا الخبر غريبا وسط صخب الحديث عن الأجندة التي تحملها كوندي ومدي تقبل الأنظمة العربية للإملاءات الأمريكية حول عملية الإصلاح السياسي. ولأن الزيارة جادة ولا تحتمل روح الدعابة كان لابد من النظر إلي الأربعين كلبا بعين المراقب السياسي الذي لا يتمتع بحب الفكاهة، فتقول مثلا: ربما جاءت بهم لإعلان رفضها التعامل مع الإخوان المسلمين الذين يفرون من الكلاب حرصا علي وضوئهم. أو تقول أن كوندي تخشي التحرش الجنسي في القاهرة بعد أن أصبحت شهرتنا عالمية في إنتهاك أعراض المطالبات بالإصلاح (بالمناسبة لي صديق يعتبر أن سيقان كوندي نموذج للجمال!). أو قد تكون لكوندي مع الكلاب "علاقة حميمة" تشعرها بالأمان في منطقة مفخخة بالبدو والإرهابيين! وهي في النهاية إمرأة (آه والله) ودليلي علي ذلك.. الإحساس بالقهر الذي بدا في حديثها عن إنتهاء عصر الرق والعبودية (سواد بشرتها هو هويتها الأصلية). وهي في الحقيقة رقيقة جدا ومجاملة: ألم تثني علي الإفطار المصري والقهوة العربية في السعودية وإصلاح نظام التعليم في الأردن؟
حتي في حديثها عن الإصلاح السياسي كانت ودودة للغاية وهي تقول أن الوصول إلي ديموقراطية حقيقية في أمريكا إستغرق مائة عام.. لكن حذار ألا تقطع حبل المودة، فهي تحذر من أن الولايات المتحدة سعت علي مدي ستين عاما إلي تحقيق "الاستقرار" في المنطقة علي حساب "الديمقراطية" لكنها ستتبني الآن نهجا يدعم "التطلعات الديمقراطية لكل الشعوب".
كوندي التي شددت في القاهرة علي ضرورة إجراء إنتخابات رئاسية وبرلمانية حرة ونزيهة بوجود مراقبين دوليين يتمتعون بحرية الحركة، وإنتقدت بشدة قانون الطوارئ وما أسمته بالتعسف في تطبيق العدالة والعنف ضد المتظاهرين.. كانت تحدث الإدارة المصرية علي طريقة: "غزة أولا.. والإصلاح فيما بعد" فكانت إنتقاداتها لا تخلو من لهجة التهديد. لكن يبدو أن مقايضة الدور الأمني الذي تلعبه مصر بين إسرائيل وفلسطين بإرجاء مطالب الإصلاح الملحة.. مقايضة مرضية للبيت الأبيض. ولأنها لم تجد من يردها في القاهرة ولا من يرفض التدخل
السافر في شئوننا الداخلية.. واصلت تهديداتها علي طريقة خذ العظة من جارتك سوريا التي لم تستوعب الدرس.. ومماسمته كوندي الوحشية المنظمة للنظام الإيراني. ربما كانت كوندي بحاجة إلي فنجان قهوة مر مثل الذي تذوقته في المؤتمر الصحفي الذي جمعها بالأمير "سعود الفيصل"وزير الخارجية السعودي. الأمير "سعود" واجه الانتقادات الأمريكية لموقف السعودية من الإصلاح بشجاعة يحسد عليها: إعترف بوجود خلاف حقيقي بين واشنطن والرياض حول تلك القضية، وأكد أن "التقييم المهم لأي بلد في تطور إصلاحه السياسي هو حكم شعبه"، ودافع بثقة عن وجود معتقلين طالبوا بقيام ملكية دستورية (رغم إختلافنا معه).. وأوحي بأن سقف الإصلاح السياسي المتاح في السعودية ربما لن يتجاوز وجود مجلس شوري معين ومجالس بلدية منتخبة!.

وفي المؤتمر الصحفي نفسه وجدت كوندي نفسها في مواجهة عينين تطلان في تحد من خلف النقاب لتسألا داعية الإصلاح عن التعذيب في سجن "أبو غريب". فعلتها إذن إمرأة سعودية بين الحضور، خرجت من الحرملك لتطوق كوندي بالحرج وتضعها في خانة الدفاع بدلا من ساحة الهجوم التي عربدت فيها بالطول والعرض تلقننا درس: "النظام العالمي الجديد تهذيب وإصلاح". وحين بدا وجه كوندي محتقنا وهي تبرر إنتهاك حقوق الإنسان في "أبو غريب" وتصف المعتقلين بأنهم إرهابيون تذكرت علي الفور كلابها. لا أقصد بالقطع الكلاب البوليسية.. .. بل من يتصرفون كالكلاب ويلعقون الحذاء الأمريكي ويتسولون موعدا مع الفاتنة كوندي. حدث هذا في السعودية.. أما في القاهرة فلم تقابل كوندي من يستوقفها حين تحدثت عن الإستعمار ليسألها: متي يرحلون عن العراق؟.

الثلاثاء، 25 نوفمبر 2008

جمهورية الموز! العدد الثالث المنشور فى 18 / 6 / 2005


لا أدري لماذا برز تعبير «ترزية القوانين» الآن ليحتل مانشيتات الصحف في محاولة لتفصيل مواد قانون انتخابات الرئاسة علي مقاس شخص محدد في إشارة واضحة إلي«جمال مبارك» نجل رئيس الجمهورية ،وذلك رغم نفي الرئيس عدة مرات مبدأ توريث الحكم وتأكيده علي استمرار مصر كجمهورية برلمانية لا تخضح لطقوس الخلافة الملكية.
وحتي لا نذهب بعيدا دعونا نتذكر ما الذي فعله «حزب البعث» في سوريا ليرث الأسد الصغير عرش والده «حافظ الأسد». لقد تم تغيير الدستور بين عشية وضحاها لأن الرئيس «بشار الأسد» لم يكن قد وصل للسن المنصوص عليه في الدستور لرئاسة البلاد. وقطعا الحزب الوطني ليس في سطوة حزب البعث ولا أجهزته الحديدية المسيطرة علي سوريا، ولا يملك قادة الحزب الوطني نفس «الولاء القبلي» الذي حكم توجهات البعثيين. ورغم ذلك إذا كان في نية «جمال مبارك» الترشيح للرئاسة فلن يحول دونها ترسانة قوانين ولا مظاهرات المعارضة والحركات السياسية. فلا داعي لتأويل مواد القانون بأكثر من معني.. ولا تحميلها بأكثر من أهدافها.
المشكلة ليست في الطموح السياسي لنجل الرئيس ولا إمكانية تحقيقه.. المشكلة الحقيقية فيمن يصرون علي تشويه الواقع ومصادرة المستقبل وبتر خطوات الإصلاح السياسي، وفي نفس الوقت يمدون نيران الغضب المشتعل في الشارع بوقود «توريث السلطة» وكأنهم يقدمون الذرائع للمزايدة علي النظام والتكتل في مواجهته!
ولأن «ترزية القوانين» يتمتعون ـ للأسف ـ بالحصانة فلا مجال للحديث عن مستوي الذكاء والحنكة السياسية، فقط نقول إنهم تطوعوا بالإسراف في التنازلات بعد أن فوضهم الشعب للتعبير عن إرادته في المجالس التشريعية.. وإنهم كادوا أن يفرطوا في ثوابت وبديهيات يفترض توافرها في أي شخصية تتعاطي الشأن العام فما بالنا بمنصب رئيس الجمهورية.
الدليل العملي علي ما أقول هو اعتراض د.«نبيل لوقا بباوي» في مناقشات مجلس الشوري علي المادة 34 التي تنص علي غرس الناخب إصبعه في حبر غير قابل للإزالة قبل أربع وعشرين ساعة وذلك لضمان عدم إدلاء الناخب بصوته في أكثر من لجنة.. وكان اعتراض النائب لأسباب موضوعية: «إذا كان الدين الإسلامي وهو أساس التشريع يدعو إلي النظافة فكيف يترك الناخب إصبعه متسخا؟»، سيادة النائب يري أن النظافة أهم من النزاهة.. ويشهر سيف الإسلام في وجوهنا.. وجهة نظر!
إذا كان د. نبيل يمثل نموذجا فج في مؤازرة الحكومة التي أرادت تمرير القانون دون شرط تأدية الخدمة العسكرية لمرشح الرئاسة وعدم ازدواج جنسية المرشح، إلا أن تصدي المعارضة لهذا التفريط الرسمي في شروط مرشح الرئاسة لا يدعو للتفاؤل فحسب بل يؤكد أن علي المعارضة أن تعمل في قنواتها الشرعية (الملعب الأصلي) خاصة وأن موقفها الأخير حظي بغطاء صحفي شفاف لا يسمح بفوضي تشريعية.
لقد اعتدنا من نواب المجلس الموقر الموافقة مقدما وبالإجماع علي مشروعات القوانين بالصورة التي يتبناها الحزب الحاكم. وليس غريبا ولا جديدا ما يأتي به نواب الشعب الذين يرفعون شعار: «انصر الحكومة ظالمة أو مظلومة» فهم أنفسهم من أخرجوا القانون 93 لعام 95 الذي يجيز حبس الصحفيين ليخرسونا.. فهذه هي الشفافية التي يعرفونها وهم ـ أيضا ـ من عدلوه بالقانون 96 الذي نناضل الآن من أجل تغييره.
إذن القوانين قابلة للتغيير خاصة ونحن في مرحلة تجاوز القوانين إلي تعديل الدستور نفسه، لكن الخلاف علي مواد القانون كشف من ينتمون للنظام ويخدمونه (علي طريقة الدب الذي قتل صاحبه) وذلك بضرب مصداقية النظام والإطاحة ببوادر الإصلاح التي تطرح من أعلي.. وهؤلاء هم مشكلة النظام الحقيقية.
لقد برز من بين النواب من يقول إن المرشح لرئاسة مصر لا يجوز له أن يتلقي دعما ماديا من الخارج لأن مصر ليست «جمهورية الموز»، لكنهم في الحقيقة أرادوها كذلك لأنهم يحسبون الإصلاح بميزان المصالح.. ومصالحهم هي مصدر التوتر الحقيقي.. والمحرك الأساسي لصراعات شلت حركة التغيير.. ويبدو أن التغيير لن يحدث قبل تصفية «فريق الدببة» واختفائه من الساحة السياسية


الاثنين، 24 نوفمبر 2008

عائلة الفجر .. صوت الحرية
العدد الأول المنشور فى 4 / 6 / 2005



هل تذكرون أبيات "ناظم حكمت" : ( ان أجمل البحار ذاك الذي لم نذهب إليه بعد .. وأجمل الأطفال من لم يكبر بعد .. وأجمل أيامنا التي لم نعشها بعد.. وأجمل ما أريد قوله لم أقله بعد .. ) .. وأزيد عليها : ان أجمل الصحف هو إصدار لازلت "حروفه ساخنة" .. تحمل حرارة لهفتنا علي لقاء القارئ ودخول عالمه مثل وعد يتحقق مع شعاع "الفجر" الأول .
إنه "الحلم" الذي يتحول بأقلامنا إلي واقع.. لا نراهن فيه إلا علي قارئ تابع تجاربنا .. وسكن عقولنا .. واحتل وجداننا .. ولم يخذلنا أبدا .
"الفجر" تجربة صحفية مختلفة ربما لأنها تتويج لنجاحات سابقة تضعك في مأزق منافسة نفسك .. ولا أظن أحدا من الزملاء يخرج من حالة "النقد الذاتي" إلا مع صدور العدد التالي من الجريدة .
السؤال الذي كان يحتل أروقة وكواليس الوسط الصحفي ونحن نجهز العدد الأول هو أسماء المرشحين لرئاسة المؤسسات القومية .. باعتبار أن تغيير القيادات قد يعني تغيرا في التوجهات والسياسات .. وقد يعني للبعض انهيار جماعات مصالح وصعود جماعات بديلة . لكن همنا كان مختلفا .. كنا نبحث عن أفكار جديدة ..وخبطات صحفية متميزة .. ومقالات تكسر النمط السائد .. كنا نبحث عن صيغة مرضية للقارئ الذي انتظرنا .. وذلك الذي لم تصافح عيونه كلماتنا ، كنا نسأل عدة أسئلة : هل يكفي أن تعبر بصدق عن قضايا الوطن .. هل المصداقية والجاذبية هما فقط ما يريده القارئ في زحام الإصدارات الصحفية .. هل يكفي ان ترتدي عباءة الوطن وتكون نفسك.. وتتطابق مع أحلام الناس .. وتقاسمهم همومهم لتصل إليهم؟ .. وتساؤلات أخري كثيرة ربما تجيب عنها آراء القراء ونسب توزيع الجريدة .
المشهد الأول : "للحب أسس موضوعية!! "
الحب لا يستسلم أبدا لأحضان طاغية مهما كانت جاذبيته .. الحب ليس عقد إذعان وخضوع ،وتدريبات يومية علي "رقصة الذل" في محراب من تحب .. الحب الذي أعرفه نقيضا للعبودية هو "الحرية" ذاتها في أرقي أشكالها وأسمي معانيها لأنه يحررك في المقام الأول من نزعات التملك والأنانية .. فالاستقلال عن المحبوب أهم شروط الحب .. لابد أن تكون نفسك ليصبح لديك ما تقدمه للآخر .. لابد أن تمتلك ذخيرة إنسانية متميزة لتحدد مسافة الاقتراب منه أو البعد عنه .. لابد أن تقف في مساحة محددة بدقة تحتفظ فيها بإيمانك بمن تحب دون أن تفقد القدرة علي نقده أوالاختلاف معه .. فللحب أسس موضوعية إذا فقدها ذهب الحب وبقيت عذاباته !
هكذا كنت أري "عادل حموده" يطبق قانونه العاطفي مع تلاميذه في بلاط صاحبة الجلالة .. يحبهم ولا يأسرهم .. يعلمهم فنون العشق والتمرد حتي عليه هو شخصيا .. يشعل فيهم نفس حماسه ويشتعل معهم . كنت أري الصحافة التي يتحدث عنها وكأنها "النداهة" التي خطفته من واقع خانق - ضاغط إلي دنيا أرحب تستوعب تدفق أفكاره الغزيرة وعشقه الجنوني للكتابة .. هي مهنة ساحرة حين تراها بعيون "عادل حموده" شريطة أن تمتلك قلب "صوفي" .. وقدرا من "الجنون" .. و"طموحا" جارفا لا يستقر علي مرفأ .
لم يكن غريبا إذن أن أفاجأ في الجريدة أنني كتبت في نفس الموضوع الذي تناوله الشاعر"ياسر الزيات" بالتحليل .. أو أجد جملة هربت علي جناح توارد الأفكار من مقال "رئيس التحرير" وسكنت مقالي .. إن الكتيبة التي تعمل مع "عادل حموده" تسبح معه ضد التيار .. وتلتقي دائما معه علي نفس موجة التفكير .. وهكذا أصبحنا جميعا شخصية متكاملة رغم تميز كل عنصر فيها .. متجانسة رغم الجنون الخاص لكل منا!
كان السؤال الذي يطاردني أنا وزملائي لعدة أسابيع : "إنت رايح "الفجر" مع عادل حموده؟ " وكانت إجابتنا غالبا تقاطع من يسأل :"طبعا"وبعدها يتطوع كل منا بعرض "أسبابه ": إننا نصنع تجربتنا الصحفية .. أو نحن ننتمي بحكم تكويننا إلي مدرسة عادل الصحفية ، وبعضنا قال : نحن ننتصر للمهنة .. والآخر رأي أنه ربما لن يتحقق خارج المياه الإقليمية للفجر .. أنا عن نفسي كنت موضوعية جدا وبشكل عملي كنت أقول : رئيس التحرير الذي لم يحذف حرفا من مقالي .. ولم يصادر لي رأيا .. ولم يفرض علي موضوعا للكتابة .. ومنحني هذا النور الساطع في جريدة واسعة الانتشار ،هو عملة نادرة في زمن ضنين .. فكيف أحرم نفسي من مساحة الحرية التي ناضلت طويلا من أجلها ؟
"المشهد الثاني " : شهادة ميلاد علي "استقالة"
الحياة العملية لا تمنح عضويتها للهواة أو لأعضاء حزب التهور .. إنما أحيانا تعطيك الحق في مغامرة محسوبة ، فإذا كنت تملك "الوعي" الذي يمكنك من القدرة علي الاختيار هنا فقط تستطيع أن تحدد مصيرك بنفسك . ويصبح القرار في حياتك حادا كنصل السكين .. باترا وجارحا .. هو اختبار القوة النفسية .. والقدرة علي أن تقول "لا" للوظيفة والمرتب الثابت لتذهب خلف أحلامك .. ربما لأنك تدرك أن "الوعد" أروع من الواقع .. وأن "الحلم" ينتظر خطوتك ليدخل عالم الحقيقة .
وفي الحقيقة لا أدري حتي الآن من أين جاءتهم تلك الجسارة ليفعل الشباب ما فعلوه : (استقالات جماعية بعد عدة شهور من التعيين في جريدة "صوت الأمة" يعلنون بها موقفهم : كلنا رايحين مع أستاذ عادل ! ) .. وفي زمن الجحود والنكران يأتي قرار الشباب فيما يشبه الإجماع ليثبت أنك لازلت تستطيع القول :"أنا ربيت .. وعلمت".
أنا شخصيا لم يدهشني موقف الصديق "وائل عبد الفتاح" نائب رئيس التحرير لأن خبرته الطويلة بالمهنة وامتلاكه لمفاتيحها يبرر استقالته ليكمل مسيرته التي بدأت من مجلة "روزاليوسف" مع الأستاذ عادل .. ولم أفاجأ باستقالة الصديق "عبد الحفيظ سعد" لأنه يعلم -مثلي- أن المواهب تحتاج إلي مناخ صحي حتي تنضج وتكبر .. تحتاج إلي احتواء وتنشط في ظل المنافسة لكنها تهرب من أجواء الغيرة .. والمواهب في مدرستنا الصحفية هذه تحصد الجوائز والاعتراف العربي بالتميز كما حدث للزميل "محمد عبد اللطيف" الحائز علي جائزة دبي للصحافة هذا العام عن حملاته المستمرة ضد الفساد .
مفاجأتي الكبري كانت في استقالات : ("يسرا زهران" .. "أحمد عبد المقصود ".. "حسين معوض".. "أحمد فائق".. "أميرة ملش".. "نجلاء أبو النجا"..و"سماح حسن".) وكلهم شباب تجاوزوا العشرين بعدة سنوات ، ولم يهنأوا بالتعيين في "صوت الأمة" لعدة شهور .. حتي "مصطفي عمار" الذي داس قطار التعيين علي قدميه ولم يسمح له بالصعود نقل ملف أحلامه المهنية إلي مقر "الفجر" .. الشباب يجسدون "الولاء"في أبلغ صيغه إنها سابقة في دنيا الصحافة .. وكأنهم وقعوا بطاقة الانتماء للمهنة والأستاذ الذي علمهم أسرارها علي ورقة استقالة !! حتي طاقم الإدارة لحق بالأستاذ عادل : " "جيهان عزمي" تستقبلك بابتسامة ودودة .. و"أشرف عزب" تكتسي ملامحه بالطمأنينة .. و"محمود نجاح" لا يمل ولا يكل .. أما "سيد قاسم فهو الحارس الأمين علي أحلامنا " برافو يا أستاذ عادل "عرفت تربي" .. ومبروك لكتيبة التحدي .. شباب "الفجر" .. ونوره .
المشهد الثالث : "الشعراء يحتلون "الفجر"
هل أصبحت مضطرة الآن إلي الإشادة بشعر صديقي "ياسر الزيات" بعد أن أصبح نائبا لرئيس تحرير "الفجر" ؟ .. عفوا يا ياسر أنت تعلم جيدا أنني لا أجامل ولا أنافق ، ثم أنت تكتب شعرا رائعا بالفعل ، صحيح كله تشاؤم ورائحة الموت تحتل أبياته (وإحنا مستحملين الغم ده) لكن لا داعي لفرض سطوتك علي الجريدة بحكم منصبك الجديد . يعني لا داعي لمحاباة الشعراء علي حساب الصحفيين (ده درس عملي في الشر) لأن طبعا الشاعر المتميز الدكتور "نصار عبد الله" من صعيد مصر وإنت كمان يعني شعراء وبلديات أيضا ، والشاعر"كريم عبد السلام" انضم للديسك المركزي إضافة إلي وجود شاعر آخر هو خالد حنفي ويبدو الأمر وكأنك بصدد تكوين رابطة للشعراء في مقر "الفجر"! .. انتبه جيدا .. ممكن نشكل «لوبي» مناهضاً للشعر ونطالب بمراقبة دولية علي الجريدة .. ويمكن نغير قناعتنا الأصلية ونصادر أي بيت شعر يطغي علي مانشيتات "الفجر" .
عموما وجود الزملاء : كاتب القصة"سامح الأسواني" و محمد بهاء الدين" و"يسرا زهران" في الديسك المركزي يطمئنني إلي أنك لن تحول الجريدة إلي ديوان شعر . لكن ما أخشاه أن تستغل وجود الدكتور "نصيف قزمان" رئيس مجلس الإدارة وتحاول أن تقنعه بتحويل دار "الفرسان" للنشر والطباعة التي أسسها إلي دار متخصصة في نشر الشعر ! عموما أنا واثقة ان الدكتور نصيف لن يتورط معك في قصيدة لأنه نموذج لرأس المال الوطني - الواعي ، صحيح أنه شغوف بالإعلام ولكنه منحاز للصحافة (شارك في رأسمال "صوت الأمة" و "مجلة لبنانية") .
أقول لك من الآخر : اكتب في السياسة .. وخليك في الصحافة (رغم أنه لا الصحافة ولا الشعر بيأكلوا عيش) .. لكن أملنا كبير في الإدارة الجديدة (مدلعينكم آخر دلع .. طبعا ده حقد) .. قلبي معاك ياياسر .. الحقيقة التقنية الحديثة التي وفرها الدكتور نصيف ضد مناخ الإبداع الذي اعتدته .. وأتمني ألا يهرب "الإلهام" من الغرف المكيفة بعد أن إعتاد التسكع معك في مقاهي وسط البلد .
المشهد الرابع : "الحلم" يقبل قسمة العشاق . في الفجر آباء في المهنة يحملون مسئولية جيل .. في الفجر "الحلم" يقبل القسمة علي عشاق الصحافة .. في الفجر "أستاذ" يفك لنا طلاسم الواقع الاقتصادي المعقد .. ويحول لوغاريتمات دنيا المال والأعمال لنعرف هل عام الجنيه أم غرق ؟ إنه الأستاذ "حسن عامر" الذي تنتظرون تحليلاته بشغف .. والذي لا يتواني عن الذهاب لآخر الدنيا مشاركا في المؤتمرات وباحثا عن المعلومات ليهدي القارئ خريطة واضحة لحركة الاقتصاد ومؤشراته وتوجهاته .
وفي الفجر أيضا لنا "أعمام" .. ولأن والدي رحمه الله كان وحيدا لم يترك لي في الحياة من أناديه : "عماه" فتلك الكلمة تؤسرني توقظ بداخلي حنانا لا أمارسه عادة في كواليس العمل ، لكنني في ردهات الفجر أسمعها تتردد كثيرا .. وحين يأتيني هدير أصوات الشباب كموجة دافئة تحملك إلي بر الأمان ..أعرف أن أحد الأعمام قد وصل الجريدة .. إما عمو "جمعة" أو عمو "فؤاد " . لم أبحث طويلا عن سر مناداة الشباب لفنان الكاريكاتير الشهير "جمعة" بهذا اللقب ..ولا أدري لماذا يلقبون الكاتب الساخر "فؤاد معوض" به .. لكنني أحس مثلهم وأكاد ألمس مشاعرهم بيدي وهم يترجمون الاحتواء الأبوي في كلمة تختصر عمق العلاقة الإنسانية التي تربطنا جميعا .
و بالصدفة وحدها يقف العمان علي أرضية السخرية .. وتلك مساحة خاصة جدا في عالم الصحافة لا يدخلها إلا عقول قادرة علي اختزال آلام الواقع وهمومه في جملة ساخرة توجعنا لتشفينا : في رسومات عمو "جمعة" تجد تشريحا للواقع السياسي يصعب فهمه إلا بريشة ساحر .. أما كلمات عمو "فؤاد" فأشعر أنها تربت علي كتفي أحيانا .. تواسيني .. وتفتح لي آفاق البهجة .
هل تراني بحاجة إلي الحديث عن نجوم في عالم الصحافة تعرفونها جيدا وتنتظرونها دائما .. ربما أشعر بالحميمية أكثر وأنا أكتب عن شركاء الحلم وأقصد بذلك الكاتب "نبيل عمر" مدير تحرير الفجر .. والذي نأمل ألا تسرقه هموم إدارة التحرير من مقالاته الساخنة ، فعادة ما تحرمنا المسئولية من رواية لم نقرأ فصلها الأخير أو قصيدة لم ندون آخر أبياتها .. ولكن الارتباط بالقارئ موعد لا يقبل الأعذار .. فلنا موعد يا أستاذ نبيل .
المشهد الخامس : "ضد التيار "
إن صدور "الفجر" في حد ذاته خطوة نحو مزيد من الحريات ، فكل مطبوعة جديدة هي إضافة لهامش الديمقراطية .. وخصم من غيوم الضباب التي تغلف مستقبل الوطن . دعونا نفكر معا .. نحارب الفساد معا .. ونتصدي للقوانين المقيدة للحريات .. ونخرج به ملفات حقوق الإنسان من الأدراج ننقيها من الانتهاكات فهذه مهمتنا الأولي وإن كان الزميل "عمر رياض" يتصدرنا جميعا .. وحتي تتحول الشفافية إلي منهج ولا تظل مجرد مصطلح للاستهلاك الإعلامي سترابط الزميلة "منال لاشين" بين أروقة مجلس الشعب لتباشر رقابة الصحافة علي المراقبين الذين اختارهم الشعب ليمثلونه .. وستأتي لنا بمحاضر جلسات "كشف المستور" التي تنفرد بها دائما .
ولأن المهام كثيرة فإن الشباب الصاعد سوف يتولي جمع حروفنا وتشكيلها وتوضيبها لتخرج لكم في أجمل صورها .. سنسكن أوراقا فارغة يحدد مواقعنا فيها الشاب الواعد "عصام لطفي" سكرتير التحرير ، ومعه الزملاء : ابراهيم الأزهري وضياء صبَّاح ومحمود سيف الدين في التصحيح والمراجعة ويسري المصري في التنفيذ وولاء صابر في الجمع في الجمع الالكتروني يعملون جميعاً بدأب ونشاط حتي لا يسقط عصام من الأعياء وعند تسليم البروفة الاخيرة ستكون كلماتنا قد اكتملت ملامحها وأصبحت كائنا واضح المعالم.
الشباب هم ثروة الفجر :«رشا يسري، الحسين محمد، محمد الداري» هؤلاء يمتلكون مفاتيح العصر ويتعاملون مع الصحافة بأحدث أدواتها، يتجاوزون المياه الإقليمية التي تأسرنا ويأتون إلينا بصورتنا كما تنشرها الصحف العبرية، يترجمون ويبحرون في فضاء الإنترنت ليضيفوا إلي خبراتنا سطورا جديدة.
وإذا كنا نكتب لتصبح صورة الوطن أجمل .. فنحن نؤمن أن الصورة أحيانا تكون أبلغ من عبارات كثيرة ، أنا شخصيا لم أر في حياتي المشرف الفني "محمد جمعه" لكنني عانقت صورته حين أطلت في نظرة زهو من عيني عمو "جمعة" .. وكلي ثقة أن جينات الفن تسري في جسده .. فهو الابن الشرعي لعمنا جميعا .
وطبعا مضطرة للتوقف عن حديث الفن لأنه ملعب "حنان شومان" الذي تنافس منه النحل العامل في خلية التحقيقات والشئون العربية والحوادث : " سماح عبد العاطي .. أمال معوض .. وهناء حماد .. وعلا عادل ونميري شومان وفادي حبشي».
المشهد القادم : هل تحتاج الكلمة إلي حصانة
إن في الفجر ألف فكرة وعشرات العقول تسهر وتعاني وتنقب عن معلومة وتواجه المؤامرات والشائعات والدعاوي القضائية .. عقول لا تخضع لرقيب إلا ضميرها المهني : تناضل من أجل الحرية وتدفع ضريبتها مهما كانت باهظة.. جنود في مهنة البحث عن المتاعب يجيدون فن الاختراق . يحملون كل تلك القضايا الوطنية الهامة دون أن تتحول إلي أجندة عمل لحزب سياسي لأنها حلم رومانسي لمجموعة من عشاق هذا البلد .. ليس وراءنا حزب يحمينا ولا لوبي اقتصادي يمولنا بأموال مشبوهة أو مجهولة المصدر .. كل ما نملكه هموم البلد وأحلام شعبه وثقته فينا.
وكل ما نتمناه أن تتحرر "الكلمة" من سياط الجلد بالشائعات والمؤامرات .. لنصل بها إلي القارئ "بريئة" كما جاءت في الكتب السماوية ، "بكر" لم تغتصبها أيادي البلطجة في الطريق العام .. "نقية" لم تلوثها غاية أو مصلحة أو رشوة .. ألا تحتاج الكلمة إلي حصانة ؟ ربما