الجمعة، 3 أبريل 2009

إنهيار التابو النووى – نشر بتاريخ 24 / 2 / 2006

حين تاهت الإدارة الأمريكية في كهوف أفغانستان بحثا عن «أسامة بن لادن» لم تجد سوي التمويه علي إخفاقها في تصفية تنظيم القاعدة بشن حرب جديدة علي العراق. حرب تجعل الأمريكيين يلتفون من جديد حول رئيسهم وحزبه الجمهوري تحت شعار «الأزمة»،أو بدافع الخوف الهستيري من«الإرهاب» الذي تحول إلي مبرر لـ «احتلال العالم».

في كل مرة يقع «بوش» بحماقته المعهودة في مأزق يبحث عن حرب جديدة تنتشله من السقوط المدوي في استفتاءات الرأي العام علي شعبيته !. وفي كل مرة يتوفر لديه «مارد» يتهدد الأمن القومي أو «شيطان» يقتحم ثوابت ما يدعي الحضارة الأمريكية. هناك دائما «دولة إسلامية» جاهزة للمقامرة بشعبها وأرضها ليعود الرئيس الأمريكي بطلا متوجا علي قلوب الشعب الأمريكي التي ترتعد خوفا علي جنودها المشردين وأمنها المخترق بفصائل إسلامية لا تعرف من قانون الحياة إلا «الإستشهاد».

لكن قانون الجهاد الإسلامي ضد الإدارة الأمريكية تغير الآن، حطمت إيران «تابو» السلاح النووي، وانتزعت عضوية النادي النووي (بالتصريحات فقط حتي الآن) حين أعلنت نجاحها في تخصيب اليورانيوم، فتحول الرعب الأمريكي من امتلاك إيران للتكنولوجيا النووية إلي طوق نجاة ينقذ رقبة «بوش» من الغرق في نفط العراق .

وبعد أن كانت استطلاعات الرأي حول الهزيمة الأمريكية -غير المعلنة- في الحرب علي العراق تشير إلي هبوط شعبية «بوش» إلي الثلث، أظهرت استطلاعت الرأي الأخيرة أن حوالي نصف الأمريكيين يؤيدون شن حرب جديدة علي إيران !.

نحن -إذن - في انتظار مغامرة جديدة للإدارة الأمريكية، مغامرة لن توقفها نداءات إخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل ولا توقيع «العقوبات» علي إيران. ولأن المغامرة تسعي لحماية الحليف الصهيوني «المدلل» فسوف تستقطب أكثر من لوبي سواء من اليهود أو من الصهيونية المسيحية المتغلغلة في اقتصاد أمريكا وأوربا، علاوة علي الجماهير المرعوبة من امتلاك دولة إسلامية للقوة النووية.

إنه بلا شك الاستعراض الأمريكي الأكثر «إثارة»، والذي سيتجاوز الأسلحة المغلفة باليورانيوم المنضب التي تم تجريبها في العراق وفلسطين والكويت أيضا ليصل إلي استخدام قنابل نووية تجبر إيران علي الاستسلام الفوري، وتثبت جدارة القوي العظمي في العالم علي قيادة النادي النووي. المشهد القادم مختلف تماما عن مستنقع فيتنام وتدمير أفغانستان واحتلال العراق، إنه مشهد أقرب ما يكون إلي أفلام «الخيال العلمي» التي أبدعت هوليوود في إنتاجها، لاستعراض القدرة علي محو منطقة جغرافية من الخريطة بتفجير نووي محدود.

وحتي لا يتحول الحديث إلي مجرد نبوءة تعتمد علي الخيال السينمائي أعود إلي الآراء التي تبنتها جريدة «برافدا» الروسية والتي أكدت في تحليلها السياسي أن هجوم واشنطن علي المدنيين بقنابل نووية هو سبيلها الوحيد للإطاحة بالنظام الإيراني، وأن أمريكا التي لم تخرق التابو النووي خلال 60 عاما ستقدم علي تلك الخطوة رغم الاستياء العالمي المتوقع، وأنها ستتمكن من تدارك الموقف بحملة إعلامية موسعة تمتص غضب المجتمع الدولي. وساعتها لن يجرؤ أحد علي الوقوف في وجه أمريكا التي ستكون قد كسرت التابو النووي بالفعل وفرضت سيطرتها علي الشرق الأوسط وخاصة علي 2 من أهم مصادر النفط به: إيران والعراق.

السيناريو القادم أشبه بكابوس يناقض تماما شعبية الرئيس الإيراني «محمود أحمدي نجاد» التي ارتفعت بإعلانه نجاح بلاده في تخصيب اليورانيوم وتحديه للبلطجة الأمريكية . ورغم ان تلك الشعبية أعادت بعضا من كرامة المسلمين السليبة إلا أنها لا ترتبط بالواقع السياسي الذي يؤكد خسارة الجانب الإيراني في تلك المواجهة.

إن كان «نجاد» قد نجح في إبقاء قنوات الحوار مفتوحة مع كل الأطراف أو كان لا يخشي حصارا بالعقوبات إلا أنه لا يتوقع -مثلا- ضربة سريعة لمشروعه النووي كالتي تعرض لها المفاعل النووي العراقي في الثمانينيات. وإذا كانت حكومته تسعي لطمئنة دول الخليج تجاه مشروعها النووي وتؤكد أنه لا يستهدف إلا «الأعداء» علي أكثر تقدير، فربما لم ينتبه «الطاووس الإيراني» إلي أن العراق قصفت من أراض عربية وأن معظم دول الخليج قد تحولت إلي قواعد عسكرية للإدارة الأمريكية.

للأسف المشروع النووي الإيراني -حتي الآن- لا يصلح إلا لدغدغة مشاعر جماهير الأمة الإسلامية المحبطة، لكنه محاصر بخوف السنة من تزايد النفوذ الشيعي المدعوم بقوة نووية، وهو أيضا مشروع مجهض بالتربص الأمريكي له.

إن فكرة وجود دولة إسلامية تتبني مشروعا إصلاحيا وتقبل بتداول السلطة وتسعي إلي إحداث «توازن قوي» في الشرق الأوسط هو «المشروع الحلم».. والأحلام لا وجود لها في صراع مصالح يدهس دولا بأكملها في مخطط السيطرة علي مقدرات الشرق الأوسط وثروته النفطية..الأحلام لا وجود لها علي أرض واقع سياسي ملتهب بالحروب، واستنفار أمريكي لكسر التابو النووي، ووجود «إسرائيل» في قلب المنطقة. نحن الآن في انتظار إما تراجع مخز لإيران أو استعراض للقوي الأمريكية لم يرق الخيال السينمائي لتصوره.

لكم أن تزهوا جميعا بعنترية التصريحات الإيرانية وجيشه المهول،لكن تمهلوا قليلا حتي يكتمل المشهد.

 

 

 

بل .. الكفن له جيوب !!- نشر بتاريخ 3 / 4 / 2006

صديقي الكاتب الصحفي "محمود الكرودسي" يهوي الكآبة، خمسة عشر عاما من الصداقة الوطيدة لم يتنازل خلالها عن "الاكتئاب"، حتي ظننته قرر أن يحترفه. ولأنني أقف علي الطرف النقيض تماما: أسخر من آلامي وأفلسف إحباطات جيلي وأحول الحزن إلي طاقة تحفزني علي الاستمرار، كنت أحاول تلقينه نظرية "صنع البهجة".

الحوار بيننا بدأ من حرب الشتائم الجارحة بين الصحفيين، والتي تناقض المطالبة بإلغاء عقوبة "الحبس"، قلت له أليس غريبا أن "جمال فهمي" حبس علي يد الكاتب "ثروت أباظة"، وأن حكما صدر بالحبس ضد الزميل "مصطفي بكري" لصالح صحفي أيضا. تعجبنا من سلوكيات أبناء المهنة التي نراها "مقدسة"، لكن الأعجب من ذلك كان الحديث عن ثروة "إبراهيم نافع" رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام السابق ، والثروات التي تتجمع في يد بعض الصحفيين الآن إما كـ "ثمن" مباشر لمواقفهم السياسية أو لعرض جزء من تاريخهم للبيع أو بشكل شريف جدا مما يسمي بيزنس الإصدارات الصحفية.

كان محمود كعادته مستغربا: ماذا يفعل شخص مثل "إبراهيم نافع" بثروة تتجاوز المليارين. قلت له: أنت لا تعرف كم هي مكلفة حياة "الأثرياء" خاصة إذا كانوا من أصحاب المناصب الرفيعة، كانت حجته أن "الصحفيين" يعملون بنفس المهنة ونحن علي مسافة مادية منهم أبعد من المسافة بين "باريس" و"بولاق الدكرور"!.

قطعا لم يجرب صديقي دفع مصاريف "الإنجلش سكول" بالجنيه الإسترليني، ولم يدخل بناته الجامعة الأمريكية، لم يقتن يوما "طائرة خاصة" مثل رجال الأعمال ليعرف كم تتكلف صيانتها وأرضية وقوفها فقط بالمطار.. حياة الأثرياء متعبة ومكلفة، هكذا حاولت التخفيف عنه من هول المبالغ التي نسمعها.

أنت -ياصديقي- إذا أصبت بآلام الديسك -لاقدر الله- باعتباره من أمراض المهنة تكتفي بـ "قربة ساخنة" ولا تضطر للذهاب إلي "كارلو فيفاري" لتتلقي أحدث وسائل العلاج الطبيعي. ثم أنك اعتدت العمل حتي لو كنت تحتضر أما هؤلاء فتنتظرهم مهام قومية عليا، وشخصيات من بينها رؤساء دول وملوك. الصحف تصدر بدوننا مع تنبيه لا يلفت نظر أحدنا وعادة نقبل "الخصم" من رواتبنا دون أي تذمر، بينما هؤلاء قد تتوقف المسيرة السياسية بدونهم!.

ولأننا "صعاليك" إذا أنعمت علينا الدنيا برحلة إلي عاصمة النور في مؤتمر أو مهرجان سنحسب بدل السفر بالـ "سحتوت"، فيما يضطر "الأثرياء" إلي الابتعاد عن "الحي اللاتيني" هربا من فضول العرب إلي الفنادق السبعة نجوم، وقطعا لن يتنازل أحدهم عن "جناح ملكي" يليق بحجم خدماته للوطن.

إننا جميعا أشبه بركاب مسافرين علي نفس الطائرة، لكن أمثالنا من ركاب "الدرجة الاقتصادية" يجلسون القرفصاء ويتناول وجبات باردة (أحيانا تأتي فاسدة)، بينما ركاب "الفرست كلاس" يفردون أرجلهم في وجوه العالم ويسترخون تماما وهم يتذوقون (الكافيار والسيمون فيميه) في امتعاض من مل مذاق الأطعمة الفاخرة!.

هل يعلم أحدكم كم تبلغ مصاريف "العزبة" أو قصور الساحل الشمالي ليدرك أن أموال الأثرياء "المساكين" مهدرة علي صيانة قصور أسبانيا ونيس "المهجورة" انتظارا لليلة عابرة؟

هل جربت أن ترمي منحة ملكية (ساعة ألماس مثلا) لأن عليها شعار المملكة وتشتري أخري أثمن وأفخم لتدلل علي ترفعك واستغنائك؟، أو أجبرت أن تكون كل ملابسك "سينيه" حتي لا تفاجأ بأحد مرؤسيك يرتدي نفس الحلة؟.

مسكين "إبراهيم نافع" وأمثاله، إن الأثرياء في محنة حقيقية لأننا نحاصرهم خلال تجولهم بأرض المعمورة، ننظر في أطباقهم ونلعن إلغاء الدعم، ونستغرب من موضات الملابس التي تجعلهم غرباء بيننا فيما نترحم علي الكستور الصيني، ثم نكتب عن ثرواتهم بجهل شديد لأننا لا نعلم قدر معاناتهم من عبء الثروة!.

العيب ليس في الثروة، لأن "المال" جاء قبل "البنون" في القرآن الكريم. العيب في "الفقراء" الذين لم يتذوقوا "زينة الحياة الدنيا" وينتظرون عذاب "المترفين".

لا داعي للفزلكة والحديث عن حسن استغلال الثروة ورأس المال الوطني والدور الاجتماعي للأثرياء، ولا حتي عن حق البلد وفقرائه. العيب ليس في مزاد الكلمة وبيعها لمن يدفع أكثر، ربما كان العيب في التعساء-مثلنا- ممن يجهلون فن التسويق وموهبة بيع المواقف، الذين يخفون فقرهم خلف المبادئ.

أعلن صديقي شعار الاستغناء: (الكفن مالوش جيوب). فقلت له: هذا "قلة الحيلة"، يبدو أننا أصبحنا مثل "قاسم السماوي" لا هم لنا إلا إطلاق اللعنات: (جتنا نيلة في حظنا الهباب).

 

بغداد لا تحزنى – 27 – 3 – 2006

ثلاث سنوات مرت علي احتلال العراق، ثلاث سنوات فقد خلالها الدم العربي حمرته وسخونته، واكتست وجوهنا بملامح التبلد ونحن نتابع مقدساتنا الإسلامية تستباح، وأعراضنا تنتهك، فيما نكتفي ببعض جمل سخيفة عن حقوق الإنسان واتفاقيات حماية الشعوب المحتلة!!.

تحول «الاحتلال» إلي واقع تكيفنا معه، وسقطت مرارته بالألفة والعادة، وأصبحت كرامتنا الذبيحة في سجن «أبوغريب» إلي «ماضي» يذكرنا بحضارة العراق وتراثها المنهوب. تحولت المقاومة المشروعة للمحتل إلي «فرق موت» وكتائب إرهاب ندينها ونتهمها بإثارة الفتن العرقية والمذهبية. ولعل هذا هو النجاح الأول لـ«جورج بوش» من غزوه للعراق.. لقد انكسرت الأمة العربية تماما يوم سقوط بغداد.

لا تصدقوا ما نتشبث به من أشلاء للقومية العربية، لا تنتظروا من القمة العربية جديدا إنها مجرد «مكلمة»، ولا تعلقوا الآمال علي الجامعة العربية فقد تحولت إلي «ضريح» لما كان يسمي الأمة العربية.

انتظروا تضييق الخناق أكثر فأكثر علي قائد الحرب الصليبية «بوش» وشريكه مبعوث العناية الإلهية «بلير» سواء من شعوبهم التي تجيد محاسبة صناع القرار أو من العالم الذي يغلي بـ«إرهاب» مضاد للبلطجة الأمريكية.

آن الأوان لكي يدفع بوش ثمن أخطائه وأخطاء إدارته ومهما تملكه «الكبر» فسوف يأتي يوما يعلن فيه جهله بالمنطقة العربية التي أراد لها «الديمقراطية» علي جثث رجاله وشعوبها. لن يكون الثمن -هذه المرة- حربا أهلية تجتاح العراق لتعفيه من إعلان فشله وسحب قواته بأمان، فعناصر الفتنة العرقية والدينية التي يحاول إشعالها وضعته في مأزق الفشل المستمر في تشكيل حكومة وحدة وطنية تعزز الأفكار التي يضلل بها الرأي العام الأمريكي حول تكريس الحرية والديمقراطية في العراق.

إن كل الأفكار التي حاول بها تجميل حملته الصليبية من أجل «النفط» تتهاوي فكرة تلو الأخري : فلا الحديث باسم "الرب" أصبح مقبولا في عالم يحتدم فيه صراع الأديان، ولا الحديث عن «الديمقراطية» يرضي المتضررين من إعصار «كاترينا» الذين يسألون الكونجرس عن الدعم المخصص لهم بعد أن ذهب علي البوارج الحربية إلي العراق، ولا أهالي قتلي قوات التحالف سيصمدون طويلا مع أنباء سقوط الضحايا من الجانبين وصور النعوش الطائرة لمختلف أرجاء الدنيا.

الحقيقة أن الوجود الأمريكي الساحق في العراق وحملاتها الحربية المتكررة علي المدن العراقية بزعم مطاردة عناصر إرهابية، كل هذا لم يمكنها من السيطرة علي الأوضاع الأمنية في العراق، حتي أن بعض المحللين يري أن قوات الأمن العراقية نفسها تحولت إلي «هياكل» تحمي عناصر المقاومة.

ورغم ذلك مازال بوش يرفض تحديد جدول زمني لانسحاب القوات الأمريكية من الأراضي العراقية، بل ويحذر من عواقب انسحاب «سابق لأوانه». ويشير إلي احتمال بقاء القوات الأمريكية في العراق إلي ما بعد نهاية ولايته في 2009!!.

وهذا دليل جديد علي «حماقته» التي دأبت الكتابات الأمريكية علي ذكرها، وكأنه بذلك التصريح يبشرنا بمزيد من المذابح البشرية، و يرشح «دجلة والفرات» لاستقبال نزيف الدم من الجانبين.

قد يأتي يوم يحاسب فيه الشعب الأمريكي حاكمه علي هوسه بالحرب الذي ورطهم جميعا في «فيتنام» جديدة، وقد يكون الشعب الأمريكي قد انتبه إلي فاتورة الحرب الباهظة سواء من أرواح شبابها أو من عجز في الميزانية وصل إلي 250 مليار دولار، أضف إلي ذلك سقوط أسطورة «حقوق الإنسان» التي تأسس عليها مفهوم الحرية الأمريكية.

الشعب الأمريكي الآن «مرعوب» يستسلم لقوانين تسلبه حريته بدعوي الدفاع عنه، ويلتزم بتحذيرات تحرمه حرية التنقل بين العالم، وكل ذلك من جراء سياسات إدارة بوش التي استعدت العالم كله ضدهم.

قطعا الشعب الأمريكي منتبه إلي المصيدة العراقية، يتظاهر في ذكري غزو العراق ربما يستفيق حكامه ويفلتون منها.. لكننا مغيبون تماما: «الاحتلال فتت العراق طيلة ثلاث سنوات ونحن صامتون..قوات الاحتلال الإسرائيلي تجتاح مناطق الحكم الذاتي فيما نكتفي بـ«شجب»، احتمالات الاحتلال تهدد «دارفور» نتواري خلف بيان "تنديد".

فلماذا لا نجعل شعار القمة العربية:«شجبتم.. وأدنتم.. فنمتم ياعرب»؟.

ضريبة المهنة – نشر بتاريخ 27 /2 / 2006

طبقا لتصريحات "أنس الفقي" وزير الإعلام: "وعد الرئيس مبارك بإلغاء عقوبة حبس الصحفيين قائم "(!!). إذن من الذي عطل تنفيذه لعامين ؟. من الذي حذفه من أجندة المشرع المصري، وعطل عرضه علي مجلس الشعب رغم إلحاح الزملاء من الصحفيين الأعضاء في المجلس الموقر؟. تجميد الوعد الرئاسي لغز يضاف لألغاز عديدة في الساحة السياسية المرتبكة:" كيف نصدق أن هناك إصلاحاً سياسياً تتبناه الدولة في الوقت الذي يقف فيه أصحاب الرأي خلف القضبان ؟.. كيف نساهم في عملية الحراك السياسي - كما تطالبنا القيادة السياسية- وأيادينا مكبلة بالقوانين سالبة للحريات ؟.. هل صحيح أن هناك "نية" لتعديل الدستور في ظل وجود قوانين معيبة تنسف أي حديث عن الديموقراطية ؟.. من المستفيد من مصادرة حرية الصحافة غير أباطرة الفساد الذين توغلوا في دهاليز الحكم؟ ".

هذه التساؤلات كانت تسرقني من النظر في عيني الزميل "عبد الناصر الزهيري" خلال مؤتمر التضامن معه والذي عقد بجريدة "المصري اليوم"، عقب الحكم بحبسه سنة في قضية السب والقذف التي أقامها الدكتور إبراهيم سليمان وزير الإسكان السابق، وهي نفس القضية التي حكم فيها بتغريم الزميلين "علاء الغطريفي" و"يوسف العومي" بدفع تعويض مؤقت قدره 100001 جنيه (!!).

كان حديث أعضاء مجلس نقابة الصحفيين ورئيس تحرير المصري اليوم "مجدي الجلاد" يشعرك أن براءة عبد الناصر مضمونة، لكنني كنت أشعر أننا جميعا ندافع عن حريتنا من خلف "القضبان"، وأن شبح الحبس يخيم علي المكان، كنت ألمح في عيني عبد الناصر الإحساس بـ "عدم الجدوي"، أحسست أننا في حفل تأبين "صاحبة الجلالة"، وتملكني يأس شديد من عملية التغيير المزعوم في بلد يسير في الاتجاه المعاكس لرأس الدولة !، وهذا لغز جديد لا أفهمه.

جاء توقيت الحكم بحبس عبد الناصر ليضع الدولة في حرج سياسي بالغ، ويطيح بمصداقية "الخطوة اليتيمة" التي خطوناها في اتجاه الإصلاح بتغيير المادة 76 من الدستور. وكأن هناك من يتعمد إجهاض عملية الإصلاح بالاستبداد التشريعي.

السؤال المحير:"هل نحن لا نفهم "الليبرالية".. أم أنهم اخترعوا مفاهيم جديدة لها؟".. أليست حرية الرأي وإطلاق إصدار الصحف وتأسيس الأحزاب في مقدمة العملية الديموقراطية ؟، لماذا إذن يتفنن ترزية القوانين في إسقاط حصانة الصحافة، ومحاصرة الرأي بالعقوبات المغلظة ؟.

أليس "الوعد الرئاسي" في حكم "القرار الجمهوري" ؟.. إن المتابع لتوجهات رئيس الجمهورية سيجد أنه وعد الصحفيين قبل عامين برفع عقوبة الحبس في قضايا النشر (!!)، ووضع حرية التعبير في أولويات برنامجه الانتخابي، ثم عاد وشدد علي أهميتها في خطابه في عيد المعلم. واعتبرت جماعة الصحفيين "الوعد الرئاسي" أحد مفردات الإصلاح السياسي الذي ننشده ونلح في طلبه، وأن المبادرات الشخصية من الرئيس مبارك تعكس الوعي الوطني بضرورات المرحلة وتضع "الحرية" مقابل "الالتزام". وانتظرنا عامين.. ومازلنا ننتظر دون أن نفقد ثقتنا في حكمة القيادة السياسية.

ولأننا ننتظر -أيضا- قرارا من النائب العام بوقف تنفيذ الحكم الصادر ضد الزميل عبد الناصر، وهو القرار الذي قد يصدر أثناء مثول الجريدة للطبع، فلن يكون هذا القرار نهاية لنضال الصحفيين ضد قوانين قصف الأقلام.. وأيضا لن ترهبهم عقوبة الحبس فترتعش الأقلام عند مواجهة الفساد. صحيح أن "العدالة عمياء" كما نفخر بها دائما فلم تنظر المحكمة إلي الرقم القياسي للفاسدين من رجال إبراهيم سليمان، ولم يسأل أحد عن دور الصحافة في تسليمهم ليد العدالة !!. لم يربط أحد بين قضايا الفساد في عهد وزير الإسكان السابق وعدائه المستحكم للصحافة.. وهي العلاقة التي تحدد من المستفيد من مصادرة حرية الصحافة.

الصحفيون (ليس علي رأسهم ريشة)، لكنهم يطالبون بحرية تمكنهم من ممارسة دورهم كـ "سلطة رابعة" إذا كانت الدولة تعتبرهم كذلك. يطالبون بتنقية القوانين المعيبة ليبدأ اصلاح سياسي حقيقي يعد بمستقبل أكثر عدلا. يطالبون بحرية تدفق المعلومات وشفافية أكثر لمكاشفة الرأي العام. الصحفيون لم يطالبوا "الدولة" بحمايتهم من حيتان الفساد.. لكن المثير للسخرية أن الدولة تتعمد إسقاط حصانتهم وتتركهم عزلاً يتلقون ضربات القانون والبلطجة.. والنوم علي (البرش)!!.

من بين جماعة الصحفيين من تحمل قسوة الضرب في الشارع ومهانة التعري، ومن بينهم من "اختفي" في ظروف غامضة، ومن دفع ضريبة المهنة أياما قاسية من عمره خلف القضبان،وبينهم أيضا سيدات انتهكت آدميتهن بالتحرش!. لكننا مازلنا صامدين.

ربما لا نشكل جماعة ضغط (لوبي) لأننا لا نملك قوة "المصالح" كجماعات أخري تستصدر القوانين في غمضة عين.. لكننا نملك إيمانا بهذا البلد لن يغيب خلف القضبان. نملك وعدا من رئيس الدولة.. ونسأل: من الذي جعله وعداً بلا موعد!!.

البعض يموت مرتين – نشر بتاريخ 13 / 3 / 2006

ضحايا العبارة المنكوبة (السلام 98) ليسوا مجرد ضحايا!، لأنهم حرموا حتي الحق في مأتم يليق بحزنهم النبيل، ودموع تشيع أحلامهم البسيطة، وسرادق يقيمه الوطن لتلقي العزاء في شعار "بلد الأمن والأمان" الذي غرق في مياه البحر الأحمر!.

زغاريد النصر الكروي جرفت دموع الأهالي لتستقر كل قطرة منها في قاع النيل، إلي جوار الطيور النافقة بالإنفلونزا التي سرقت فرصة حساب المسئولين عن القتل العمد لركاب العبارة. هرب "ممدوح إسماعيل" من أسئلة الرأي العام، تواري من كشافات الصحافة والإعلام، فالبعض مشغول بشائعات المياه الملوثة، والبعض الآخر مهموم بأشلاء القطاع العام المتناثرة مع صفقة بيع عمر أفندي.

ضحايا العبارة - إذن- ماتوا ألف مرة:" بالإهمال الجسيم والتفريط في أرواحهم، بأخطبوط الفساد الذي يحمي المسئول من العقاب، بالإتجار المنظم في جثثهم وعاهات بعضهم".

راحوا.. ودفنت أسرار موتهم في "الصندوق الأسود " المتهالك أو بالأحري الذي تم تعطيله عمدا بواسطة صاحب العبَّارة. وكما يحدث في الأفلام القديمة قرر رجل الأعمال تعليق التهمة في عنق "القبطان" الذي رفض العودة إلي ميناء ضبا السعودي لإطفاء الحريق، رغم علمنا جميعا بأن اتصالا هاتفيا تم بينهما رفض خلاله المالك عودة العبَّارة إلي السعودية خشية احتجازها.

إنها نفس القصة المعادة لتجار الموت، تتكرر بنفس السيناريو مع تعديلات تتفق ومنطق هذا الزمان المتطور في أساليب الرشوة وحماية الفساد وبيزنس الكبار.

في التقرير الذي نشره رئيس تحرير "الفجر" عادل حمودة العدد الماضي وثائق كافية ليلتف حبل لتوجيه تهمة القتل العمد إلي "ممدوح إسماعيل".. لكن من يهتم؟.

إذا كان التحايل علي الضرائب بإغلاق الشركات بعد انتهاء مدة الإعفاء الضريبي وتأسيس غيرها قد تحول إلي عرف في عالم المال، فلماذا تقتصر المحاسبة علي ممدوح إسماعيل؟. وإذا كانت هناك سفن أخري مخالفة لتعليمات الأمن والسلامة تسير بدون قوارب نجاة كافية، و سترات نجاة مهترئة، ومعدات أطفاء معطوبة، وصناديق سوداء معطلة.. فهل نحاسب التسيب والإهمال في شخص "ممدوح إسماعيل".. إنها فكرة تبدو رومانسية في معالجة كارثة وطنية تشملنا جميعا.

تري كم "ممدوح إسماعيل" في بلدنا يجدون أقارب لهم في دواوين الحكومة يعتمدون لهم الشهادات ويصدرون لهم التراخيص؟. كم ممدوح له (ظهر)..وحصانة.. وسجل أسود في غرق العبارات والإتجار بأرواح المصريين؟.

السؤال المؤلم الذي أتحرج من طرحه: إذا كانت أرواح الضحايا تهون علي ذويهم ويشتري ممدوح (أو أمثاله) تنازلهم عن حقوقهم بـ (15) ألف جنيه، بدلا من التعويض العادل الذي يصل إلي مائتي ألف دولار. فهل لنا أن نسأل لماذا تساوت روح المواطن المصري بسعر التراب؟.. أو لماذا وصل بنا الهوان إلي هذا الحد؟.

طبقا لتقرير الكاتب الصحفي "عادل حمودة" فإن أصحاب العبارة يتهربون من ولاية القضاء المصري بزعم أن العبارة غرقت في المياة الإقليمية. ولأنهم علماء بقواعد القانون وثغراته ألغي ممدوح إسماعيل عقوبة الحبس الاحتياطي قبل أن يصدر بها قانون!.. ليفلت من يد العدالة ربما إلي الأبد.!.. وسافر ممدوح إسماعيل إلي باريس دون أن يعترضه أحد!!.

في سجل الهاربين من العدالة لا توجد محرمات ولا مقدسات.. لا توجد معوقات فأموال البنوك المنهوبة قد تم تهريبها بالفعل إلي بنوك سويسرا أو باريس. والبيزنس نفسه ممتد وله فروع في أوروبا.. فمصر بالنسبة لهم ليست سوي مرحلة لجمع المال ولو بمص دماء الشعب علي طريقة "دراكيولا".. والحصانة تضمن لهم الهروب..وفي منافهم الإختياري تنتظرهم رفاهية "أوناسيس".

وبالتالي يسهل تصديق فكرة القتل العمد لركاب "السلام 98 " وإغراقها للحصول علي قيمة التأمين الباهظة. ولِمَ لا إذا كانت الحكومة نفسها قد انزلقت في عملية الإتجار بأموال التبرعات، حين قررت صرف التعويضات التي وعدت بها الدولة من أموال التبرعات التي جمعها وزير النقل "محمد منصور" والتي بلغت حوالي 56 مليون جنيه؟!. صحيح أن الحكومة تراجعت أمام لجنة تقصي الحقائق بمجلس الشوري.. ولكن إذا كان رب البيت (المعني في قلب الشاعر)!!

الحكومة قليلة الحيلة، ولذلك نعذرها، فإذا كان وزير النقل يلجأ لجمع التبرعات من رجال الأعمال فلابد أن نعذرها. والحكومة عاجزة لا تقوي إلا علي مواجهة الباعة الجائلين (الغلابة).. وتهرب من مواجهة أباطرة الفساد.

الحكومة -بكل أسف- مخترقة بنواب البلطجة والمخدرات، وفساد كبار الموظفين.. فهل نلوم صغارهم؟

ابكوا ألف مرة.. علي ضحايا سلخوا بعد غرقهم بنهب التعويضات.. وعلي حكومة أضعف من أن تردع خفافيش الرشوة والتسيب والإهمال.. أضعف من أن تحاسب فاسدا أو تمنع متهما من السفر .. ابكوا علي بلد حين هان.. هنا جميعا.

السود فى مزاد الأقليات – نشر بتاريخ 13 / 2 / 2006

أنت.. وأنا.. وكل مصري في قفص الاتهام الآن، أما التهمة فهي العنصرية والسياسة الاستعمارية والنظرة الاستعلائية لأهل"النوبة"والسودان!!. ولأنك"مستلب"و"مغبش"فقطعا لن تفهم بسهولة كيف أسهمت أنت وأجدادك وحكامك في استعباد أهل السودان والنوبة، وتسخيرهم لحفر القناة وتهميشهم لدرجة حصارهم في وظائف دونية ليتحول هؤلاء المواطنون إلي طباخين وسفرجية وخدم وهم أصحاب الأرض الأصليون!.

هل فهمت شيئا مما أقول أم أن العنصرية المتغلغلة في ثقافتك تعميك عن حقيقة دورك التاريخي في الظلم الواقع علي"السود"من أهالي النوبة والسودان. عموما أنا شخصيا عندما طالعت بيانات ما يسمي (حركة تحرير الكوش) تصورت لأول وهلة أنني أمام"كوميديا سياسية"استغل فيها البعض مذبحة إجلاء اللاجئين السودانيين عن ميدان"مصطفي محمود" ليسلينا ولكن مع بعض (الرذالة). لكنني اكتشفت أنني أمام مؤامرة حقيقية بكل المقاييس، وأن تلك الحادثة التي هاجمتها كل الصحف تحولت إلي كارت جديد في أياد تجيد"القبض"من الجهات الخارجية لتوريط مصر فيما يسمي مشكلات"الأقليات". وبسرعة شديدة حيكت المؤامرة وتم صك الشعارات وعقد المؤتمرات وإلقاء الكلمات النارية عن عنصرية المصريين!.

في سياق التدليل علي اضطهاد"السود"تمت إعادة صياغة تاريخ مصر وفقا للمزاج الشخصي الذي تحكمه"الدولارات"، تبدلت الخرائط وتحورت الأحداث التاريخية، حتي أدوار الحكام تم تشويهها لمصلحة نظرية العنصرية المفتعلة، فكون والدة اللواء محمد نجيب رئيس مجلس قيادة الثورة"سودانية"لا يعفينا من اضطهاد اهل النوبة،ولا سواد بشرة الرئيس الراحل أنور السادات (ابن ست البرين السوداء اللون) يمحو ذنوبنا وجرائمنا الفظيعة في حقهم (في رأيهم أنه قام باحتلال مثلث سره وفرس فهما قريتان نوبيتان). وحتي وجود (المشير حسين طنطاوي) وهو"نوبي مصري"علي رأس وزارة الدفاع حالياً ليس دليلا علي سماحة المصريين.

نحن جميعا عنصريون.. ودليلهم علي ذلك :( أنه لا يوجد مذيعون ولا مذيعات سود، فوزارة الإعلام المصرية تمارس العنصرية ضد بروز أي وجه نوبي، والأنظمة الاستعمارية تعمل علي تغييب الثقافة النوبية والفن النوبي وإلا لماذا قبض علي الفنان النوبي"محمد حمام"وتم ضربه وتهديده من قبل الأمن المصري بعد غنائه لأهل حلفا النوبيين!!). هذه الأدلة السخيفة التي يسوقها المناضلون لتحرير"الكوش"لا يمكن الرد عليها مثلا بشعبية"محمد منير"وإلا تكون سقطت في"الفخ"المنصوب لنا وبالتالي انزلقت إلي المؤامرة الكبري الكامنة خلف تلك السخافات.

فالهدف الحقيقي مما يسمي"حركة تحرير الكوش"هو تهديد الأمن القومي المصري بحركة انفصالية علي حدود السودان، وهي لعبة أخطر من لعبة اضطهاد الأقباط. فالحديث عن نضال حركة تحرير الكوش السودانية لتحرير (مثلث حلايب ومثلث سره وفرس ومنطقة ارقين) هو اختراق لسيادة الدول علي أراضيها، ولعبة حقيرة تديرها أياد خارجية وتمدها بالتمويل وترشحها للتدويل. فلا يمكن النظر إلي عبارات من عينة ( تطهير عرقي ضد النوبيين ) علي أنه مجرد كلام (حنجوري) ما دامت هناك منظمات مصرية تنظم صفوف هؤلاء المارقين المشوشين لتشكل منهم مجموعة انفصالية. وهي مجموعة تبدأ مطالبها بإعادة التوطين حول بحيرة السد العالي ولن تنتهي إلا بالمطالبة بمنطقة حكم ذاتي!.

كان من الممكن فهم مؤامرة"الكوش"لو أننا علمنا منذ البداية لماذا تم تحييد مصر في عملية المصالحة السودانية. بل كان لابد ساعتها أن ندرك أن حدودنا مع السودان أصبحت"هشة"بما يغري الخونة والعملاء بالضرب عند الحزام أو الحدود المصرية السودانية. وربما جاءت حركة الكوش لدق ناقوس الخطر، علنا نفيق إلي حساسية ذلك العمق الاستراتيجي للبلاد.

وبما أنني ـ شخصيا ـ مستلبة ومغبشة -طبقا لتوصيفات الحركة لمعارضيها- فأستطيع أن أعلن بوضوح أن ورقة اضطهاد الأقليات أصبحت"البيزنس"المضمون لبعض المنظمات المصرية -بكل أسف- والتي احترفت الاتجار بالوطن وهمومه ولو بإشعال الفتن وتوريط مصر في تهم مفتعلة بل ومثيرة للسخرية مثل العنصرية واضطهاد السود. وهذا تحديدا ما جعلني أتجاهل المناضل المصري المعروف الذي يتاجر بتلك القضية وأيضا الكاتب النوبي الذي يروج لها عبر شبكة الإنترنت، وأتجاوز عن العديد من اتهاماتهم الباطلة حتي لا أصبح طرفا في مؤامرتهم ولو بالنقاش. لكن يبقي السؤال المحوري عالقا : هل يكفي كشفهم إعلاميا لإحباط مخططهم؟.. أتصور أن الإجابة لابد أن تأتي عنصرية استعمارية وفاشية وفقا للسيناريوهات التي يرسمونها دائما 

الفقراء يموتون فى صمت _ نشر بتاريخ 6 / 2 / 2006

اغضب.. احزن والعن الفقر ألف مرة ما دمت تحيا في بلد يهدر حقوق مواطنيه البسطاء، ولا يعترف إلا بسطوة الأثرياء. من حقك أن تتشكك في كل التصريحات الإعلامية حول متانة العبارة الغارقة (السلام 98) واستيفاء شروط السلامة الملاحية فيها، طالما كانت بعض "التراخيص" - إن لم يكن معظمها- تصدر لمن يدفع ثمنها وليس لمن يلتزم بالضوابط والمعايير الدولية للجودة!. أما اليد التي قبضت ثمن "روحك" فهي يد عاجزة تسلم أمن المواطنين أحيانا باسم الرشوة وأحيانا أخري خوفا من بطش "الكبار"!.

من حقك أن تشك وتسأل.. وتنتظر نتائج التحقيقات التي أمر بإجرائها السيد رئيس الجمهورية. لكن إلي أن يحدث ذلك سيظل مصيرك مرهونا بجشع "الكبار" الذين تعميهم المليارات عن حق المواطن الفقير في خدمة متواضعة وآمنة. ستظل عرضة لأيادي الإهمال والتقصير والإتجار بأرواح الفقراء.

لا تسل لماذا لا تسخر تلك الشركات الكبري التي تمتلك العبارات والسفن بعضا من ملايينها لتوفير استراحة إنسانية للركاب في منافذ العبور البحري،أو صيانة دورية لسفنها!. لا تسل أصحاب العبارة "السلام 98 " من أين يشترون تلك السفن المتهالكة؟، أو لماذا يشغلون سفنا مخالفة لشروط السلامة بجراچها العميق (بطن السفين) الذي -ربما- لا يجوز معه الإبحار في مياه البحر الأحمر؟. فهم قطعا يعلمون لماذا تتكرر حوادث النقل في شركاتهم، لكنهم يظنون أنهم فوق المساءلة أو أن هناك من ينوب عنهم في مواجهة الرأي العام طبقا لقواعد "المصالح المشتركة"!.

هناك رائحة فساد عفنة تلوث مياه البحر الأحمر، تغري الأسماك بالتهام جثث الضحايا لتتحلل مع أشلائهم ملامح "الجريمة". سيرددون عليك -كل لحظة- أن هناك شركة إنجليزية تراجع شروط الأمن والسلامة وأن ميناء الضبا السعودي شهد لمراجعة تلك الإجراءات بـ "نجاح". دعك من هذا السخف لأن ملاك الموت الذي زار أكثر من ألف مصري ينسف مصداقية تلك التصريحات.

نحن عادة أمام الكوارث القومية لا نجد إجابات شافية، سيخرج عليك من يقول إنه القدر" الذي حرك الزلزل وأطلق الرياح العاتية التي ضاعفت من قوة النيران.. فهل لديك اعتراض؟. ثم إن السفينة لا ترفع علم مصر!!

لكن لاحظ -مثلا- تصريحات محمد السيد الوكيل الملاحي لعبارات السلام، التي أكد خلالها أن: «أي سفينة تتعرض للغرق تحتاج إلي 20 ساعة علي الأقل لكي تستقر في قاع البحر، وبالتالي فإن غرق السفينة واستقرارها في قاع البحر خلال ساعتين فقط أمر محير ومثير للقلق». أضف إلي صعوبة حل اللغز أن هناك ألف يد ممدودة تتواطأ في دأب ليفلت الجاني الحقيقي. ويمكنك أن تحل اللغز - ببساطة - وتتبني نظرية ضرب السفينة في عرض البحر من جهة معادية (إسرائيل مثلا). لكن حتي هذا الحل -علي غرابته- لن يعفي المسئولين عن الحادث. لن تجد عذرا لوزير النقل الجديد "محمد منصور" (كحداثة عهده بالوزارة مثلا ) في عدم الإبلاغ عن فقدان العبارة فور انقطاع الاتصال معها، أو عدم وجود قوات طوارئ جاهزة لمواجهة مثل هذه الكوارث ربما كان بإمكانها التقليل من عدد الضحايا.. فالمهم لديهم جميعا أن تكون "الأوراق" مضبوطة، وكلنا نعلم كيف ترتب الأوراق!. ويكفيك أن القوات المسلحة أنقذت ما يمكن إنقاذه.

إن "الدولة" مشغولة بإنشاء مراسي "اليخوت الخاصة" في البحر الأحمر وشرم الشيخ، وليست معنية بهموم الفقراء، وكأنها قامت بدور الوسيط "السمسار" وسلمت ملايين الفقراء لحفنة من تجار الموت يتولون نقل العمالة المصرية (الشقيانة) وحجاج السفر البري، وهؤلاء ديتهم بسيطة عند الحكومة التي -ربما - تري أن التخفف من حملهم -بالموت- خدمة لوطن يعاني الانفجار السكاني!.

الحكومة التي سخرت مدن البحر الأحمر وشرم الشيخ لمليارات المستثمرين لم تكلف نفسها بتوفير مستشفيات مجهزة للطوارئ في تلك المناطق، وفي كل كارثة (مثل حادث أتوبيس السياح في طريق البحر الأحمر) تستنفر الدولة لنقل فرق طبية مجهزة و لكن بعد فوات الأوان!!. ولماذا تتكبد الدولة هذا العناء لتوفير الرعاية الطبية للعمالة التي تخدم في تلك المناطق السياحية، طالما أن كبار المستثمرين لديهم "طائرات خاصة"!.. والأغنياء لا تطأ أقدامهم مواقع الخطر في الطرق الوعرة.

أما فقراء هذا البلد فيعيشون في ضنك يعانون الأمرين في سفرهم ومرضهم.. يدفعون ثمنا فادحا للقمة عيش ضن بها الوطن.. يرتحلون ويتغربون لتوفير جنيهات قليلة لمسكن لا يرد برد الشتاء، وتعليم لا يحركهم من الطبقات الدنيا، ومأكل لا مذاق له!.

وفي رحلة العودة يستقبلهم من يحترف الإتجار بعرق الغلابة، وتغرق أحلامهم البسيطة وحفنة "الريالات " في بحر "الجشع"، يودعون الحياة في صمت، وتستقبل أسرهم "شهادة وفاة" هي في حقيقتها دليل إدانة لكل مسئول في البلد. فمن يحاسب من؟.

أتمني ألا نغلق ملف كارثة العبارة (السلام 98) دون أن يحاسب أحد -كالعادة - فساعتها سنصبح كلنا مدانين.

أاااااه ياعرب – نشرت بتاريخ 12 / 12 / 2005

إن شئتم أن تحاكموا «صدام حسين» فحاكموه علي سقوط بغداد أولا، علي هروب رجاله «النشامة» من مواجهة «علوج الأمريكان» واختفاء أركان نظامه الحديدي في غمضة عين «آرييل شارون» علي مذبحة «صبرا وشاتيلا»، وحاكموا معه «جورج بوش» علي خرق كل المواثيق الدولية التي تلزم قوات الاحتلال بحماية أرواح المدنيين وأعراضهم!.. . حاكموا هؤلاء علي جرائم الحرب.

حاكموا الصمت العربي المتواطئ مع قوات الاحتلال، حاكموا منظمات «السمسرة» التي تضفي شرعية علي الحكومة العراقية!. واسألوا الأمين العام للجامعة العربية «عمرو موسي» عن سرسعادته لسماع السلام الوطني (النشيدين) العراقي والكردي. اسألوه عن الخريطة السياسية لـ «العراق الجديد» الذي بشرنا به عقب وصوله إلي كردستان!!

حاكموا نصوص حقوق الإنسان الأسيرة مع الكرامة العربية في سجن «أبو غريب»، حاكموا بعض الأنظمة العربية التي لا تكف عن ممارسة القمع علي شعوبها وترتكب مذابح تفوق مذبحة بلدة الدجيل الشيعية التي يحاكم صدام علي ضحاياها (148 فقط). اسألوا أنظمتكم عن ضحاياهم في المعتقلات وفي حروب غير مبررة دفعت الشعوب ثمنها من اقتصادها وأرواح أبنائها منها الحرب العراقية - الإيرانية.

أو اسألوا أنظمتكم عن ضحايا المظاهرات.. والانتخابات!

قبل أن تحاكموا «صدام» حاكموا أنفسكم علي تأليه الحكام وتكريس نمط «الطاغية» في بعض أنظمة الحكم العربية.. اسألوا الشعب العراقي أين كان طيلة ثلاثين عاما؟ لماذا لم يثر علي ديكتاتور يحكم الإقليم الكردي بقانون «الإبادة» ولا يتورع عن إستخدام الأسلحة المحرمة لقمع شعبه؟. ثم حاولوا مضاهاة موديل حكم صدام الحديدي بمخابراته وترسانته البوليسية ونسب الاستفتاء علي شعبيته التي وصلت إلي مائة بالمئة قبل سقوط بغداد مباشرة، ستجدون الموديل الصدامي يطبق بمعظم آلياته في بعض البلدان العربية!!. فلا تلوموا الشعب العراقي ـ المحتل الآن ـ بل لوموا أنفسكم.

العنوا «الثروة النفطية» التي ركعت لها الصحف والمنابر الإعلامية، وخضعت لشروطها المتعسفة دول فقيرة تنتظر «الهبة» وتمنح في مقابلها قرارات سياسية خاطئة وسياسات اقتصادية فاسدة!. العنوا «النفط» الذي يراود قوي الاستعمار عن نفسها دائما ويغريها بإغتصاب أراضينا.. العنوا النفط الذي علمنا الانحناء والتلون كالحرباء.. وأفسد الذمم وأطاح بالقيم ليتغني البعض بمآثر الطاغية «صدام» مقابل «كوبون نفط »!!

في التراث الشعبي يقول المثل: (يافرعون إيه فرعنك ؟.. قال ما لقيتش حد يردني)، لكننا نحفر الأمثال في ذاكرتنا الوطنية لنتأسي بها علي أحوالنا.. ونتتطهر بها من ذنوبنا.. ونستمر في صناعة الفرعون في كل بلد وتحت أي مسمي.. فيما تعفينا الأمثال من المسئولية.

كلنا شركاء ـ بدرجة ما ـ فيما وصلت إليه الأمة العربية (سابقا)، إما بتمجيد الحكام أو بالحياد السلبي. وكلنا ندفع الثمن دون وعي منا ودون أدني مقاومة. فهل يجوز لمواطن عربي أن يشعر بالمهانة حين يري الرئيس العراقي المخلوع في قفص الاتهام؟ هل يجوز أن نتحدث عن شروط المحاكمة العادلة ونرفض تشكيل هيئة المحكمة من أكراد،أو نستنكر مهزلة الشاهد (واو) الذي يقف خلف الستار وتغير الأجهزة نبرة صوته؟ هل تستحق محاكمة صدام أن نأخذها بجدية ونناقش حجج الادعاء ودفوع المحامين أم لابد أن نتعامل معها كجزء من مسرحية هزلية لمخرج أمريكي تقدم ببراعة علي الساحة العربية.

أنا شخصيا لست معنية كثيرا بعنصرية المحكمة ولا بعدم شرعيتها.. لست مهتمة بتوقيت المحاكمة السابق علي وجود حكومة عراقية منتخبة، لسبب بسيط هو أنني «انكسرت» تماما يوم سقوط بغداد. فلم أجد في تلك المحاكمة الهزيلة سوي لون الصبغة التي تغطي شعر صدام، وغطرسته وهو يقول للجميع : «اذهبوا إلي الجحيم» ربما ليلحقوا بالعراق الذي أحرقه بجنونه تماما كما فعل «نيرون»!.

ولا أجد لروحي المجهدة ملاذا سوي كلمات «نزار قباني» في قصيدة «متي يعلنون وفاة العرب»: (أيا وطني..جعلوك مسلسل رعب... نتابع احداثه في المساء.. فكيف نراك اذا قطعوا الكهرباء ؟؟).

التنين الصيني يفرض نفوذه الاقتصادي علي العالم - المقال نشر بجريدة الفجر بتاريخ 21/ 11/ 2005

السؤال الذي كان يسيطر علي ذهني قبل أن أغادر القاهرة: هل يمكن للإنسان أن ينفصل شعوريا عن أحزان الوطن وصراعاته وتناقضاته حين ينتقل لقارة أخري ؟.

هل يمكن أن يهرب من أحلامه المؤجلة وواقعه المحبط إلي عالم أكثر رحابة.. أم أن الأحلام والأحزان تسكننا وتبحر بداخلنا، وربما تسبقنا إلي أقصي بلاد الدنيا، لتستقبلنا في جمهورية الصين الشعبية أسئلة حائرة.. وموجعة حول هموم وطن تخذلنا عملته المنهارة في كل دولة.. ويدخلنا في مقارنة ظالمة مع دول تسابق الزمن في خطواتها للأمام فيما نتراجع نحن إلي الخلف.

الطريق إلي بكين

في مكالمة عابرة مع صديقتي المحامية المعروفة «أميرة بهي الدين» أخبرتها بأنني أفاضل بين تأشيرة تحملني إلي دولة البحرين لإلقاء كلمة عن مستقبل المنطقة العربية، وبين تذكرة تنقلني إلي الصين بلد الحضارة والأساطير . وحسم صوتها الاختيار: سنذهب إلي البلد الذي توطدت فيه صداقتنا.. وشهد نضالنا لنصرة المرأة.. وسجل حكايات أمسياتنا المثيرة بعد أيام العمل الشاق والتنقل بين ورش العمل. سنعود إذن ـ مرة أخري ـ إلي بلد الإبداع اليدوي ونمارس دورنا الأنثوي المنسي (يعني نلعب ستات) نفاصل بائع السجاد الحرير.. وبائعة المفارش اليدوية علي «الآلة الحاسبة» كما يفضلون.. ونضحك من قلوبنا حين يقولون بفخر إنها صناعة (خاند ميد). ذكرتها بأنني في مهمة عمل وسأكون مشغولة بحضور المؤتمر الصحفي الذي تقيمه (مصر للطيران) لتدشين الخط المباشر القاهرة ـ بكين. وأن الرحلة شاقة ثلاث عشرة ساعة طيراناً وليلتان فقط لا وقت للراحة ولا للتسوق . لكن فكرة السفر إلي بكين علي «خط مباشر» كانت فكرة مغرية في حد ذاتها، وسيطر علينا حب المغامرة.. فولد القرار.

قبل إجازة عيد الفطر مباشرة عرفت جوازات السفر طريقها إلي سفارة الصين .. وفي أول يوم عمل بعد الإجازة التقينا جميعا في مطار القاهرة. وبعد أن ربطنا أحزمة مقاعد الطائرة التقت عيناي بعيني رفيقة المعاناة والسعادة.. رفيقة السفر «أميرة» قلت لها: ألسنا مجانين.. فبادرتني بالرد: «طبعا».. وأخذنا نضحك.

فلاش باك

لأول مرة في حياتي أحمل «خريطة» خلال تنقلاتي، كان ذلك أثناء مشاركتي في مؤتمر المرأة الذي عقدته منظمة الأمم المتحدة عام 1995 في بكين. وكانت فعاليات منتدي المنظمات غير الحكومية تتم في (هواريو) علي بعد ساعة تقريبا من بكين.

«التوهان» كان سيد الموقف، فالوفد المصري توزعت إقامته بين هواريو وبكين.. والنظام الشيوعي الصارم فرض علينا التحرك أفواجا في أتوبيسات.. وحاصرنا بمواطنين لا يعرفون من لغات العالم غير اللغة الصينية. فكان علينا أن ننتظر عدة أيام لنعرف موقعنا علي الخريطة.. ونحدد بنفس القلم علامات بارزة علي مواقع سكن الصديقات. وحين نتقابل نتحدث عن شيء واحد: (الطعام) فـ «الجوع» كان القاسم المشترك بيننا في بلاد لا تقدم إلا أكلاتها المخلوطة بدهن الخنزير وكل ما يسبح في البحار عدا الغواصات، أو يطير في الجو عدا الطائرات، أو يمشي علي الأرض عدا السيارات.. وكنت مهيأة تماما للجوع أو التوهان، لكن في فندق (كاري) كانت أول معالم تغير بكين التي امتلأت بالفنادق السبع نجوم وأصبحت تقدم كل أنواع الطعام العالمي.

في أول ليلة قضيتها في بكين عام 2005 فوجئت أن هناك قناة تليفزيونية تذيع أفلام (بورنو). فتذكرت حين خرجت مظاهرة علي هامش مؤتمر المرأة عام 1995 لتحطم رمز الغزو الرأسمالي للصين الشعبية: «ماكدونالدز» وتحطم واجهته بالحجارة.. وتساءلت: تري لو عقد مؤتمر للمرأة في بكين اليوم.. هل كانت النساء ستتظاهر رفضا لتجارة الجسد و تشيئ المرأة لتصبح مجرد «سلعة»؟. لكني سخرت من نفسي وتذكرت أن تجارة الجسد هي جزء أساسي من اقتصاد الصين !

عندما تسكن في طائرة

الصحفي لا يسلم قلمه عند الحدود.. ولا يخبئ روحه الناقدة في حقيبة السفر. بل تسجل عيونه كل ما يدور حوله بدقة. وفي رحلات الطيران الطويلة لا يستسلم لغفوة قد تضيع مشهدا مهما من دفتره.

أول ما تبادر لذهني علي الطائرة هو رحلتي الأولي لبكين، في عام 1995 التي استغرقت يومين بين إقلاع وهبوط وترانزيت. من القاهرة إلي فرانكفورت ومنها إلي هونج كونج لتنتقل حقائبنا من طائرة «لوفتهانزا» إلي طائرة «الخطوط الصينية». لنصل إلي بكين حيث تنتظرنا مفاجأة مؤلمة تلخصت في ضياع حقائب بعضنا، وكانت في مقدمتهم صديقتي المحامية المعروفة «لمياء صبري مبدي» التي ظلت تترد يوميا علي المطار بعد أداء مهام المؤتمر.. وتنتظر حقائبها التي وصلت بعد أسبوع تقريبا من إقامتنا في بكين !. ولعل هذا ما شكل بداخلي عقدة ما تتحكم في تصرفاتي أثناء السفر.

فأبدأ رحلتي بمطالعة وجوه طاقم الضيافة.. أتفاءل إذا بدت الوجوه ودودة بشوشة.. وأتشاءم إذا كانت جافة وتقدم الخدمة بتذمر وكأنك في ملجأ للأيتام . المفاجأة أن طاقم ضيافة «مصر للطيران» قد تخلي عن النساء البدينات واستقبلتنا ملامح مصرية رقيقة.. انتظرت أن أري المشهد الذي طالما استفزني علي خطوطنا الوطنية، ذلك الذي كانت تتضرر فيه المضيفة من طلبات الراكب فتسكب القهوة الساخنة علي جاره في المقعد.. لكن الصورة تغيرت تماما !.

بقليل من الخبث بررت اداء طاقم الضيافة بوجود قيادات مصر للطيران علي الطائرة: الطيار أسعد درويش رئيس شركة مصر للطيران للشحن الجوي، محمد منير رئيس القطاع التجاري بالشركة، يسرية رجب المستشار الإعلامي لوزير الطيران، علاوة علي نائب رئيس هيئة تنشيط السياحة سيد محرز. لكن في رحلة العودة تأكد لي أن مستوي الخدمة قد تغير بالفعل حتي دون وجود قيادات الشركة..وبدأت فعاليات الترويج للخط المباشر القاهرة ـ بكين، وتم إجراء قرعة علي التذاكر لاختيار «المقعد الذهبي».. ولعب الحظ دوره في فوز راكبة تايلاندية جاءت من السعودية بعد أداء العمرة لتنتقل إلي بانجكوك علي مصر للطيران.. وبفوزها استردت قيمة التذكرة.. حظوظ!

تركت مقعدي لأختبر الجدوي الاقتصادية لإعادة تشغيل خط القاهرة - بكين، وأقطع وصلة النوم الهادئ علي المسئولين المرافقين للوفد بأسئلتي . وبدأت أناقش محمد منير حول التعاقدات التي تمت مع ركاب الترانزيت خصوصا من (بانجكوك) بعد أن لاحظت وجودهم بكثرة علي الطائرة وكان سفير تايلاند يجلس إلي جواره. للحقيقة فوجئت بوجود خطة مدروسة للترويج لهذا الخط يتولاها المكتب الرئيسي بالقاهرة الذي يسعي لخلق شبكة ربط مع شركات الطيران العاملة في المنطقة للوصول إلي نقاط متعددة في الشرق الأقصي. وأن قيادات مصر للطيران تدرك أهمية استثمار انعقاد دورة الألعاب الأوليمبية بالصين عام 2008 في الترويج لهذا الخط. لكن الأهم من ذلك كله هو تقرير منظمة التجارة العالمية الذي يفيد بأن الصين قد أصبحت ثاني أقوي اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية واتسعت دائرة نفوذها الاقتصادي خارج شبه القارة الصينية. وكل هذه المعطيات تفرض وجود خطوط منتظمة تواكب تنامي حركة السفر ونقل البضائع. أضف إلي ذلك تنبؤات منظمة السياحة العالمية التي تشير إلي أن الصين ستصبح المقصد السياحي الأول في العالم بحلول عام 2017 وأنها سوف تستقبل 137 مليون سائح في عام 2020.

ولأننا في بلد لا يعرف الخطط المستقبلية التي تصل بالأحلام إلي محطة التحقق بعد أكثر من عشر سنوات، كان لا بد أن أشاغب سيد محرز بأسئلتي.. سألته عن حركة السياحة الوافدة من الصين وسبل تفعيلها خاصة مع ارتفاع مستوي الدخل في بلد يصل تعداده إلي مليار ومائتي وخمسين نسمة؟. وبشكل عملي حدثني عن القافلة السياحية التي ترأسها وزير السياحة أحمد المغربي في شهر يونيه الماضي والتي ضمت كبري شركات السياحة المصرية لدفع حركة السياحة الصينية الي مصر والتي يعول عليها في تعويض العجز التجاري بين البلدين. لكن الأرقام التي ذكرها نائب رئيس هيئة تنشيط السياحة بدت هزيلة جدا مقارنة بحجم السوق الصينية التي لم تصدر إلي مصر سوي 38 ألف سائح خلال عام 2004!

وربما ما يدعو للتفاؤل نحو مضاعفة هذا العدد هو وجود الدكتور ناصر عبد العال مستشارنا السياحي في بكين، وبحكم كونه أستاذا للغة الصينية آدابها قد ذاب في المجتمع الصيني وجعل من فكرة جلب السياحة الصينية إلي مصر هماً خاصاً يؤرقه ويعمل من أجله برؤية علمية تدرك طبيعة السوق الذي يخاطبه. فإذا أضفنا لذلك وجود مكتب مصر للطيران في قلب بكين وعلي رأسه أيمن السمري ربما تأتي أرقام السياحة الوافدة من الصين بعد ذلك بمئات الألوف.

وبقدر ما استوقفني اختيار ممثلينا بالخارج توقفت طويلا أمام السيدة «مني» حرم أيمن السمري التي تمكنت برقتها وشخصيتها العذبة من إضفاء حضور دافئ علي الحضور بدءا من استقبالنا علي عتبة المطار ووصولا إلي وجودها المميز في المؤتمر الصحفي وحفل الاستقبال.

الأصل في الأشياء هو «التقليد»

عندما وصلت إلي بكين كانت عيناي تفتشان عن تلك البيوت الصغيرة ذات الأسقف الحمراء.. عن مواكب الدراجات التي تحمل البشر إلي المزارع والمصانع ليختفوا فيها طيلة النهار فلا نراهم سوي في رحلة العودة.. كنت أتجول ببصري علني ألتقط محلا للصناعات التقليدية يبيع التحف المصنوعة من الأحجار الكريمة أو متجرا للحرير الطبيعي. لكن بكين التي أعرفها اختفت تماما، وكأن شخصا ما قد محاها من علي الخريطة ووضع مكانها تلك الأبراج الهائلة وواجهات الرخام التي لا تدل علي هويتها الصينية إلا من اللغة المنقوشة علي مداخلها. تعجبت أيضا من عملية الإنشاء المستمرة استعدادا لانعقاد دورة الألعاب الأوليمبية بالصين.. صدمتني الكباري التي غيرت معالم المدينة، وكأنني كنت أبحث عن ذكريات نقشتها قبل عشر سنوات في تلك المدينة النائية - البسيطة واكتشفت أن الغزو الصناعي سرقها من علي الجدران !

تغيرت بكين.. لا بل قفزت قفزة هائلة نحو المستقبل، تحولت من بلد يمارس سياسة الإغراق الاقتصادي علي العالم بسلع رخيصة الي بلد يدخل حلبة المنافسة علي (الجودة والسعر) . ويفتح المجال أمام القطاع الخاص بضوابط لا تقلل من سطوة الحزب الشيوعي الحاكم . لتبدأ خطوط إنتاجه في تقديم كافة الماركات العالمية ( تحت إشراف مراقب جودة) مستغلة الثروة البشرية الهائلة في مواجهة القوي الاقتصادية العظمي «أمريكا» !

إنه بلد يعاني من مشاكل «الوفرة».. يخشي من تزايد معدلات التضخم. وعلي العكس من (فقرنا الدكر) يطبق سياسات صارمة لتخفيض نسبة النمو الإقتصادي من 9.5% إلي 7 %!. فتلك القفزة الاقتصادية رافقتها مشاكل يمكن تسميتها بأمراض النمو السريع علي رأسها ظاهرة السخونة الزائدةOVERHEATING يليها نقص موارد الطاقة والمواد الخام (الصين ثاني مستورد للبترول بعد أمريكا )، ثم المشكلة المشتركة بين كل الدول التي تتحول من النظام الاشتراكي إلي النظام الرأسمالي وأعني بها مشكلة التوقف عن سداد قروض البنوك. لكن الدولة التي حكمها الحزب الشيوعي بالحديد والنار وفرض علي شعبها زياً موحداً لخمسين عاما يتصدي لتلك المشكلات بتشريعات قانونية (إجراءات انكماشية) يتم تطبيقها أيضا بالحديد والنار.

ورغم ذلك فهناك بوادر ضمور للتوجه الشيوعي في إدارة الاقتصاد الصيني، فلأول مرة يوافق مجلس نواب الشعب الصيني عام 2004 علي تعديل الدستور ليتضمن نصوصا تتعلق بحماية الملكية الخاصة.

ومثل كل حالات التحول تتعرض الصين لحالة «فساد» لكن الحزب الشيوعي يتعامل مع الفساد باعتباره قضية مركزية تهدد مستقبله!

خرج المارد الصيني من قمقم الخرافة لتصل الصادرات الصينية إلي 595 مليار دولار. وتحتل الصين المركز الأول في جذب الاستثمارات الأجنبية (61 مليار دولار).

ومن الموقع الاقتصادي الفريد تمكنت الصين من لعب دور سياسي هام فوصلت إلي أفضل حالاتها مع أمريكا (بعد أن أصبح الفائض التجاري في صالح الصين) وأصبح الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأول للصين. ورغم الخلاف التاريخي مع اليابان أقامت معها بكين تجمعا للحوار الاقتصادي.

أصبحت الصين طرفا فاعلا في إدارة الأزمة النووية الكورية، فهي دولة قادرة علي حق «الرفض». ترفض تحويل الملف النووي الإيراني إلي مجلس الأمن، وترفض توقيع عقوبات علي السودان.

إنها الدولة صاحبة الحضارة العريقة منذ بناء «سور الصين العظيم» إحدي عجائب الدنيا السبع.. وهي صاحبة القوي النووية.. والقوة الاقتصادية الضاربة.. وبالتالي أصبحت قادرة علي فرض قرارها السياسي علي العالم.. التنين الصيني ليس مجرد خرافة.. إنه واقع يفرض إرادته علي العالم بما فيه «أمريكا» أحيانا !. لكن مصر لازالت تتعامل معها بطريقة: اعطني قرضا.. ولا تعلمني درسا!!.

السبت، 14 مارس 2009

أصوات للبيع! نشرت بتاريخ 7 / 11 / 2005

في موسم الشعارات والمزايدات يتحول المواطن إلي "أذن كبيرة" تخترقها الوعود الانتخابية من كل اتجاه. فكل مرشح يدرك جيدا أن اليأس والعجز عوامل كفيلة بجعل الناخب مهيأ لاستقبال شعارات تبشره بالإصلاح والقضاء علي الفساد، وتدغدغ مشاعره بفرص العمل ومحاربة الغلاء وحماية المستهلك. وسواء كانت مطالب الناخب من أعضاء البرلمان بسيطة لا تتجاوز تأشيرة من مسئول أو كانت مستحيلة تصل بالمساءلة إلي سحب الثقة من الحكومة.. فكلنا - في النهاية - بحاجة للتصديق. نحن أول من يبحث عن الأمل في الانتخابات البرلمانية وأول من يحصد الحسرة وخيبة الأمل!!
وفيما نحن نتحدث عن نزاهة الانتخابات والإشراف القضائي الكامل علي العملية الإنتخابية مع السماح -أيضا - لمنظمات حقوق الإنسان ونقابة المحامين بالمراقبة،ربما لا يري رجل الشارع في هذا التوقيت إلا فرصة للقاء "البك النائب"، فهو لم يلتق به منذ اختاره في الانتخابات الماضية وها هو يعود لنفس الدائرة بحثا عن أصوات يدفع ثمنها مقدما ليشتري بها الحصانة.
في صعيد مصر تتحكم العصبية القبلية -إلي حد ما- في توجيه دفة الناخبين، أما في الريف والمدن الكبيرة فقد يكون الحد الأدني لسعر "الصوت" تخصيص قطعة من أراضي الدولة.. لكن السطوة والغلبة تكون دائما لسلطان النفوذ والمال والبلطجة في كل الدوائر. فهل لنا بعد ذلك أن نلوم نواب المخدرات أو نواب البلطجة.. هل لنا أن ننزع ثوب الحصانة عن ممثل الشعب لنسأله من
أين لك ذلك.. أو لماذا تهربت من التجنيد؟ أليس الأحري بنا أن نسأل كيف وصل إلي مقعده تحت قبة المجلس؟. إذا استبعدنا شبهة التزوير علي سبيل التفاؤل، واستبعدنا معها احتمالات التعسف في استخدام السلطة وسلمنا بأن الشرطة ستلتزم الحياد، لن يتبقي أمامنا سوي رجل الشارع لنسأله :لمن منحت صوتك..ولماذا؟. قد يبدو السؤال سهلا ساذجا للبعض لكن إذا أردتم قياس درجة الوعي السياسي للمواطنين ماعليكم إلا إجراء استطلاع رأي بهذا السؤال وحده. ساعتها فقط ربما نعرف لماذا تباع أصوات الناخبين علي أرصفة الإغراء المادي والوعود المخدرة، سنعرف كيف يتم ابتزاز المواطن بسلطة المرشح أو انتمائه الحزبي، وسندرك جميعا أن غياب الثقافة السياسية من المجتمع منهج منظم لمن يستغل جهل البعض في توقيت مثل موسم الانتخاباتالمواطن البسيط الذي أنهكته مصاريف الدروس الخصوصية لا يفهم إلا القليل من الخطاب السياسي الموجه إليه، لأننا نخاطبه -عادة- من فوق! نفترض أن عليه وحده أن يفهم أن مجلس الشعب مسئول عن مراقبة أداء الحكومة ومحاسبتها، ورغم أننا نعلم أن نسبة العمال والفلاحين في البرلمان تأتي عبر صناديق ملأتها أصوات لا تتجاوز ثقافتها "محو الأمية"،إلا أننا نتصور أنهم يدركون دور البرلمان في إصدار التشريعات وتعديل الدستور من دون أن يتبرع أحدنا ويشرح لهم أولا ما هو الدستور.. وما المراد من تغييره!
نحن شركاء - بدرجة ما - في تشويه الحياة النيابية، فإذا كان الحزب الحاكم يسيء اختيار ممثليه فالناخبون يصدقون علي اختياراته، وإذا كانت أحزاب المعارضة معزولة مهمشة أو حتي مستأنسة فسلبية المواطن تفقدها مناعتها أمام محاولات الاستقطاب. وما بين بيزنس بعض المستقلين ووطنية البعض الآخر لابد أن يتوه المواطن،لأنه -ببساطة- حرم من النشاط السياسي في الجامعة، وأحجم عن المشاركة السياسية تجنبا لتطبيق "قانون الطوارئ" عليه، ولأنه حين تجاسر وخرج في مظاهرة واجهته الطلقات المطاطية والتحرش الجنسي بالنساء. فهل مجتمع مثل هذا قادر علي إفراز مجلس شعب قوي ونزيه.. هل الناخب في مجتمع خاضع لجبروت السلطة وبطش القوانين الاستثنائية قادر علي الاختيار الحر.. أشك!
إن ما شهدناه من حراك سياسي تحول إلي فوضي لقلة الوعي السياسي وانعدام الرؤية المستقبلية، ولم يعد لدي الدولة ما تقدمه دليلا علي الليبرالية وبرهانا علي الإصلاح إلا إطلاق يد جماعة "الإخوان المسلمين" المحظورة في الحياة السياسية .. وبالتالي لم يعد أمام المواطن إلا متابعة بلطجة بعض المرشحين.. ومسيرات الأخوان والتندر علي أغنياتهم الدعائية.. أو عليه أن يتبع سياسة القطيع ويمنح صوته
لأعلى ثمن

الجمعة، 28 نوفمبر 2008

مجرد كلام !! .. نشرت بتاريخ 31 / 10 / 2005

المسافة بين المنهج الثوري والقواعد الدبلوماسية أشبه بالمسافة التي تفصل بين أمريكا وإيران. والرئيس الإيراني "محمود أحمدي نجاد" أعلن بوضوح أنه ينتمي لمدرسة الثورة ليس بحكم عضويته السابقة في الحرس الثوري وتشدده الديني فحسب بل بتصريحاته الأخيرة في مؤتمر "العالم من دون الصهيونية". وطبقا لتعاليم تلك المدرسة فهو لايعترف بالخطوط الحمراء في العلاقات الدولية ولا يضع سقفا للطموح الوطني.. ولا يتبع أية محاذير في تصريحاته السياسية. وبالتالي فمن السهل أن يدفع نجاد العالم كله إلي خندق الذعر والتوتر بتصريح واحد !. لكن التحالف الدولي ضد ما يسمونه "الشيطان الأكبر" سرعان ما خرج من نفق التوتر المؤقت ليواجه طهران بتهديدات ملتهبة كألسنة النار وحادة كسيوف ظلت متحفزة طيلة الوقت للنيل من رأس النظام الإيراني، وقد كانت مطالبة نجاد بمحو إسرائيل من الخريطة كفيلة بإشهار السيوف.. وإعلان النوايا.. ليبدأ العد التنازلي للصدام المتوقع بين أمريكا وإيران ببيان إدانة من مجلس الأمن.
البعض رأي في تصريحات "نجاد" عودة بإيران إلي نهج الثورة الإسلامية في الثمانينيات، فهو يتبني مقولة الإمام الخميني الراحل: "ان الكيان المحتل للقدس يجب أن يزول عن الوجود" ويعيد صياغتها ليبشرنا بإمكانية إيجاد عالم خال من أمريكا وإسرائيل !. لكن فن الخطابة مختلف تماما عن قواعد اللعبة السياسية، فتلك الخطب الرنانة قد تلهب مشاعر الجماهير العربية لكنها في الوقت نفسه تحفز العالم كله لتشديد العزلة الدولية علي إيران وإحالة ملفها النووي إلي مجلس الأمن الدولي، تمهيدا لفرض عقوبات دولية تجهض مشروعها النووي.
لقد وصل الرئيس الإيراني إلي أقصي درجات التشدد في سياسته الخارجية، وعمد إلي إثارة العالم كله ضده بخطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي، عندما تمسك بحق بلاده في إنتاج الوقود النووي. ولعل التصعيد الدولي ضد بلاده عقب ذلك الخطاب هو الذي دفعه للتهديد المباشر لإسرائيل ليصبح (اللعب علي المكشوف).
ولأن اللعبة السياسية لا تعرف الخجل وربما لم تعد تعترف بالعدالة الدولية، فقد أثارت تصريحات الرئيس الإيراني "قلق" الأمين العام للأمم المتحدة "كوفي عنان"، وسارع بتذكير جميع الدول الأعضاء بأن إسرائيل عضو في الأمم المتحدة لها نفس الحقوق والالتزامات كما لبقية الأعضاء!.
كان علي "كوفي عنان" ألا يتطرق لالتزامات الدول الأعضاء في الأمم المتحدة طالما لا يري المجازر التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني !.
وألا ينهي عن تهديد الدول الأعضاء لبعضها البعض طالما ظل العراق محتلا بفضل تقارير مجلس الأمن المغلوطة.
لكن يبدو أن "كوفي عنان" يتحسب ليوم قد يضطر فيه لتنفيذ رغبة "شارون" في طرد إيران من الأمم المتحدة، ليحظي برضا البيت
الأبيض فيضمن بذلك بقاءه في موقعه. أما ساكن البيت الأبيض نفسه فكان يعتقد أنه نجح في نزع ريش الطاووس الإيراني بحرب التقارير من "ميليس" إلي "لارسن". وأن نجاح أمريكا في استصدار قرار مجلس الأمن رقم 1559 لتصفية "حزب الله"، بالإضافة إلي السعي لتوقيع عقوبات دولية علي سوريا، كلها أوراق كفيلة بتحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة العربية . ولم يتوقع الرئيس الأمريكي أن "أحمدي نجاد" سيحتفل بـ "يوم القدس" علي طريقته، وأنه سيطلق بتصريحاته آهة حبيسة في صدور المسلمين تجذب انتباه العالم الإسلامي المغيب.. وتوجه الأنظار لمقدساتنا السليبة.
ولأننا شعوب عاطفية بالفطرة شعرنا بالزهو لغرور الطاووس الإيراني الذي يواجه التحرش الدولي بكل تحدٍ،وخرجت المظاهرات دعما لتصريحات الرئيس الإيراني. وتابعنا ابتسامة نجاد الغامضة وهو يسير ضمن حشود المتظاهرين دون أن ننتبه إلي أنه قد أهدي المجتمع الدولي ذريعة لضرب إيران سياسيا وعسكريا. فتصريحاته تعزف علي وجدان شعوب مقهورة تبحث عن كرامتها في لهجة تحدٍ.. لكن الخطاب العنتري الذي أقلق المجتمع الدولي لم يوقف الغارات علي غزة ولن يفلح في استصدار قرار من مجلس الأمن يدين وحشية قوات الاحتلال في العراق. فالأمة الإسلامية عاجزة عن حماية نفسها.. عاجزة عن تحقيق مصالحها. نحن لم يتبق لدينا من نظريات الثورة سوي الكلام.. أما الفعل فقد تركناه لأمريكا وإسرائيل!

أمة في قفص الاتهام! .. نشرت بتاريخ 24 / 10 / 2005

عقب أزمة لوكيربي سمعنا لأول مرة عن عقد محاكمة دولية للرئيس الليبي معمر القذافي. ثم توالت المشاهد بسرعة لنجد الرئيس العراقي السابق صدام حسين في قفص الاتهام من دون أن ننتبه إلي أن عجزه الواضح يجسد عجز أمة بأكملها، أمة أصبحت مكبلة باتهامات أمريكية تتراوح بين الإرهاب والديكتاتورية، وبالتالي أصبح كل حاكم عربي مداناً إلي أن يثبت العكس!
إنه مسلسل تصفية ما يسمي بالنظام العربي، وهو المسلسل الذي بدأ باحتلال العراق وتصاعدت حدته وصولاً إلي صدور تقرير "ميليس" الأخير الذي وضع الرئيس اللبناني إميل لحود والنظام السوري وبعض الفصائل الفلسطينية في خانة الاتهام. وهو وضع يبدو متوقعا في ظل اختلال موازين العدل الدولية وإحكام القبضة الأمريكية علي قرارات مجلس الأمن الدولي لرعاية حليفتها المدللة إسرائيل.
حتي سيناريو هيئة التحقيق الدولية يبدو مكررا ومطابقا لهيئة التفتيش الدولية التي صالت وجالت في العراق للبحث عن أسلحة دمار شامل، وأسقطت حصانة قصور الرئاسة العراقية تمهيدا للإطاحة بنظام صدام وابتلاع العراق.
قد لا يحتاج الأمر لاجتهاد مضن في التحليل السياسي لاستشراف مستقبل المنطقة العربية، فالصمت العربي وردود الفعل الدولية تجيب عن كل الأسئلة ببساطة: ما إن صدر التقرير حتي خرج الرئيس الأمريكي يطالب المجتمع الدولي بالتحرك "بقوة وجدية" ضد سوريا، وبدأ مشاوراته مع فرنسا وبريطانيا لاستصدار قرار من الأمم المتحدة بتوقيع عقوبات علي سوريا لتورطها المزعوم في اغتيال الحريري.
وبينما تتمادي أمريكا في تطويق النظام السوري ومحاصرة الفصائل الفلسطينية بتقرير ميليس، تكفل زعيم تيار المستقبل "سعد الحريري" بتهييج الشارع اللبناني، وخرجت المظاهرات مجددا إلي ساحة الشهداء للضعظ علي إميل لحود للتنحي عن الحكم، واحتلت صورة نجل الشهيد الحريري شاشات الفضائيات وهو يغازل الجماهير الثائرة قائلا إنه يطلب العدالة ولا يطلب الثأر!.. وكأنه تخلي عن حنكته السياسية أو أن دماء أبيه لا يعادلها - في نظره- سوي كل دماء الشعب اللبناني المطارد بشبح الحرب الأهلية، والمخترق أيضا من إسرائيل.
الحريري الصغير يقول: "إن هويتنا العربية لا تحتاج الي شهادات حسن سلوك". وفي تناقض غريب يبارك تقرير ميليس الذي يطالب بعض الحكام العرب بتقديم شهادة براءة من دم الحريري.. وكأنه أصبح طرفا في تنفيذ السيناريو المرسوم لتفكيك المنطقة، أو لعله يعتقد أن الأوطان تدار مثل الشركات وعليه أن يخلع رئيس مجلس إدارة لبنان "إميل لحود"ربما ليعتلي كرسيه فيما بعد!.
نحن نسير -عادة- في أي سيناريو يرسم لنا بكل بساطة رغم أن النهايات دائما واضحة، وبالتالي لجأ الجميع إلي بيانات النفي والتشكيك في مصداقية تقرير ميليس دون أن يسأل أي منا عن باقي حلقات السيناريو الذي يمهد له التقرير. لكن الإجابة تأتي قاطعة وسريعة علي لسان "يوفال شتاينتس" رئيس لجنة الدفاع والخارجية في الكنيست الاسرائيلي حين يقول: "ان انهاء حكم عائلة الأسد والاطاحة ببشار هو مصلحة اسرائيلية واضحة وليس مصلحة أمريكية فقط ". وحتي تكتمل الصورة يقول الناطق باسم وزارة الخارجية الاسرائيلية ليور بن دور إن التقرير تطور إيجابي يصب في الاتجاه الصحيح. والاتجاه الصحيح الذي تعرفه أمريكا هو زعزعة الأمن اللبناني الذي بدأ بالفعل مع انسحاب القوات السورية من لبنان، ووضعها علي حافة حرب أهلية لتصبح الأراضي اللبنانية مستباحة لإسرائيل من دون حرب. واسقاط نظام بشار الأسد تمهيدا لاحتلال أمريكي - إسرائيلي لسوريا. أما القضاء علي المقاومة الفلسطينية فهو الضلع الأضعف في مثلث المخطط الأمريكي. لكن الغريب أن الضلع الأضعف (الفلسطيني) يتمتع وحده بروح المقاومة والتصدي، فالوحيد الذي خرج من بين صفوف الأمة المهزومة ليطالب بمحاكمة ميليس علي هذا المخطط كان احمد جبريل الامين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.. فعلها وحده وسط صمت عربي مخز يوحي بأن أمريكا ستتولي محاكمة عدة دول.. وعلي بعض الشعوب العربية الأخري أن تحاكم قادتها
.

ومن العلم ما قتل! .. نشرت بتاريخ 17 / 10 / 2005

احترس من الاقتراب من آراء الدكتور "زغلول النجار"، لأنها ملتهبة مثل البراكين التي يتوعدنا بها، توشك أن تنفجر في وجوهنا جميعا. فيبدو أن نرجسية "العالم" قد تمكنت منه فأصبح يعتبر أن الاختلاف معه تهمة تعادل "معاداة السامية" !
فالرجل قد تولي تفسير الإعجاز العلمي للقرآن لأمثالي من العامة الجهلاء ويسعد بإثارة الجدل حول آرائه العلمية والدينية وما يترتب عليه من شهرة مجزية. لذلك فتح النار علي من عارضوا آراءه حيال الكوارث الطبيعية التي يعتبرها:"عقابا للعاصين وابتلاء للصالحين وعبرة للناجين". فهو يصنف معارضيه إلي "مشايخ" حاسدين وجهلة، أو بقايا "اليسار"الذين يراهم "مجرد سفهاء يريدون التطاول عليه"!!
و علي الدكتور زغلول البحث عن صفة جديدة ينعتني بها لأنني لا أنتمي لكلا التيارين. أو أن يلتزم بالحياد العلمي ووقار العلماء.. ويكف عن ترويعنا.
وبداية لابد أن أعلن ندمي علي متابعة حواره في برنامج "بلا حدود" مع الإعلامي "أحمد منصور" والذي اكد خلاله أن الزلازل والبراكين "جند من جند الله" يسخرها علي من يشاء.
فلم يرتق عقلي لإدراك الحكمة الإلهية من الزلازل التي ضربت الهند وباكستان، ولا سبب الغضب الإلهي علي فقراء جنوب آسيا الذي اجتاحه إعصار تسونامي. ولم أر من إعصار كاترينا سوي الدمار الذي لحق بفقراء أمريكا من السود فيما نجا الأمريكان الأثرياء من لعنة الخراب الذي خلفه مثلما نجوا من إعصار ريتا.
لكن الدكتور النجار يصر علي احتكار الحقائق العلمية والتفسيرات الدينية وحده. ويحاول بكل تعنت أن ينزع من قلوبنا الإحساس بالعدالة الإلهية ورحمة الله التي تسع الكون بأسره.. وكأنه لا يعرف من الصفات الإلهية سوي المنتقم الجبار !..ربما كان علي حق وجاء يوم نري فيه المشيئة الإلهية تثأر للأرواح البريئة التي اغتالتها الإدارة الأمريكية. لكن تري هل يتبني "بوش" نفس وجهة النظر ليتعظ ويحتكم لموازين العدل الدولية ؟. لا أعتقد.
ولا أتصور إمكانية تطبيق نظريته في العقاب الإلهي علي عشرات الآلاف من فقراء باكستان إلا إذا كان يعتقد أن السماء تصب غضبها علي تنظيم القاعدة الذي فجر مركز التجارة العالمي و استقرت بعض فلوله في باكستان !.ألم ير دكتور الجيولوجيا الشهير جثث ضحايا الأعاصير
التي ضربت الهند و تايوان والفلبين والصين وبينهم مسلمون ومؤمنون من مختلف الديانات!!.أم تراه يعتقد أن السماء لا تحب الفقراء؟
كانت شماتة الدكتور النجار في أمريكا واضحة التي تسبب لنا الكوارث الطبيعية باعتبارها كبري الدول الصناعية إطلاقا لملوثات البيئة، وبالتالي تعد هي المسئول الأول عن ظاهرة الاحتباس الحراري الذي يؤدي بدوره لتزايد معدلات الفيضانات والأعاصير والزلازل. و لأنها دولة مارقة لم توقع علي إتفاقيات الحفاظ علي البيئة فلن تنجو من الانتقام الإلهي. فالدكتور النجار ينذرها بلعنة السماء حين يؤكد أن ثلثي الولايات المتحدة الأمريكية ستختفي عقب أكبر ثورة بركانية مرشحة للاندلاع في أية لحظة وهي ثورة بركان
Yellow Stone)) العظيم الذي يقع في ولاية أوهايو الأمريكية. فجأة
تذكرت فقراء مصر الذين شردهم زلزال محدود، مقارنة بما نراه اليوم.. وللحقيقة لم أجد لفكرة الانتقام الإلهي أي سند من الصحة رغم إصرار الدكتور النجار عليها حتي الآن. فمصر لم تكن قرية للظالمين أراد الله إهلاكهم.
وكذلك المدينة المنورة التي يؤكد الدكتور زغلول أنها محاطة بأربعمائة فوَّهة بركانية بعضها سجل هزات أرضية (سجل بركان واحد منها ثلاثمائة هزة أرضية قبل عامين أو ثلاثة)، لكنه يعود - في تناقض غريب- ليؤكد لنا أن الزلزال الذي أثار هلع الناس في مكة المكرمة ليس سوي هزة خفيفة ناجمة عن التفجيرات المستمرة لحفر الأنفاق، ونحن نصدقه بالفعل في كونها أرضاً مباركة نمت منها اليابسة فحسب،أما قوله بأن مكة بعيدة عن منأي الزلازل فينفيه العلماء السعوديون في إشارة إلي حوالي 12 زلزالا مدمرا ضربت مكة كان آخرها في عام 1994 ! هل هؤلاء العلماء أيضا جهلة في رأيه أم أنهم من فئة الحاسدين؟!.

الخميس، 27 نوفمبر 2008

نعم.. إنصاف الأقباط! .. نشرت بتاريخ 10 / 10 / 2005



لماذا يصر النظام علي ترك ملف الأقباط نهبا للشائعات وحرب التصريحات الصحفية ويسلم قطعة من قلب الوطن للقوي الخارجية لتتحول إلي كارت ضغط علي الإدارة المصرية.. وكأنها إدارة أدمنت ابتزاز القوي الخارجية لها وفقدت القدرة علي التحرك بمفردها وبالتالي تستمتع بسادية الإملاءات الأمريكية.
هي ليست المرة الأولي التي ينظم فيها أقباط المهجر مؤتمرا تحت عنوان الاضطهاد و"حقوق الأقليات الدينية" في مصر ولن تكون الأخيرة.. لأن إحراج النظام المصري هدف ثابت علي أجندة الإصلاح المصري. ورغم ذلك تصر الدولة بكل غطرسة علي التجاهل واللامبالاة وكأن هذا السلوك يعفيها من النقد الدولي والمحلي!
قطعا وصف الأقباط بالأقليات كفيل بإثارة النظام الذي يعتبر أن عرض المشكلة هو الأزمة الحقيقية وأن الملوم في تلك القصة هو الصحافة التي تنشر قصص إسلام بعض المسيحيات أو عجز الدولة عن حماية "حرية العقيدة" بإعادتهم إلي المسيحية. لكن ها هو "عدلي أبادير يوسف" الناشط القبطي المصري المقيم في سويسرا يدعو لعقد المؤتمر القبطي الثاني في واشنطن خلال نوفمبر المقبل تحت رعاية "الكونجرس الأمريكي" وربما كانت المرة الأولي التي يخرج فيها عن أجندة الأقباط لتشمل مطالبه تغييرا شاملا للسلطة. وفي بيان قام بتوزيعه للرد علي مهاجمة مؤتمره شن حربا شرسة علي مصر بدأها بالتشنيع علي الصحافة التي اتهمته بالعمالة ووصفت مؤتمره بأنه مشبوه، وكالت له عشرات الاتهامات، بدءاً من العمالة للغرب والاستقواء بواشنطن ضد بلده مصر، وصولاً إلي وصفه بالموتور والحاقد ومشعل الفتن و"حمال الحطب".
ورغم أن السم الذي يقطر من بيانه يؤكد بعض تلك التهم إلا أنه يقول إنه يراهن علي البسطاء أكثر مما يراهن علي النخبة التي وصفها بأنها "خائنة لقضايا أمتها مقابل ما تحصل عليه من عطايا"!!
ويستشهد أبادير بمظاهرات "كفاية" لينفي اتهامه بالمساس باستقرار مصر. لكنه لا يفوته في هذه النقطة تأييد "توريث الحكم" شريطة أن يقوم "جمال مبارك" بطرد اللصوص المهيمنين علي الحكم في الدولة، والذين أذلوا ملايين المصريين مسلمين وأقباطاً علي حد تعبيره!
وفي تناقض غريب ينتقل أبادير لينتقد رأس الدولة الذي يزعم أنه أصبح "محاصراً" بما يسميه "الأجهزة السيادية" التي تكلف الدولة بلايين الدولارات.. ليستكمل بعد ذلك هجومه الشرس علي مقار الرئاسة التي يسميها "القصور الملكية". ولست في صدد الترويج لآرائه الفجة التي خرجت بقضية الأقباط عن مسارها في إعلان سافر عن طبيعة أهداف لوبي المهجر الذي يتعامل مع النظام وكأنه حكومة منفي! لكني لست من حزب الإنكار، أنا واحدة من الذين ألحوا في كتاباتهم علي تلبية مطالب الأقباط حتي لو كان المناخ السائد ملوثا بالفساد ومترديا بسبب انعدام العدالة وانتهاك حقوق الإنسان. فحقوق المواطنة ليست أغنية موسمية نتغني بها كلما حدثت بوادر فتنة طائفية.. والحديث عن النسيج الواحد للمجتمع ليس مجرد شعار نرفعه في مواجهة الرأي العام العالمي. نحن نواجه مسلسل تسييس الدين بمسكنات فقدت صلاحيتها، وفي الوقت الذي برز اللوبي الشيعي ليرفع صوته وهاجت جماعة الإخوان المسلمين للمطالبة بوجود سياسي مشروع.. لم نسمع صوتا واحدا يتحدث عن إنصاف الأقباط !


نعم إنصاف الأقباط.. فلم يعد ممكنا مداواة الاضطهاد بنفيه. المجتمع الذي يطالب بإصلاح سياسي حقيقي ويموج بحركات سياسية تشعل نيران المظاهرات وتحول المياه الراكدة الي دوامات لا يجوز له أن يبتلع حقوق مواطنيه. وإذا كان أبادير ينأي بالكنيسة المصرية عن مواقفه السياسية ويكتفي بكونها مظلة روحية، ويطالب بمجتمع مدني علماني.. فلا أحد منا يختلف مع هذا المطلب رغم اختلافنا مع أسلوب السعي لتحقيقه. وحتي إذا صدقت اتهامات العمالة الموجهة لأبادير وارتباطه بالأهداف الاستراتيجية الأمريكية والصهيونية ضد مصر مسلمين ومسيحيين ومسيحيين علي السواء.. فلن نسمح بأن يدفع فاتورة اخطائه مسيحيو الداخل في مصر القبطية


يحدث في «كهف ستان»! .. نشرت بتاريخ 6 / 8 / 2005

في جمهورية «كهف ستان» الرفاق نائمون.. لا يبالون كثيرا بما يحدث في قصر الرئاسة، البعيد عن كهفهم. معزولون عن العالم الخارجي بسبب انقطاع التيار الكهربائي.. حتي فقدوا القدرة علي الإبصار. فجأة قرر الحاكم إخراجهم من الظلام. جاءتهم الصورة مشوشة وضبابية، والمشاهد متتابعة لكنها مبهمة. لم يفهم سكان الكهف ما المقصود من تداول السلطة أو تحديد صلاحيات الحاكم. لم يستوعبوا خطورة «قانون الطوارئ» فلم يستجب أي منهم للاستفتاء علي تعديل الدستور. هم منغلقون علي همومهم يكملون عشاءهم نوماً. وبدون سابق إنذار اقتحم سلامهم المزعوم من يبشرهم بمنحة الحاكم للشعب: إنها«الحرية».. بوابة الإصلاح السياسي لدخول عهد الانتخابات الرئاسية. أطلت عليهم وجوه تتجهم وتتحدث بلهجة سياسية عن حق المواطن في «كرسي الحكم»، وألح عليهم رجال الدين للمشاركة في تحديد مصير «كهف ستان» باختيار رئيسهم القادم. صدم الشعب الذي لم يعرف في حياته سوي «ثورة الجياع» حين شاهد «الهجامة» تطارد مظاهرات حركة «بس خلاص». شعروا بالفزع من الفوضي فهم لم يألفوا الخطب العصماء لقادة المعارضة ولم يعتادوا التطاول ولو بالتلميح علي رموز الحكم، فاعتبروا أن ما يحدث مجرد «كابوس» سيستيقظون منه حتما. لكن هناك من رأي فيما يحدث «حلما» في طريقه للتحقق: العقار رقم 117 هو رقم مقر لجنة تلقي طلبات الترشيح لرئاسة الجمهورية. هي إذن علامة لا يخطئها قلب مؤمن دفعت صاحب «الرؤية» لتقديم أوراقه فورا للانتخابات. وفي منام آخر هناك من رأي نفسه يرتدي ثوبا «أبيض في أبيض»: هي إذن بشارة فوزه برئاسة الجمهورية. الأهم من ذلك أن رئيس أحد الأحزاب وزع كتبه القيمة في «تفسير الأحلام» داخل اللجنة بعد سنوات طويلة ناضل خلالها حزبه لفك عقدة الاقتصاد المربوط علي الفقر وجلب الغائب وتزويج العانس بالاستعانة بالأرواح! ثم طرح أحدث أفكاره للمساواة بين الفقراء بتعميم «زي موحد» للقضاء علي التمييز الطبقي بين فئات الشعب!
ولأن الناخبين بينهم من يهتم بـ «الطبق» قبل «الطبقة» رفع أحد مرشحي الرئاسة شعار توفير «الفول» لكل مواطن. وعلي سبيل المزايدة السياسية أضاف مرشح آخر القمح إلي الفول. واعتبر آخر أن الحل في بطن «السمكة». والغريب أن هناك من اقترح زراعة «الصبار»، ثم اكتسحهم مرشح حمل معه كيسا من «الخبز» إلي اللجنة. وبعد «وصلة هذيان» انصرف حفاظا علي سخونة الخبز!. وتنوعت برامج المرشحين بين قوائم الطعام وقائمة الإصلاح السياسي. وفي السياسة حدث ولا حرج، فأحد المرشحين البارزين لم يجد حلا للبطالة سوي فتح الحدود بين «كهف ستان» و«إسراطين»، في حين طالب مرشح آخر بطرد سفراء أمريكا وإسرائيل وإنجلترا ونفيهم إلي كوكب آخر. وهناك من طالب بفصل الشرطة عن وزارة الداخلية ونادي بعدم تحديد النسل باعتباره خطة صهيونية! لكن الأطرف من ذلك المطالبة بتشريع يحاسب رئيس الجمهورية عقب كل ثلاث سنوات علي ما وعد وتعهد به، فإذا لم يف بما قطعه علي نفسه يتم عزله وحبسه.
وعكست أعراض «البارانويا» التي بدت علي بعض المرشحين حالة التعطش للسلطة: أحد المرشحين رفض الإفصاح عن برنامجه الانتخابي إلا أمام كاميرات برنامج «البيت بيت أبونا». والآخر زعيم بالفطرة نجا من تطبيق خمسة أحكام بالإعدام شنقا ورفض الترشيح لجائزة نوبل ثلاث مرات. والثالث يطلب مناظرة علنية مع الرئيس وهو خلف أسوار السجن. أما المناظرة الأخري فيطالب بها مرشح أعلن ترشيحه أيضا من خلف القضبان!
في مصر القانون يحظر تناول سلوك المرشح أو أخلاقه ، أما في «كهف ستان» فهذا الحظر مطعون في دستوريته، وهو ما جعل الشعب يشاهد هناك كوميديا سياسية أبطالها من الواقع. وبعد حملة تأييد لرئيسهم الحالي عادوا إلي الكهف وانقطع التيار الكهربائي.

مارد الإرهاب .. «مصري» ! .. نشرت فى العدد التاسع بتاريخ 30 / 7 / 2005

قبل أي كارثة وطنية يصر بعض المسئولين علي سياسة التضليل وجرنا إلي الطريق الخطأ. وفي كل مرة تتوافر الذرائع المقنعة لحالة "التوهان المنظم"، وهو ما حدث عقب مجزرة "شرم الشيخ".
نحن الآن نتابع مطاردة قوات الأمن المصرية لشبح "بن لادن" ونبحث معها عن بصمات تنظيم "القاعدة" علي حطام السيارات المتناثرة وأشلاء الجثث المتفحمة. والغاية هنا أنبل من الحقيقة لأن الاعتراف بوجود "إرهاب محلي" نشط يعد ضرباً مباشراً للسياحة المستهدفة أصلا بالعمليات الارهابية. أما الدخول في دائرة الإرهاب الدولي ففيه حصانة مؤقتة لاقتصاد منهار أصلا لا ينقصه إرهاب. كما أنه يبرئ ساحة المسئولين عن الأسباب السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تدفع الشباب إلي اعتناق افكار تكفير المجتمع (المسماة بالجهاد) والانخراط في صفوف جماعات العنف الديني.
لابد هنا أن تتمتع بقدر من السذاجة (ولا أقول الغباء) لتتقبل فكرة الخلايا العشوائية التي أطلقت رصاصها علي أتوبيس سياح إسرائيليين في السيدة عائشة دون أن تتوافر لديها قاعدة بيانات لحركة الأفواج السياحية، وألا تجادل في كيفية دخول المفرقعات عبر المنافذ الجمركية رغم وجود أجهزة إشعاعية للكشف عنها في الجمارك، وعليك أن تتابع الصدام الأمني مع جماعات الإرهاب في القري المجاورة لشرم الشيخ باعتباره فيلماً بوليسياً يجسد مطاردة جنودنا البواسل لعناصر خارجية (باكستانية تحديدا نفت أجهزة الأمن تورطها) تسللت إلي أراضينا وفجرت مدينة السلام وحولتها إلي مدينة أشباح، ثم وجدت من يحميها بين قبائل سيناء.. وكأننا دخلنا كهوف أفغانستان نفتش عن رقم هاتف أسامة بن لادن المحمول!
أمامك الآن عدة سيناريوهات لكارثة شرم الشيخ، أسهلها أن تحمل الموساد الإسرائيلي المسئولية خاصة وقد حذرت إسرائيل مواطنيها من التردد علي المدينة قبل التفجيرات، أما السيناريو الذي تروج له الأجهزة الأمنية فليس مفروضا عليك لأنه يعلق ذنوبنا في رقبة مارد تنظيم (قاعدة الجهاد)، وهو سيناريو دعائي خطابه موجه إلي الخارج. السيناريو الأقرب الي المنطق (وهو مفزع) يبدأ من الواقعة التي نشرها الزميل مصطفي بكري في جريدة "الأسبوع" وأكد خلالها أن الجماعات الإرهابية أطلقت نيرانها علي طائرة تابعة لقوات مكافحة الإرهاب - كانت تطارد الإرهابيين في جبال سيناء - وأجبرتها علي الهبوط الاضطراري فتسببت في إصابة 22 جنديا وضابطا! هذه الواقعة تكشف مدي نفوذ تلك الجماعات أولا بين بدو سيناء خاصة بعد حملات الاعتقال والتعذيب التي تعرضوا لها عقب تفجير "هيلتون طابا"، وتوضح القدرات المادية الضخمة التي تمكنها من امتلاك أسلحة متقدمة (هنا يبرز دور التمويل الخارجي)، وتدلل هذه الواقعة علي أن خلايا الإرهاب نشطة ومتشعبة ومتغلغلة في بنية المجتمع سواء خرجت من عباءة "تنظيم الجهاد" أو اعتنقت أفكار "بن لادن" أو ابتكرت عقيدة تكفيرية جديدة مؤسسة علي رفض التطبيع المصري - الإسرائيلي أو مناهضة الاحتلال الأمريكي للعراق أو مواجهة أخطبوط الفساد الذي يطوق البلد. لكن الأدهي من ذلك أنها ليست خلايا عشوائية كما يزعم الأمن، لأنها تملك شبكة معلومات حديثة (معظم التنظيمات الإرهابية مخترقة من أجهزة استخباراتية) وتتمتع بحرية حركة داخل البلاد وترصد أهدافها بدقة وتنفذها بحرفية عالية، وهذا دليل علي تدريب رفيع المستوي. فإذا افترضنا أن التمويل خارجي والقاعدة المعلوماتية مستمدة من أجهزة معادية لمصر والأيديولوجية الفكرية مستوردة.. فإن المتفجرات في النهاية صناعة محلية، وهناك أيد مصرية ملوثة بدماء أبرياء، بل وهناك مجتمع يحتضن هذه الجماعات يفرخ منها أجيالا جديدة كل يوم. وما دمنا نصر علي الإنكار فلا سبيل لاقتلاع الإرهاب من جذوره كما يروجون، وما دامت المواجهة تقتصر علي الأمن ففي غياب العدالة يتحول كل عاطل إلي مشروع إرهابي في انتظار التجنيد.

محلل سياسي! نشرت بالعدد السابع بتاريخ 16 / 7/ 2005

هل تدار السياسة الخارجية وفقا لمصالح كل دولة وثقلها الإقليمي وتوازناتها الدولية أم أن علينا الاعتراف بأننا سلمنا إرادتنا وقرارنا ودخلنا بيت الطاعة الأمريكي؟ هل تحتكم للمواثيق والأعراف الدولية أم لمعيار الأخلاق والفضيلة المختلف عليها؟ هذه الأسئلة أوجهها لرئيس الوزراء الدكتور أحمد نظيف الذي اعتبر استمرار الوجود المصري في العراق "قضية أخلاقية" لن نتنازل عنها!
إن البعض ـ وأنا منهم ـ يري أن إضفاء الشرعية علي الحكومة العراقية الموالية لقوات الاحتلال مسألة غير أخلاقية بالمرة، وقبل أن أنزلق إلي عبارات فضفاضة دعونا نعترف أولاً بأن تلك المسألة تتعارض مع الأمن القومي العربي ككل.. فقد يتحول العراق فيما بعد إلي منصة لقصف إيران وضرب سوريا. كان علي الدكتور نظيف أن يراجع اغتصاب الرجال قبل الإناث ووحشية المارينز التي تجاوزت حد الجنون في سجن "أبو غريب" قبل استخدام "الأخلاق" في تبرير استمرار البعثة الدبلوماسية هناك. هل يعتقد أننا نمر بحالة غيبوبة حالت دون متابعة الصفقة المخجلة التي عقدتها وزيرة الخارجية الأمريكية "كونداليزا رايس" في القاهرة وتنازلت بمقتضاها عن مطالب الإصلاح الأمريكية، مقابل إرسال السفير المصري"إيهاب الشريف" إلي بغداد.
ولن تخيفنا غلظة الوزير أحمد أبو الغيط في مواجهة الكاميرات، حين سئل عن ثمن الدم المصري الذي أراقته أياد تستهين بمقدرات الأمة .. لن نتراجع أمام عصبيته وهو ينهر الصحفيين في عصبية: "كفي هزلاً".. بل علي الحكومة المصرية أن تكف هي عن الهزل واللعب بمصير البلد وشعبه. ولا تحسب أن تكريس الموديل الأمريكي للديمقراطية في العراق ستنأي بالنظام عن رياح التغيير العاتية، فالصديق الأمريكي لم يتحرك خطوة لإنقاذ السفير المصري، رغم اعتراف وزير الدفاع دونالد رامسفيلد بوجود قنوات حوار مع جماعات مسلحة عراقية. وأظن أن تصريحات رامسفيلد باستثناء جماعة "الزرقاوي" من الحوار مجرد محاولة لوصم المقاومة العراقية كلها بتهمة الإرهاب.
ونحن بالتبعية علينا أن نتبني الخلط الأمريكي بين المقاومة المشروعة لقوات الاحتلال والإرهاب الذي يروع الآمنين والمدنيين، ولا نصدق التقرير الصادر عن معهد الدراسات الاستراتيجية الدولية في أمريكا والذي يقول: "إن عملية الدمقرطة التي تبنتها واشنطن في الشرق الأوسط وحربها علي الإرهاب أسهمتا في تحسين الأمن في المنطقة العام الماضي، لكنها في العراق زادت من أنصار
القاعدة". وهذا معناه ببساطة أن "بوش" يتولي الآن مهمة تجييش الشباب في صفوف الجماعات الإرهابية. ورغم أنه يعتبر العراق بمثابة "الجبهة المركزية في الحرب ضد الإرهاب" فإنه يبحث عن طوق نجاة ينتشله هو وجنوده من مستنقع العراق بعد أن تدنت شعبيته وأظهر آخر استطلاع للرأي أن 60% من الأمريكيين يريدون انسحاب القوات من العراق. وزاد من مأزق الإدارة الأمريكي مطالبة 128 من أعضاء الكونجرس لبوش بالإعلان عن خطة للانسحاب من العراق مع نهاية هذا العام. وفي رحلة البحث عن متنفس سياسي عثر "بوش" علي من يقوم بدور "المحلل السياسي" لحكومة "شيعية" تسكن فراش "المتعة" مع الأمريكان.. حكومة ترفض قرار مجلس الأمن الذي ينص علي انتهاء ولاية القوة متعددة الجنسيات مع نهاية العام الحالي بل وتطالب ببقائها بحجة مكافحة الإرهاب. إذن فليذهب كل "شريف" إلي الجحيم طالما كان اغتياله يدعم وجود الاحتلال الأمريكي في العراق، وليحصد الإرهاب أرواح الأبرياء في "لندن" ليجد "توني بلير" ذريعة مقنعة لتبعيته المطلقة لأمريكا. إنه مسلسل "بقاء الأنظمة" وكلنا في الهم "شعب": في الشارع الأمريكي يلوح "بوش" بكارت الإرهاب فيهرع المواطنون إلي صناديق الانتخاب ويختارونه بكل ديمقراطية لولاية ثانية، وحين يهددوننا هنا: "كفي هزلاً" ننسي أنهم فرطوا في هيبة دولة وأهدروا دماء أبنائها باسم "الأخلاق"!.

الأقباط في ذمة الإخوان نشرت فى العدد السادس بتاريخ 9 / 7 / 2005

يبدو أن أوهام الزعامة تسيطر علي «محمد مهدي عاكف» المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة، إذ تصور أنه فور إعلانه الخوف من محاولة اغتياله سيتحول إلي بطل قومي يتحالف معه الجميع رغم تباين الأجندة السياسية! وبهذا التصريح تجاوز عاكف سقف الشائعات التي تتحدث عن وجود انقسامات حادة داخل الجماعة، بدأت بعزل الدكتور عبد المنعم أبوالفتوح ممثل تيار التجديد داخل الجماعة.. وبرر عزوف بعض أحزاب المعارضة والحركات السياسية عن الانضمام إلي «التحالف الوطني من أجل التغيير والإصلاح» الذي تتزعمه الجماعة وانسحاب عدد آخر منه بعد الاجتماع التأسيسي الذي اظهر احتكار الجماعة لعمل التحالف من القمة إلي القاعدة.
ولأن الجماعة واحدة من اصحاب براءة اختراع المناورات السياسية ودائما ما يتعامل مرشدها ـ أيا ما كان اسمه ـ مع الوطن وكأنه «طاولة قمار»، كل الأوراق فوقها مشروعة من منطق «الغاية تبرر الوسيلة»، أصبح سهلاً علي عاكف أن يبدل خطاب الجماعة الثابت لعدة أجيال وفي لحظة ليعترف بوجود المرأة ويضم سيدتين إلي الجماعة (الدكتورة عايدة سيف النصر والدكتورة نجلاء القليوبي)، ويبادر إلي مراجعة برنامج الجماعة لتعديل موقفها من الأقباط لتقر بأن مفهوم «الذمة» الذي يدعو إلي ضرورة دفع الأقباط للجزية هو مفهوم تاريخي لم يعد قائما الآن، وبالتالي تعترف بمفهوم المواطنة الشامل للأقباط. ورغم أن فتوي عبد الله الخطيب عضو مكتب إرشاد الجماعة بمنع بناء الكنائس في مصر وهدم الموجود منها مازالت سارية.. نجح المرشد العام في ضم عدة شخصيات مسيحية إلي تحالفه (كان أولهم الدكتور رفيق حبيب وتبعه الدكتور ميلاد حنا وجمال أسعد)، وهكذا أصبح من السهل تصدير مطالبه إلي الأخوة المسيحيين. وفي انتهازية سياسية فجة أعلن عاكف أنه يؤيد قيام حزب مدني مسيحي بمرجعية دينية علي أمل أن ينوب عنه البابا شنودة في تحقيق أهدافه. فالسماح بقيام حزب مسيحي هو الطريق الوحيد لـتأسيس حزب إسلامي.. لكن ذكاء عاكف لم يرق لفطنة الكنيسة التي لم تبتلع الطعم وأعلنت رفضها إنشاء حزب مسيحي لقناعتها بضرورة الابتعاد عن العمل السياسي.
ولا تجد الجماعة المحظورة تعارضا بين مخططها الأصلي في الاستيلاء علي النقابات المهنية والسعي للبحث عن شرعية لوجودها السياسي. لكن يبدو أن صخب الشارع السياسي أغراها هذه المرة بتصعيد اللعب داخل النقابات. فلأول مرة تضعف الجماعة أمام مقعد نقيب المهندسين (ولا نعرف بعد موقفها من مقعد الحكم)، وبعد أن كان الإخوان قانعين بمقايضة مقعد النقيب بالسيطرة علي مجلس النقابة في معظم النقابات التي احتلتها.. تراجعت الجماعة عن قرار تأييد الدكتور ميلاد حنا في حال خوضه الانتخابات علي منصب نقيب المهندسين، وتراود نفسها الآن لترشيح أحد قياداتها.
ولأن المنهج الثابت للإخوان هو اللعب علي كل الحبال.. لم يترك عاكف موجة واحدة تفلت دون أن يستغلها بدهاء شديد بدءا من مغازلة امريكا بورقة الأقباط رغم أنها رفعت الدعم عنهم.. مرورا بإستقطاب الأقباط بشعار (لهم ما لنا وعليهم ما علينا) وصولا إلي قمة النجاح الذي تمثل في انتزاع اعتراف بشرعية وجودهم بدأ ببضع مقالات تطالب الحكومة بفتح حوار معهم.. ومطالبة القيادي الوفدي الدكتور محمد علوان للحكومة باعتراف فوري بوجودهم! إضافة إلي تعاطف معظم الحركات السياسية والمدافعين عن الحريات مع معتقليهم. كل هذه المكاسب قطعا لن تشبع نهم الإخوان للسلطة التي بدأوها من القاعدة وأصبحت الآن قمتها متاحة، ولا أدري هل هناك فيروس غباء منتشر في الشارع السياسي جعل البعض يصدق كلام عاكف عن الحرية والديمقراطية.. أم أن مشروع الإصلاح أسقط من ذاكرة عتاة اليساريين والليبراليين التاريخ الأسود للإخوان المسلمين؟ أعتقد أن التيارات السياسية في المقابل تلعب علي حبال التغيير وتستخدم كارت الإخوان للضغط علي النظام. ولأن هذه التيارات تمثل أحزابا بلا قاعدة جماهيرية بينما الإخوان جماهير منظمة تبحث عن حزب تشكلت صورة ما من التكامل المرحلي.. وبالتالي فالأمر لن يتجاوز خطوات تكتيكية إلي تحالفات استراتيجية

كوندي.. والأربعون كلبا نشر فى العدد الرابع بتاريخ 25 / 6 / 2005

في مستهل زيارة "كونداليزا رايس"وزيرة الخارجية الأمريكية للشرق الأوسط.. طالعتنا الصحف اليومية بخبر عجيب : "يرافق كونداليزاخلال جولتها في المنطقة عدد من المعاونين وعدد من رجال الأمن والمارينز.. و40 كلبا بوليسيا!"، وبدا الخبر غريبا وسط صخب الحديث عن الأجندة التي تحملها كوندي ومدي تقبل الأنظمة العربية للإملاءات الأمريكية حول عملية الإصلاح السياسي. ولأن الزيارة جادة ولا تحتمل روح الدعابة كان لابد من النظر إلي الأربعين كلبا بعين المراقب السياسي الذي لا يتمتع بحب الفكاهة، فتقول مثلا: ربما جاءت بهم لإعلان رفضها التعامل مع الإخوان المسلمين الذين يفرون من الكلاب حرصا علي وضوئهم. أو تقول أن كوندي تخشي التحرش الجنسي في القاهرة بعد أن أصبحت شهرتنا عالمية في إنتهاك أعراض المطالبات بالإصلاح (بالمناسبة لي صديق يعتبر أن سيقان كوندي نموذج للجمال!). أو قد تكون لكوندي مع الكلاب "علاقة حميمة" تشعرها بالأمان في منطقة مفخخة بالبدو والإرهابيين! وهي في النهاية إمرأة (آه والله) ودليلي علي ذلك.. الإحساس بالقهر الذي بدا في حديثها عن إنتهاء عصر الرق والعبودية (سواد بشرتها هو هويتها الأصلية). وهي في الحقيقة رقيقة جدا ومجاملة: ألم تثني علي الإفطار المصري والقهوة العربية في السعودية وإصلاح نظام التعليم في الأردن؟
حتي في حديثها عن الإصلاح السياسي كانت ودودة للغاية وهي تقول أن الوصول إلي ديموقراطية حقيقية في أمريكا إستغرق مائة عام.. لكن حذار ألا تقطع حبل المودة، فهي تحذر من أن الولايات المتحدة سعت علي مدي ستين عاما إلي تحقيق "الاستقرار" في المنطقة علي حساب "الديمقراطية" لكنها ستتبني الآن نهجا يدعم "التطلعات الديمقراطية لكل الشعوب".
كوندي التي شددت في القاهرة علي ضرورة إجراء إنتخابات رئاسية وبرلمانية حرة ونزيهة بوجود مراقبين دوليين يتمتعون بحرية الحركة، وإنتقدت بشدة قانون الطوارئ وما أسمته بالتعسف في تطبيق العدالة والعنف ضد المتظاهرين.. كانت تحدث الإدارة المصرية علي طريقة: "غزة أولا.. والإصلاح فيما بعد" فكانت إنتقاداتها لا تخلو من لهجة التهديد. لكن يبدو أن مقايضة الدور الأمني الذي تلعبه مصر بين إسرائيل وفلسطين بإرجاء مطالب الإصلاح الملحة.. مقايضة مرضية للبيت الأبيض. ولأنها لم تجد من يردها في القاهرة ولا من يرفض التدخل
السافر في شئوننا الداخلية.. واصلت تهديداتها علي طريقة خذ العظة من جارتك سوريا التي لم تستوعب الدرس.. ومماسمته كوندي الوحشية المنظمة للنظام الإيراني. ربما كانت كوندي بحاجة إلي فنجان قهوة مر مثل الذي تذوقته في المؤتمر الصحفي الذي جمعها بالأمير "سعود الفيصل"وزير الخارجية السعودي. الأمير "سعود" واجه الانتقادات الأمريكية لموقف السعودية من الإصلاح بشجاعة يحسد عليها: إعترف بوجود خلاف حقيقي بين واشنطن والرياض حول تلك القضية، وأكد أن "التقييم المهم لأي بلد في تطور إصلاحه السياسي هو حكم شعبه"، ودافع بثقة عن وجود معتقلين طالبوا بقيام ملكية دستورية (رغم إختلافنا معه).. وأوحي بأن سقف الإصلاح السياسي المتاح في السعودية ربما لن يتجاوز وجود مجلس شوري معين ومجالس بلدية منتخبة!.

وفي المؤتمر الصحفي نفسه وجدت كوندي نفسها في مواجهة عينين تطلان في تحد من خلف النقاب لتسألا داعية الإصلاح عن التعذيب في سجن "أبو غريب". فعلتها إذن إمرأة سعودية بين الحضور، خرجت من الحرملك لتطوق كوندي بالحرج وتضعها في خانة الدفاع بدلا من ساحة الهجوم التي عربدت فيها بالطول والعرض تلقننا درس: "النظام العالمي الجديد تهذيب وإصلاح". وحين بدا وجه كوندي محتقنا وهي تبرر إنتهاك حقوق الإنسان في "أبو غريب" وتصف المعتقلين بأنهم إرهابيون تذكرت علي الفور كلابها. لا أقصد بالقطع الكلاب البوليسية.. .. بل من يتصرفون كالكلاب ويلعقون الحذاء الأمريكي ويتسولون موعدا مع الفاتنة كوندي. حدث هذا في السعودية.. أما في القاهرة فلم تقابل كوندي من يستوقفها حين تحدثت عن الإستعمار ليسألها: متي يرحلون عن العراق؟.

الثلاثاء، 25 نوفمبر 2008

جمهورية الموز! العدد الثالث المنشور فى 18 / 6 / 2005


لا أدري لماذا برز تعبير «ترزية القوانين» الآن ليحتل مانشيتات الصحف في محاولة لتفصيل مواد قانون انتخابات الرئاسة علي مقاس شخص محدد في إشارة واضحة إلي«جمال مبارك» نجل رئيس الجمهورية ،وذلك رغم نفي الرئيس عدة مرات مبدأ توريث الحكم وتأكيده علي استمرار مصر كجمهورية برلمانية لا تخضح لطقوس الخلافة الملكية.
وحتي لا نذهب بعيدا دعونا نتذكر ما الذي فعله «حزب البعث» في سوريا ليرث الأسد الصغير عرش والده «حافظ الأسد». لقد تم تغيير الدستور بين عشية وضحاها لأن الرئيس «بشار الأسد» لم يكن قد وصل للسن المنصوص عليه في الدستور لرئاسة البلاد. وقطعا الحزب الوطني ليس في سطوة حزب البعث ولا أجهزته الحديدية المسيطرة علي سوريا، ولا يملك قادة الحزب الوطني نفس «الولاء القبلي» الذي حكم توجهات البعثيين. ورغم ذلك إذا كان في نية «جمال مبارك» الترشيح للرئاسة فلن يحول دونها ترسانة قوانين ولا مظاهرات المعارضة والحركات السياسية. فلا داعي لتأويل مواد القانون بأكثر من معني.. ولا تحميلها بأكثر من أهدافها.
المشكلة ليست في الطموح السياسي لنجل الرئيس ولا إمكانية تحقيقه.. المشكلة الحقيقية فيمن يصرون علي تشويه الواقع ومصادرة المستقبل وبتر خطوات الإصلاح السياسي، وفي نفس الوقت يمدون نيران الغضب المشتعل في الشارع بوقود «توريث السلطة» وكأنهم يقدمون الذرائع للمزايدة علي النظام والتكتل في مواجهته!
ولأن «ترزية القوانين» يتمتعون ـ للأسف ـ بالحصانة فلا مجال للحديث عن مستوي الذكاء والحنكة السياسية، فقط نقول إنهم تطوعوا بالإسراف في التنازلات بعد أن فوضهم الشعب للتعبير عن إرادته في المجالس التشريعية.. وإنهم كادوا أن يفرطوا في ثوابت وبديهيات يفترض توافرها في أي شخصية تتعاطي الشأن العام فما بالنا بمنصب رئيس الجمهورية.
الدليل العملي علي ما أقول هو اعتراض د.«نبيل لوقا بباوي» في مناقشات مجلس الشوري علي المادة 34 التي تنص علي غرس الناخب إصبعه في حبر غير قابل للإزالة قبل أربع وعشرين ساعة وذلك لضمان عدم إدلاء الناخب بصوته في أكثر من لجنة.. وكان اعتراض النائب لأسباب موضوعية: «إذا كان الدين الإسلامي وهو أساس التشريع يدعو إلي النظافة فكيف يترك الناخب إصبعه متسخا؟»، سيادة النائب يري أن النظافة أهم من النزاهة.. ويشهر سيف الإسلام في وجوهنا.. وجهة نظر!
إذا كان د. نبيل يمثل نموذجا فج في مؤازرة الحكومة التي أرادت تمرير القانون دون شرط تأدية الخدمة العسكرية لمرشح الرئاسة وعدم ازدواج جنسية المرشح، إلا أن تصدي المعارضة لهذا التفريط الرسمي في شروط مرشح الرئاسة لا يدعو للتفاؤل فحسب بل يؤكد أن علي المعارضة أن تعمل في قنواتها الشرعية (الملعب الأصلي) خاصة وأن موقفها الأخير حظي بغطاء صحفي شفاف لا يسمح بفوضي تشريعية.
لقد اعتدنا من نواب المجلس الموقر الموافقة مقدما وبالإجماع علي مشروعات القوانين بالصورة التي يتبناها الحزب الحاكم. وليس غريبا ولا جديدا ما يأتي به نواب الشعب الذين يرفعون شعار: «انصر الحكومة ظالمة أو مظلومة» فهم أنفسهم من أخرجوا القانون 93 لعام 95 الذي يجيز حبس الصحفيين ليخرسونا.. فهذه هي الشفافية التي يعرفونها وهم ـ أيضا ـ من عدلوه بالقانون 96 الذي نناضل الآن من أجل تغييره.
إذن القوانين قابلة للتغيير خاصة ونحن في مرحلة تجاوز القوانين إلي تعديل الدستور نفسه، لكن الخلاف علي مواد القانون كشف من ينتمون للنظام ويخدمونه (علي طريقة الدب الذي قتل صاحبه) وذلك بضرب مصداقية النظام والإطاحة ببوادر الإصلاح التي تطرح من أعلي.. وهؤلاء هم مشكلة النظام الحقيقية.
لقد برز من بين النواب من يقول إن المرشح لرئاسة مصر لا يجوز له أن يتلقي دعما ماديا من الخارج لأن مصر ليست «جمهورية الموز»، لكنهم في الحقيقة أرادوها كذلك لأنهم يحسبون الإصلاح بميزان المصالح.. ومصالحهم هي مصدر التوتر الحقيقي.. والمحرك الأساسي لصراعات شلت حركة التغيير.. ويبدو أن التغيير لن يحدث قبل تصفية «فريق الدببة» واختفائه من الساحة السياسية