الجمعة، 3 أبريل 2009

إنهيار التابو النووى – نشر بتاريخ 24 / 2 / 2006

حين تاهت الإدارة الأمريكية في كهوف أفغانستان بحثا عن «أسامة بن لادن» لم تجد سوي التمويه علي إخفاقها في تصفية تنظيم القاعدة بشن حرب جديدة علي العراق. حرب تجعل الأمريكيين يلتفون من جديد حول رئيسهم وحزبه الجمهوري تحت شعار «الأزمة»،أو بدافع الخوف الهستيري من«الإرهاب» الذي تحول إلي مبرر لـ «احتلال العالم».

في كل مرة يقع «بوش» بحماقته المعهودة في مأزق يبحث عن حرب جديدة تنتشله من السقوط المدوي في استفتاءات الرأي العام علي شعبيته !. وفي كل مرة يتوفر لديه «مارد» يتهدد الأمن القومي أو «شيطان» يقتحم ثوابت ما يدعي الحضارة الأمريكية. هناك دائما «دولة إسلامية» جاهزة للمقامرة بشعبها وأرضها ليعود الرئيس الأمريكي بطلا متوجا علي قلوب الشعب الأمريكي التي ترتعد خوفا علي جنودها المشردين وأمنها المخترق بفصائل إسلامية لا تعرف من قانون الحياة إلا «الإستشهاد».

لكن قانون الجهاد الإسلامي ضد الإدارة الأمريكية تغير الآن، حطمت إيران «تابو» السلاح النووي، وانتزعت عضوية النادي النووي (بالتصريحات فقط حتي الآن) حين أعلنت نجاحها في تخصيب اليورانيوم، فتحول الرعب الأمريكي من امتلاك إيران للتكنولوجيا النووية إلي طوق نجاة ينقذ رقبة «بوش» من الغرق في نفط العراق .

وبعد أن كانت استطلاعات الرأي حول الهزيمة الأمريكية -غير المعلنة- في الحرب علي العراق تشير إلي هبوط شعبية «بوش» إلي الثلث، أظهرت استطلاعت الرأي الأخيرة أن حوالي نصف الأمريكيين يؤيدون شن حرب جديدة علي إيران !.

نحن -إذن - في انتظار مغامرة جديدة للإدارة الأمريكية، مغامرة لن توقفها نداءات إخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل ولا توقيع «العقوبات» علي إيران. ولأن المغامرة تسعي لحماية الحليف الصهيوني «المدلل» فسوف تستقطب أكثر من لوبي سواء من اليهود أو من الصهيونية المسيحية المتغلغلة في اقتصاد أمريكا وأوربا، علاوة علي الجماهير المرعوبة من امتلاك دولة إسلامية للقوة النووية.

إنه بلا شك الاستعراض الأمريكي الأكثر «إثارة»، والذي سيتجاوز الأسلحة المغلفة باليورانيوم المنضب التي تم تجريبها في العراق وفلسطين والكويت أيضا ليصل إلي استخدام قنابل نووية تجبر إيران علي الاستسلام الفوري، وتثبت جدارة القوي العظمي في العالم علي قيادة النادي النووي. المشهد القادم مختلف تماما عن مستنقع فيتنام وتدمير أفغانستان واحتلال العراق، إنه مشهد أقرب ما يكون إلي أفلام «الخيال العلمي» التي أبدعت هوليوود في إنتاجها، لاستعراض القدرة علي محو منطقة جغرافية من الخريطة بتفجير نووي محدود.

وحتي لا يتحول الحديث إلي مجرد نبوءة تعتمد علي الخيال السينمائي أعود إلي الآراء التي تبنتها جريدة «برافدا» الروسية والتي أكدت في تحليلها السياسي أن هجوم واشنطن علي المدنيين بقنابل نووية هو سبيلها الوحيد للإطاحة بالنظام الإيراني، وأن أمريكا التي لم تخرق التابو النووي خلال 60 عاما ستقدم علي تلك الخطوة رغم الاستياء العالمي المتوقع، وأنها ستتمكن من تدارك الموقف بحملة إعلامية موسعة تمتص غضب المجتمع الدولي. وساعتها لن يجرؤ أحد علي الوقوف في وجه أمريكا التي ستكون قد كسرت التابو النووي بالفعل وفرضت سيطرتها علي الشرق الأوسط وخاصة علي 2 من أهم مصادر النفط به: إيران والعراق.

السيناريو القادم أشبه بكابوس يناقض تماما شعبية الرئيس الإيراني «محمود أحمدي نجاد» التي ارتفعت بإعلانه نجاح بلاده في تخصيب اليورانيوم وتحديه للبلطجة الأمريكية . ورغم ان تلك الشعبية أعادت بعضا من كرامة المسلمين السليبة إلا أنها لا ترتبط بالواقع السياسي الذي يؤكد خسارة الجانب الإيراني في تلك المواجهة.

إن كان «نجاد» قد نجح في إبقاء قنوات الحوار مفتوحة مع كل الأطراف أو كان لا يخشي حصارا بالعقوبات إلا أنه لا يتوقع -مثلا- ضربة سريعة لمشروعه النووي كالتي تعرض لها المفاعل النووي العراقي في الثمانينيات. وإذا كانت حكومته تسعي لطمئنة دول الخليج تجاه مشروعها النووي وتؤكد أنه لا يستهدف إلا «الأعداء» علي أكثر تقدير، فربما لم ينتبه «الطاووس الإيراني» إلي أن العراق قصفت من أراض عربية وأن معظم دول الخليج قد تحولت إلي قواعد عسكرية للإدارة الأمريكية.

للأسف المشروع النووي الإيراني -حتي الآن- لا يصلح إلا لدغدغة مشاعر جماهير الأمة الإسلامية المحبطة، لكنه محاصر بخوف السنة من تزايد النفوذ الشيعي المدعوم بقوة نووية، وهو أيضا مشروع مجهض بالتربص الأمريكي له.

إن فكرة وجود دولة إسلامية تتبني مشروعا إصلاحيا وتقبل بتداول السلطة وتسعي إلي إحداث «توازن قوي» في الشرق الأوسط هو «المشروع الحلم».. والأحلام لا وجود لها في صراع مصالح يدهس دولا بأكملها في مخطط السيطرة علي مقدرات الشرق الأوسط وثروته النفطية..الأحلام لا وجود لها علي أرض واقع سياسي ملتهب بالحروب، واستنفار أمريكي لكسر التابو النووي، ووجود «إسرائيل» في قلب المنطقة. نحن الآن في انتظار إما تراجع مخز لإيران أو استعراض للقوي الأمريكية لم يرق الخيال السينمائي لتصوره.

لكم أن تزهوا جميعا بعنترية التصريحات الإيرانية وجيشه المهول،لكن تمهلوا قليلا حتي يكتمل المشهد.

 

 

 

بل .. الكفن له جيوب !!- نشر بتاريخ 3 / 4 / 2006

صديقي الكاتب الصحفي "محمود الكرودسي" يهوي الكآبة، خمسة عشر عاما من الصداقة الوطيدة لم يتنازل خلالها عن "الاكتئاب"، حتي ظننته قرر أن يحترفه. ولأنني أقف علي الطرف النقيض تماما: أسخر من آلامي وأفلسف إحباطات جيلي وأحول الحزن إلي طاقة تحفزني علي الاستمرار، كنت أحاول تلقينه نظرية "صنع البهجة".

الحوار بيننا بدأ من حرب الشتائم الجارحة بين الصحفيين، والتي تناقض المطالبة بإلغاء عقوبة "الحبس"، قلت له أليس غريبا أن "جمال فهمي" حبس علي يد الكاتب "ثروت أباظة"، وأن حكما صدر بالحبس ضد الزميل "مصطفي بكري" لصالح صحفي أيضا. تعجبنا من سلوكيات أبناء المهنة التي نراها "مقدسة"، لكن الأعجب من ذلك كان الحديث عن ثروة "إبراهيم نافع" رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام السابق ، والثروات التي تتجمع في يد بعض الصحفيين الآن إما كـ "ثمن" مباشر لمواقفهم السياسية أو لعرض جزء من تاريخهم للبيع أو بشكل شريف جدا مما يسمي بيزنس الإصدارات الصحفية.

كان محمود كعادته مستغربا: ماذا يفعل شخص مثل "إبراهيم نافع" بثروة تتجاوز المليارين. قلت له: أنت لا تعرف كم هي مكلفة حياة "الأثرياء" خاصة إذا كانوا من أصحاب المناصب الرفيعة، كانت حجته أن "الصحفيين" يعملون بنفس المهنة ونحن علي مسافة مادية منهم أبعد من المسافة بين "باريس" و"بولاق الدكرور"!.

قطعا لم يجرب صديقي دفع مصاريف "الإنجلش سكول" بالجنيه الإسترليني، ولم يدخل بناته الجامعة الأمريكية، لم يقتن يوما "طائرة خاصة" مثل رجال الأعمال ليعرف كم تتكلف صيانتها وأرضية وقوفها فقط بالمطار.. حياة الأثرياء متعبة ومكلفة، هكذا حاولت التخفيف عنه من هول المبالغ التي نسمعها.

أنت -ياصديقي- إذا أصبت بآلام الديسك -لاقدر الله- باعتباره من أمراض المهنة تكتفي بـ "قربة ساخنة" ولا تضطر للذهاب إلي "كارلو فيفاري" لتتلقي أحدث وسائل العلاج الطبيعي. ثم أنك اعتدت العمل حتي لو كنت تحتضر أما هؤلاء فتنتظرهم مهام قومية عليا، وشخصيات من بينها رؤساء دول وملوك. الصحف تصدر بدوننا مع تنبيه لا يلفت نظر أحدنا وعادة نقبل "الخصم" من رواتبنا دون أي تذمر، بينما هؤلاء قد تتوقف المسيرة السياسية بدونهم!.

ولأننا "صعاليك" إذا أنعمت علينا الدنيا برحلة إلي عاصمة النور في مؤتمر أو مهرجان سنحسب بدل السفر بالـ "سحتوت"، فيما يضطر "الأثرياء" إلي الابتعاد عن "الحي اللاتيني" هربا من فضول العرب إلي الفنادق السبعة نجوم، وقطعا لن يتنازل أحدهم عن "جناح ملكي" يليق بحجم خدماته للوطن.

إننا جميعا أشبه بركاب مسافرين علي نفس الطائرة، لكن أمثالنا من ركاب "الدرجة الاقتصادية" يجلسون القرفصاء ويتناول وجبات باردة (أحيانا تأتي فاسدة)، بينما ركاب "الفرست كلاس" يفردون أرجلهم في وجوه العالم ويسترخون تماما وهم يتذوقون (الكافيار والسيمون فيميه) في امتعاض من مل مذاق الأطعمة الفاخرة!.

هل يعلم أحدكم كم تبلغ مصاريف "العزبة" أو قصور الساحل الشمالي ليدرك أن أموال الأثرياء "المساكين" مهدرة علي صيانة قصور أسبانيا ونيس "المهجورة" انتظارا لليلة عابرة؟

هل جربت أن ترمي منحة ملكية (ساعة ألماس مثلا) لأن عليها شعار المملكة وتشتري أخري أثمن وأفخم لتدلل علي ترفعك واستغنائك؟، أو أجبرت أن تكون كل ملابسك "سينيه" حتي لا تفاجأ بأحد مرؤسيك يرتدي نفس الحلة؟.

مسكين "إبراهيم نافع" وأمثاله، إن الأثرياء في محنة حقيقية لأننا نحاصرهم خلال تجولهم بأرض المعمورة، ننظر في أطباقهم ونلعن إلغاء الدعم، ونستغرب من موضات الملابس التي تجعلهم غرباء بيننا فيما نترحم علي الكستور الصيني، ثم نكتب عن ثرواتهم بجهل شديد لأننا لا نعلم قدر معاناتهم من عبء الثروة!.

العيب ليس في الثروة، لأن "المال" جاء قبل "البنون" في القرآن الكريم. العيب في "الفقراء" الذين لم يتذوقوا "زينة الحياة الدنيا" وينتظرون عذاب "المترفين".

لا داعي للفزلكة والحديث عن حسن استغلال الثروة ورأس المال الوطني والدور الاجتماعي للأثرياء، ولا حتي عن حق البلد وفقرائه. العيب ليس في مزاد الكلمة وبيعها لمن يدفع أكثر، ربما كان العيب في التعساء-مثلنا- ممن يجهلون فن التسويق وموهبة بيع المواقف، الذين يخفون فقرهم خلف المبادئ.

أعلن صديقي شعار الاستغناء: (الكفن مالوش جيوب). فقلت له: هذا "قلة الحيلة"، يبدو أننا أصبحنا مثل "قاسم السماوي" لا هم لنا إلا إطلاق اللعنات: (جتنا نيلة في حظنا الهباب).

 

بغداد لا تحزنى – 27 – 3 – 2006

ثلاث سنوات مرت علي احتلال العراق، ثلاث سنوات فقد خلالها الدم العربي حمرته وسخونته، واكتست وجوهنا بملامح التبلد ونحن نتابع مقدساتنا الإسلامية تستباح، وأعراضنا تنتهك، فيما نكتفي ببعض جمل سخيفة عن حقوق الإنسان واتفاقيات حماية الشعوب المحتلة!!.

تحول «الاحتلال» إلي واقع تكيفنا معه، وسقطت مرارته بالألفة والعادة، وأصبحت كرامتنا الذبيحة في سجن «أبوغريب» إلي «ماضي» يذكرنا بحضارة العراق وتراثها المنهوب. تحولت المقاومة المشروعة للمحتل إلي «فرق موت» وكتائب إرهاب ندينها ونتهمها بإثارة الفتن العرقية والمذهبية. ولعل هذا هو النجاح الأول لـ«جورج بوش» من غزوه للعراق.. لقد انكسرت الأمة العربية تماما يوم سقوط بغداد.

لا تصدقوا ما نتشبث به من أشلاء للقومية العربية، لا تنتظروا من القمة العربية جديدا إنها مجرد «مكلمة»، ولا تعلقوا الآمال علي الجامعة العربية فقد تحولت إلي «ضريح» لما كان يسمي الأمة العربية.

انتظروا تضييق الخناق أكثر فأكثر علي قائد الحرب الصليبية «بوش» وشريكه مبعوث العناية الإلهية «بلير» سواء من شعوبهم التي تجيد محاسبة صناع القرار أو من العالم الذي يغلي بـ«إرهاب» مضاد للبلطجة الأمريكية.

آن الأوان لكي يدفع بوش ثمن أخطائه وأخطاء إدارته ومهما تملكه «الكبر» فسوف يأتي يوما يعلن فيه جهله بالمنطقة العربية التي أراد لها «الديمقراطية» علي جثث رجاله وشعوبها. لن يكون الثمن -هذه المرة- حربا أهلية تجتاح العراق لتعفيه من إعلان فشله وسحب قواته بأمان، فعناصر الفتنة العرقية والدينية التي يحاول إشعالها وضعته في مأزق الفشل المستمر في تشكيل حكومة وحدة وطنية تعزز الأفكار التي يضلل بها الرأي العام الأمريكي حول تكريس الحرية والديمقراطية في العراق.

إن كل الأفكار التي حاول بها تجميل حملته الصليبية من أجل «النفط» تتهاوي فكرة تلو الأخري : فلا الحديث باسم "الرب" أصبح مقبولا في عالم يحتدم فيه صراع الأديان، ولا الحديث عن «الديمقراطية» يرضي المتضررين من إعصار «كاترينا» الذين يسألون الكونجرس عن الدعم المخصص لهم بعد أن ذهب علي البوارج الحربية إلي العراق، ولا أهالي قتلي قوات التحالف سيصمدون طويلا مع أنباء سقوط الضحايا من الجانبين وصور النعوش الطائرة لمختلف أرجاء الدنيا.

الحقيقة أن الوجود الأمريكي الساحق في العراق وحملاتها الحربية المتكررة علي المدن العراقية بزعم مطاردة عناصر إرهابية، كل هذا لم يمكنها من السيطرة علي الأوضاع الأمنية في العراق، حتي أن بعض المحللين يري أن قوات الأمن العراقية نفسها تحولت إلي «هياكل» تحمي عناصر المقاومة.

ورغم ذلك مازال بوش يرفض تحديد جدول زمني لانسحاب القوات الأمريكية من الأراضي العراقية، بل ويحذر من عواقب انسحاب «سابق لأوانه». ويشير إلي احتمال بقاء القوات الأمريكية في العراق إلي ما بعد نهاية ولايته في 2009!!.

وهذا دليل جديد علي «حماقته» التي دأبت الكتابات الأمريكية علي ذكرها، وكأنه بذلك التصريح يبشرنا بمزيد من المذابح البشرية، و يرشح «دجلة والفرات» لاستقبال نزيف الدم من الجانبين.

قد يأتي يوم يحاسب فيه الشعب الأمريكي حاكمه علي هوسه بالحرب الذي ورطهم جميعا في «فيتنام» جديدة، وقد يكون الشعب الأمريكي قد انتبه إلي فاتورة الحرب الباهظة سواء من أرواح شبابها أو من عجز في الميزانية وصل إلي 250 مليار دولار، أضف إلي ذلك سقوط أسطورة «حقوق الإنسان» التي تأسس عليها مفهوم الحرية الأمريكية.

الشعب الأمريكي الآن «مرعوب» يستسلم لقوانين تسلبه حريته بدعوي الدفاع عنه، ويلتزم بتحذيرات تحرمه حرية التنقل بين العالم، وكل ذلك من جراء سياسات إدارة بوش التي استعدت العالم كله ضدهم.

قطعا الشعب الأمريكي منتبه إلي المصيدة العراقية، يتظاهر في ذكري غزو العراق ربما يستفيق حكامه ويفلتون منها.. لكننا مغيبون تماما: «الاحتلال فتت العراق طيلة ثلاث سنوات ونحن صامتون..قوات الاحتلال الإسرائيلي تجتاح مناطق الحكم الذاتي فيما نكتفي بـ«شجب»، احتمالات الاحتلال تهدد «دارفور» نتواري خلف بيان "تنديد".

فلماذا لا نجعل شعار القمة العربية:«شجبتم.. وأدنتم.. فنمتم ياعرب»؟.

ضريبة المهنة – نشر بتاريخ 27 /2 / 2006

طبقا لتصريحات "أنس الفقي" وزير الإعلام: "وعد الرئيس مبارك بإلغاء عقوبة حبس الصحفيين قائم "(!!). إذن من الذي عطل تنفيذه لعامين ؟. من الذي حذفه من أجندة المشرع المصري، وعطل عرضه علي مجلس الشعب رغم إلحاح الزملاء من الصحفيين الأعضاء في المجلس الموقر؟. تجميد الوعد الرئاسي لغز يضاف لألغاز عديدة في الساحة السياسية المرتبكة:" كيف نصدق أن هناك إصلاحاً سياسياً تتبناه الدولة في الوقت الذي يقف فيه أصحاب الرأي خلف القضبان ؟.. كيف نساهم في عملية الحراك السياسي - كما تطالبنا القيادة السياسية- وأيادينا مكبلة بالقوانين سالبة للحريات ؟.. هل صحيح أن هناك "نية" لتعديل الدستور في ظل وجود قوانين معيبة تنسف أي حديث عن الديموقراطية ؟.. من المستفيد من مصادرة حرية الصحافة غير أباطرة الفساد الذين توغلوا في دهاليز الحكم؟ ".

هذه التساؤلات كانت تسرقني من النظر في عيني الزميل "عبد الناصر الزهيري" خلال مؤتمر التضامن معه والذي عقد بجريدة "المصري اليوم"، عقب الحكم بحبسه سنة في قضية السب والقذف التي أقامها الدكتور إبراهيم سليمان وزير الإسكان السابق، وهي نفس القضية التي حكم فيها بتغريم الزميلين "علاء الغطريفي" و"يوسف العومي" بدفع تعويض مؤقت قدره 100001 جنيه (!!).

كان حديث أعضاء مجلس نقابة الصحفيين ورئيس تحرير المصري اليوم "مجدي الجلاد" يشعرك أن براءة عبد الناصر مضمونة، لكنني كنت أشعر أننا جميعا ندافع عن حريتنا من خلف "القضبان"، وأن شبح الحبس يخيم علي المكان، كنت ألمح في عيني عبد الناصر الإحساس بـ "عدم الجدوي"، أحسست أننا في حفل تأبين "صاحبة الجلالة"، وتملكني يأس شديد من عملية التغيير المزعوم في بلد يسير في الاتجاه المعاكس لرأس الدولة !، وهذا لغز جديد لا أفهمه.

جاء توقيت الحكم بحبس عبد الناصر ليضع الدولة في حرج سياسي بالغ، ويطيح بمصداقية "الخطوة اليتيمة" التي خطوناها في اتجاه الإصلاح بتغيير المادة 76 من الدستور. وكأن هناك من يتعمد إجهاض عملية الإصلاح بالاستبداد التشريعي.

السؤال المحير:"هل نحن لا نفهم "الليبرالية".. أم أنهم اخترعوا مفاهيم جديدة لها؟".. أليست حرية الرأي وإطلاق إصدار الصحف وتأسيس الأحزاب في مقدمة العملية الديموقراطية ؟، لماذا إذن يتفنن ترزية القوانين في إسقاط حصانة الصحافة، ومحاصرة الرأي بالعقوبات المغلظة ؟.

أليس "الوعد الرئاسي" في حكم "القرار الجمهوري" ؟.. إن المتابع لتوجهات رئيس الجمهورية سيجد أنه وعد الصحفيين قبل عامين برفع عقوبة الحبس في قضايا النشر (!!)، ووضع حرية التعبير في أولويات برنامجه الانتخابي، ثم عاد وشدد علي أهميتها في خطابه في عيد المعلم. واعتبرت جماعة الصحفيين "الوعد الرئاسي" أحد مفردات الإصلاح السياسي الذي ننشده ونلح في طلبه، وأن المبادرات الشخصية من الرئيس مبارك تعكس الوعي الوطني بضرورات المرحلة وتضع "الحرية" مقابل "الالتزام". وانتظرنا عامين.. ومازلنا ننتظر دون أن نفقد ثقتنا في حكمة القيادة السياسية.

ولأننا ننتظر -أيضا- قرارا من النائب العام بوقف تنفيذ الحكم الصادر ضد الزميل عبد الناصر، وهو القرار الذي قد يصدر أثناء مثول الجريدة للطبع، فلن يكون هذا القرار نهاية لنضال الصحفيين ضد قوانين قصف الأقلام.. وأيضا لن ترهبهم عقوبة الحبس فترتعش الأقلام عند مواجهة الفساد. صحيح أن "العدالة عمياء" كما نفخر بها دائما فلم تنظر المحكمة إلي الرقم القياسي للفاسدين من رجال إبراهيم سليمان، ولم يسأل أحد عن دور الصحافة في تسليمهم ليد العدالة !!. لم يربط أحد بين قضايا الفساد في عهد وزير الإسكان السابق وعدائه المستحكم للصحافة.. وهي العلاقة التي تحدد من المستفيد من مصادرة حرية الصحافة.

الصحفيون (ليس علي رأسهم ريشة)، لكنهم يطالبون بحرية تمكنهم من ممارسة دورهم كـ "سلطة رابعة" إذا كانت الدولة تعتبرهم كذلك. يطالبون بتنقية القوانين المعيبة ليبدأ اصلاح سياسي حقيقي يعد بمستقبل أكثر عدلا. يطالبون بحرية تدفق المعلومات وشفافية أكثر لمكاشفة الرأي العام. الصحفيون لم يطالبوا "الدولة" بحمايتهم من حيتان الفساد.. لكن المثير للسخرية أن الدولة تتعمد إسقاط حصانتهم وتتركهم عزلاً يتلقون ضربات القانون والبلطجة.. والنوم علي (البرش)!!.

من بين جماعة الصحفيين من تحمل قسوة الضرب في الشارع ومهانة التعري، ومن بينهم من "اختفي" في ظروف غامضة، ومن دفع ضريبة المهنة أياما قاسية من عمره خلف القضبان،وبينهم أيضا سيدات انتهكت آدميتهن بالتحرش!. لكننا مازلنا صامدين.

ربما لا نشكل جماعة ضغط (لوبي) لأننا لا نملك قوة "المصالح" كجماعات أخري تستصدر القوانين في غمضة عين.. لكننا نملك إيمانا بهذا البلد لن يغيب خلف القضبان. نملك وعدا من رئيس الدولة.. ونسأل: من الذي جعله وعداً بلا موعد!!.

البعض يموت مرتين – نشر بتاريخ 13 / 3 / 2006

ضحايا العبارة المنكوبة (السلام 98) ليسوا مجرد ضحايا!، لأنهم حرموا حتي الحق في مأتم يليق بحزنهم النبيل، ودموع تشيع أحلامهم البسيطة، وسرادق يقيمه الوطن لتلقي العزاء في شعار "بلد الأمن والأمان" الذي غرق في مياه البحر الأحمر!.

زغاريد النصر الكروي جرفت دموع الأهالي لتستقر كل قطرة منها في قاع النيل، إلي جوار الطيور النافقة بالإنفلونزا التي سرقت فرصة حساب المسئولين عن القتل العمد لركاب العبارة. هرب "ممدوح إسماعيل" من أسئلة الرأي العام، تواري من كشافات الصحافة والإعلام، فالبعض مشغول بشائعات المياه الملوثة، والبعض الآخر مهموم بأشلاء القطاع العام المتناثرة مع صفقة بيع عمر أفندي.

ضحايا العبارة - إذن- ماتوا ألف مرة:" بالإهمال الجسيم والتفريط في أرواحهم، بأخطبوط الفساد الذي يحمي المسئول من العقاب، بالإتجار المنظم في جثثهم وعاهات بعضهم".

راحوا.. ودفنت أسرار موتهم في "الصندوق الأسود " المتهالك أو بالأحري الذي تم تعطيله عمدا بواسطة صاحب العبَّارة. وكما يحدث في الأفلام القديمة قرر رجل الأعمال تعليق التهمة في عنق "القبطان" الذي رفض العودة إلي ميناء ضبا السعودي لإطفاء الحريق، رغم علمنا جميعا بأن اتصالا هاتفيا تم بينهما رفض خلاله المالك عودة العبَّارة إلي السعودية خشية احتجازها.

إنها نفس القصة المعادة لتجار الموت، تتكرر بنفس السيناريو مع تعديلات تتفق ومنطق هذا الزمان المتطور في أساليب الرشوة وحماية الفساد وبيزنس الكبار.

في التقرير الذي نشره رئيس تحرير "الفجر" عادل حمودة العدد الماضي وثائق كافية ليلتف حبل لتوجيه تهمة القتل العمد إلي "ممدوح إسماعيل".. لكن من يهتم؟.

إذا كان التحايل علي الضرائب بإغلاق الشركات بعد انتهاء مدة الإعفاء الضريبي وتأسيس غيرها قد تحول إلي عرف في عالم المال، فلماذا تقتصر المحاسبة علي ممدوح إسماعيل؟. وإذا كانت هناك سفن أخري مخالفة لتعليمات الأمن والسلامة تسير بدون قوارب نجاة كافية، و سترات نجاة مهترئة، ومعدات أطفاء معطوبة، وصناديق سوداء معطلة.. فهل نحاسب التسيب والإهمال في شخص "ممدوح إسماعيل".. إنها فكرة تبدو رومانسية في معالجة كارثة وطنية تشملنا جميعا.

تري كم "ممدوح إسماعيل" في بلدنا يجدون أقارب لهم في دواوين الحكومة يعتمدون لهم الشهادات ويصدرون لهم التراخيص؟. كم ممدوح له (ظهر)..وحصانة.. وسجل أسود في غرق العبارات والإتجار بأرواح المصريين؟.

السؤال المؤلم الذي أتحرج من طرحه: إذا كانت أرواح الضحايا تهون علي ذويهم ويشتري ممدوح (أو أمثاله) تنازلهم عن حقوقهم بـ (15) ألف جنيه، بدلا من التعويض العادل الذي يصل إلي مائتي ألف دولار. فهل لنا أن نسأل لماذا تساوت روح المواطن المصري بسعر التراب؟.. أو لماذا وصل بنا الهوان إلي هذا الحد؟.

طبقا لتقرير الكاتب الصحفي "عادل حمودة" فإن أصحاب العبارة يتهربون من ولاية القضاء المصري بزعم أن العبارة غرقت في المياة الإقليمية. ولأنهم علماء بقواعد القانون وثغراته ألغي ممدوح إسماعيل عقوبة الحبس الاحتياطي قبل أن يصدر بها قانون!.. ليفلت من يد العدالة ربما إلي الأبد.!.. وسافر ممدوح إسماعيل إلي باريس دون أن يعترضه أحد!!.

في سجل الهاربين من العدالة لا توجد محرمات ولا مقدسات.. لا توجد معوقات فأموال البنوك المنهوبة قد تم تهريبها بالفعل إلي بنوك سويسرا أو باريس. والبيزنس نفسه ممتد وله فروع في أوروبا.. فمصر بالنسبة لهم ليست سوي مرحلة لجمع المال ولو بمص دماء الشعب علي طريقة "دراكيولا".. والحصانة تضمن لهم الهروب..وفي منافهم الإختياري تنتظرهم رفاهية "أوناسيس".

وبالتالي يسهل تصديق فكرة القتل العمد لركاب "السلام 98 " وإغراقها للحصول علي قيمة التأمين الباهظة. ولِمَ لا إذا كانت الحكومة نفسها قد انزلقت في عملية الإتجار بأموال التبرعات، حين قررت صرف التعويضات التي وعدت بها الدولة من أموال التبرعات التي جمعها وزير النقل "محمد منصور" والتي بلغت حوالي 56 مليون جنيه؟!. صحيح أن الحكومة تراجعت أمام لجنة تقصي الحقائق بمجلس الشوري.. ولكن إذا كان رب البيت (المعني في قلب الشاعر)!!

الحكومة قليلة الحيلة، ولذلك نعذرها، فإذا كان وزير النقل يلجأ لجمع التبرعات من رجال الأعمال فلابد أن نعذرها. والحكومة عاجزة لا تقوي إلا علي مواجهة الباعة الجائلين (الغلابة).. وتهرب من مواجهة أباطرة الفساد.

الحكومة -بكل أسف- مخترقة بنواب البلطجة والمخدرات، وفساد كبار الموظفين.. فهل نلوم صغارهم؟

ابكوا ألف مرة.. علي ضحايا سلخوا بعد غرقهم بنهب التعويضات.. وعلي حكومة أضعف من أن تردع خفافيش الرشوة والتسيب والإهمال.. أضعف من أن تحاسب فاسدا أو تمنع متهما من السفر .. ابكوا علي بلد حين هان.. هنا جميعا.

السود فى مزاد الأقليات – نشر بتاريخ 13 / 2 / 2006

أنت.. وأنا.. وكل مصري في قفص الاتهام الآن، أما التهمة فهي العنصرية والسياسة الاستعمارية والنظرة الاستعلائية لأهل"النوبة"والسودان!!. ولأنك"مستلب"و"مغبش"فقطعا لن تفهم بسهولة كيف أسهمت أنت وأجدادك وحكامك في استعباد أهل السودان والنوبة، وتسخيرهم لحفر القناة وتهميشهم لدرجة حصارهم في وظائف دونية ليتحول هؤلاء المواطنون إلي طباخين وسفرجية وخدم وهم أصحاب الأرض الأصليون!.

هل فهمت شيئا مما أقول أم أن العنصرية المتغلغلة في ثقافتك تعميك عن حقيقة دورك التاريخي في الظلم الواقع علي"السود"من أهالي النوبة والسودان. عموما أنا شخصيا عندما طالعت بيانات ما يسمي (حركة تحرير الكوش) تصورت لأول وهلة أنني أمام"كوميديا سياسية"استغل فيها البعض مذبحة إجلاء اللاجئين السودانيين عن ميدان"مصطفي محمود" ليسلينا ولكن مع بعض (الرذالة). لكنني اكتشفت أنني أمام مؤامرة حقيقية بكل المقاييس، وأن تلك الحادثة التي هاجمتها كل الصحف تحولت إلي كارت جديد في أياد تجيد"القبض"من الجهات الخارجية لتوريط مصر فيما يسمي مشكلات"الأقليات". وبسرعة شديدة حيكت المؤامرة وتم صك الشعارات وعقد المؤتمرات وإلقاء الكلمات النارية عن عنصرية المصريين!.

في سياق التدليل علي اضطهاد"السود"تمت إعادة صياغة تاريخ مصر وفقا للمزاج الشخصي الذي تحكمه"الدولارات"، تبدلت الخرائط وتحورت الأحداث التاريخية، حتي أدوار الحكام تم تشويهها لمصلحة نظرية العنصرية المفتعلة، فكون والدة اللواء محمد نجيب رئيس مجلس قيادة الثورة"سودانية"لا يعفينا من اضطهاد اهل النوبة،ولا سواد بشرة الرئيس الراحل أنور السادات (ابن ست البرين السوداء اللون) يمحو ذنوبنا وجرائمنا الفظيعة في حقهم (في رأيهم أنه قام باحتلال مثلث سره وفرس فهما قريتان نوبيتان). وحتي وجود (المشير حسين طنطاوي) وهو"نوبي مصري"علي رأس وزارة الدفاع حالياً ليس دليلا علي سماحة المصريين.

نحن جميعا عنصريون.. ودليلهم علي ذلك :( أنه لا يوجد مذيعون ولا مذيعات سود، فوزارة الإعلام المصرية تمارس العنصرية ضد بروز أي وجه نوبي، والأنظمة الاستعمارية تعمل علي تغييب الثقافة النوبية والفن النوبي وإلا لماذا قبض علي الفنان النوبي"محمد حمام"وتم ضربه وتهديده من قبل الأمن المصري بعد غنائه لأهل حلفا النوبيين!!). هذه الأدلة السخيفة التي يسوقها المناضلون لتحرير"الكوش"لا يمكن الرد عليها مثلا بشعبية"محمد منير"وإلا تكون سقطت في"الفخ"المنصوب لنا وبالتالي انزلقت إلي المؤامرة الكبري الكامنة خلف تلك السخافات.

فالهدف الحقيقي مما يسمي"حركة تحرير الكوش"هو تهديد الأمن القومي المصري بحركة انفصالية علي حدود السودان، وهي لعبة أخطر من لعبة اضطهاد الأقباط. فالحديث عن نضال حركة تحرير الكوش السودانية لتحرير (مثلث حلايب ومثلث سره وفرس ومنطقة ارقين) هو اختراق لسيادة الدول علي أراضيها، ولعبة حقيرة تديرها أياد خارجية وتمدها بالتمويل وترشحها للتدويل. فلا يمكن النظر إلي عبارات من عينة ( تطهير عرقي ضد النوبيين ) علي أنه مجرد كلام (حنجوري) ما دامت هناك منظمات مصرية تنظم صفوف هؤلاء المارقين المشوشين لتشكل منهم مجموعة انفصالية. وهي مجموعة تبدأ مطالبها بإعادة التوطين حول بحيرة السد العالي ولن تنتهي إلا بالمطالبة بمنطقة حكم ذاتي!.

كان من الممكن فهم مؤامرة"الكوش"لو أننا علمنا منذ البداية لماذا تم تحييد مصر في عملية المصالحة السودانية. بل كان لابد ساعتها أن ندرك أن حدودنا مع السودان أصبحت"هشة"بما يغري الخونة والعملاء بالضرب عند الحزام أو الحدود المصرية السودانية. وربما جاءت حركة الكوش لدق ناقوس الخطر، علنا نفيق إلي حساسية ذلك العمق الاستراتيجي للبلاد.

وبما أنني ـ شخصيا ـ مستلبة ومغبشة -طبقا لتوصيفات الحركة لمعارضيها- فأستطيع أن أعلن بوضوح أن ورقة اضطهاد الأقليات أصبحت"البيزنس"المضمون لبعض المنظمات المصرية -بكل أسف- والتي احترفت الاتجار بالوطن وهمومه ولو بإشعال الفتن وتوريط مصر في تهم مفتعلة بل ومثيرة للسخرية مثل العنصرية واضطهاد السود. وهذا تحديدا ما جعلني أتجاهل المناضل المصري المعروف الذي يتاجر بتلك القضية وأيضا الكاتب النوبي الذي يروج لها عبر شبكة الإنترنت، وأتجاوز عن العديد من اتهاماتهم الباطلة حتي لا أصبح طرفا في مؤامرتهم ولو بالنقاش. لكن يبقي السؤال المحوري عالقا : هل يكفي كشفهم إعلاميا لإحباط مخططهم؟.. أتصور أن الإجابة لابد أن تأتي عنصرية استعمارية وفاشية وفقا للسيناريوهات التي يرسمونها دائما 

الفقراء يموتون فى صمت _ نشر بتاريخ 6 / 2 / 2006

اغضب.. احزن والعن الفقر ألف مرة ما دمت تحيا في بلد يهدر حقوق مواطنيه البسطاء، ولا يعترف إلا بسطوة الأثرياء. من حقك أن تتشكك في كل التصريحات الإعلامية حول متانة العبارة الغارقة (السلام 98) واستيفاء شروط السلامة الملاحية فيها، طالما كانت بعض "التراخيص" - إن لم يكن معظمها- تصدر لمن يدفع ثمنها وليس لمن يلتزم بالضوابط والمعايير الدولية للجودة!. أما اليد التي قبضت ثمن "روحك" فهي يد عاجزة تسلم أمن المواطنين أحيانا باسم الرشوة وأحيانا أخري خوفا من بطش "الكبار"!.

من حقك أن تشك وتسأل.. وتنتظر نتائج التحقيقات التي أمر بإجرائها السيد رئيس الجمهورية. لكن إلي أن يحدث ذلك سيظل مصيرك مرهونا بجشع "الكبار" الذين تعميهم المليارات عن حق المواطن الفقير في خدمة متواضعة وآمنة. ستظل عرضة لأيادي الإهمال والتقصير والإتجار بأرواح الفقراء.

لا تسل لماذا لا تسخر تلك الشركات الكبري التي تمتلك العبارات والسفن بعضا من ملايينها لتوفير استراحة إنسانية للركاب في منافذ العبور البحري،أو صيانة دورية لسفنها!. لا تسل أصحاب العبارة "السلام 98 " من أين يشترون تلك السفن المتهالكة؟، أو لماذا يشغلون سفنا مخالفة لشروط السلامة بجراچها العميق (بطن السفين) الذي -ربما- لا يجوز معه الإبحار في مياه البحر الأحمر؟. فهم قطعا يعلمون لماذا تتكرر حوادث النقل في شركاتهم، لكنهم يظنون أنهم فوق المساءلة أو أن هناك من ينوب عنهم في مواجهة الرأي العام طبقا لقواعد "المصالح المشتركة"!.

هناك رائحة فساد عفنة تلوث مياه البحر الأحمر، تغري الأسماك بالتهام جثث الضحايا لتتحلل مع أشلائهم ملامح "الجريمة". سيرددون عليك -كل لحظة- أن هناك شركة إنجليزية تراجع شروط الأمن والسلامة وأن ميناء الضبا السعودي شهد لمراجعة تلك الإجراءات بـ "نجاح". دعك من هذا السخف لأن ملاك الموت الذي زار أكثر من ألف مصري ينسف مصداقية تلك التصريحات.

نحن عادة أمام الكوارث القومية لا نجد إجابات شافية، سيخرج عليك من يقول إنه القدر" الذي حرك الزلزل وأطلق الرياح العاتية التي ضاعفت من قوة النيران.. فهل لديك اعتراض؟. ثم إن السفينة لا ترفع علم مصر!!

لكن لاحظ -مثلا- تصريحات محمد السيد الوكيل الملاحي لعبارات السلام، التي أكد خلالها أن: «أي سفينة تتعرض للغرق تحتاج إلي 20 ساعة علي الأقل لكي تستقر في قاع البحر، وبالتالي فإن غرق السفينة واستقرارها في قاع البحر خلال ساعتين فقط أمر محير ومثير للقلق». أضف إلي صعوبة حل اللغز أن هناك ألف يد ممدودة تتواطأ في دأب ليفلت الجاني الحقيقي. ويمكنك أن تحل اللغز - ببساطة - وتتبني نظرية ضرب السفينة في عرض البحر من جهة معادية (إسرائيل مثلا). لكن حتي هذا الحل -علي غرابته- لن يعفي المسئولين عن الحادث. لن تجد عذرا لوزير النقل الجديد "محمد منصور" (كحداثة عهده بالوزارة مثلا ) في عدم الإبلاغ عن فقدان العبارة فور انقطاع الاتصال معها، أو عدم وجود قوات طوارئ جاهزة لمواجهة مثل هذه الكوارث ربما كان بإمكانها التقليل من عدد الضحايا.. فالمهم لديهم جميعا أن تكون "الأوراق" مضبوطة، وكلنا نعلم كيف ترتب الأوراق!. ويكفيك أن القوات المسلحة أنقذت ما يمكن إنقاذه.

إن "الدولة" مشغولة بإنشاء مراسي "اليخوت الخاصة" في البحر الأحمر وشرم الشيخ، وليست معنية بهموم الفقراء، وكأنها قامت بدور الوسيط "السمسار" وسلمت ملايين الفقراء لحفنة من تجار الموت يتولون نقل العمالة المصرية (الشقيانة) وحجاج السفر البري، وهؤلاء ديتهم بسيطة عند الحكومة التي -ربما - تري أن التخفف من حملهم -بالموت- خدمة لوطن يعاني الانفجار السكاني!.

الحكومة التي سخرت مدن البحر الأحمر وشرم الشيخ لمليارات المستثمرين لم تكلف نفسها بتوفير مستشفيات مجهزة للطوارئ في تلك المناطق، وفي كل كارثة (مثل حادث أتوبيس السياح في طريق البحر الأحمر) تستنفر الدولة لنقل فرق طبية مجهزة و لكن بعد فوات الأوان!!. ولماذا تتكبد الدولة هذا العناء لتوفير الرعاية الطبية للعمالة التي تخدم في تلك المناطق السياحية، طالما أن كبار المستثمرين لديهم "طائرات خاصة"!.. والأغنياء لا تطأ أقدامهم مواقع الخطر في الطرق الوعرة.

أما فقراء هذا البلد فيعيشون في ضنك يعانون الأمرين في سفرهم ومرضهم.. يدفعون ثمنا فادحا للقمة عيش ضن بها الوطن.. يرتحلون ويتغربون لتوفير جنيهات قليلة لمسكن لا يرد برد الشتاء، وتعليم لا يحركهم من الطبقات الدنيا، ومأكل لا مذاق له!.

وفي رحلة العودة يستقبلهم من يحترف الإتجار بعرق الغلابة، وتغرق أحلامهم البسيطة وحفنة "الريالات " في بحر "الجشع"، يودعون الحياة في صمت، وتستقبل أسرهم "شهادة وفاة" هي في حقيقتها دليل إدانة لكل مسئول في البلد. فمن يحاسب من؟.

أتمني ألا نغلق ملف كارثة العبارة (السلام 98) دون أن يحاسب أحد -كالعادة - فساعتها سنصبح كلنا مدانين.

أاااااه ياعرب – نشرت بتاريخ 12 / 12 / 2005

إن شئتم أن تحاكموا «صدام حسين» فحاكموه علي سقوط بغداد أولا، علي هروب رجاله «النشامة» من مواجهة «علوج الأمريكان» واختفاء أركان نظامه الحديدي في غمضة عين «آرييل شارون» علي مذبحة «صبرا وشاتيلا»، وحاكموا معه «جورج بوش» علي خرق كل المواثيق الدولية التي تلزم قوات الاحتلال بحماية أرواح المدنيين وأعراضهم!.. . حاكموا هؤلاء علي جرائم الحرب.

حاكموا الصمت العربي المتواطئ مع قوات الاحتلال، حاكموا منظمات «السمسرة» التي تضفي شرعية علي الحكومة العراقية!. واسألوا الأمين العام للجامعة العربية «عمرو موسي» عن سرسعادته لسماع السلام الوطني (النشيدين) العراقي والكردي. اسألوه عن الخريطة السياسية لـ «العراق الجديد» الذي بشرنا به عقب وصوله إلي كردستان!!

حاكموا نصوص حقوق الإنسان الأسيرة مع الكرامة العربية في سجن «أبو غريب»، حاكموا بعض الأنظمة العربية التي لا تكف عن ممارسة القمع علي شعوبها وترتكب مذابح تفوق مذبحة بلدة الدجيل الشيعية التي يحاكم صدام علي ضحاياها (148 فقط). اسألوا أنظمتكم عن ضحاياهم في المعتقلات وفي حروب غير مبررة دفعت الشعوب ثمنها من اقتصادها وأرواح أبنائها منها الحرب العراقية - الإيرانية.

أو اسألوا أنظمتكم عن ضحايا المظاهرات.. والانتخابات!

قبل أن تحاكموا «صدام» حاكموا أنفسكم علي تأليه الحكام وتكريس نمط «الطاغية» في بعض أنظمة الحكم العربية.. اسألوا الشعب العراقي أين كان طيلة ثلاثين عاما؟ لماذا لم يثر علي ديكتاتور يحكم الإقليم الكردي بقانون «الإبادة» ولا يتورع عن إستخدام الأسلحة المحرمة لقمع شعبه؟. ثم حاولوا مضاهاة موديل حكم صدام الحديدي بمخابراته وترسانته البوليسية ونسب الاستفتاء علي شعبيته التي وصلت إلي مائة بالمئة قبل سقوط بغداد مباشرة، ستجدون الموديل الصدامي يطبق بمعظم آلياته في بعض البلدان العربية!!. فلا تلوموا الشعب العراقي ـ المحتل الآن ـ بل لوموا أنفسكم.

العنوا «الثروة النفطية» التي ركعت لها الصحف والمنابر الإعلامية، وخضعت لشروطها المتعسفة دول فقيرة تنتظر «الهبة» وتمنح في مقابلها قرارات سياسية خاطئة وسياسات اقتصادية فاسدة!. العنوا «النفط» الذي يراود قوي الاستعمار عن نفسها دائما ويغريها بإغتصاب أراضينا.. العنوا النفط الذي علمنا الانحناء والتلون كالحرباء.. وأفسد الذمم وأطاح بالقيم ليتغني البعض بمآثر الطاغية «صدام» مقابل «كوبون نفط »!!

في التراث الشعبي يقول المثل: (يافرعون إيه فرعنك ؟.. قال ما لقيتش حد يردني)، لكننا نحفر الأمثال في ذاكرتنا الوطنية لنتأسي بها علي أحوالنا.. ونتتطهر بها من ذنوبنا.. ونستمر في صناعة الفرعون في كل بلد وتحت أي مسمي.. فيما تعفينا الأمثال من المسئولية.

كلنا شركاء ـ بدرجة ما ـ فيما وصلت إليه الأمة العربية (سابقا)، إما بتمجيد الحكام أو بالحياد السلبي. وكلنا ندفع الثمن دون وعي منا ودون أدني مقاومة. فهل يجوز لمواطن عربي أن يشعر بالمهانة حين يري الرئيس العراقي المخلوع في قفص الاتهام؟ هل يجوز أن نتحدث عن شروط المحاكمة العادلة ونرفض تشكيل هيئة المحكمة من أكراد،أو نستنكر مهزلة الشاهد (واو) الذي يقف خلف الستار وتغير الأجهزة نبرة صوته؟ هل تستحق محاكمة صدام أن نأخذها بجدية ونناقش حجج الادعاء ودفوع المحامين أم لابد أن نتعامل معها كجزء من مسرحية هزلية لمخرج أمريكي تقدم ببراعة علي الساحة العربية.

أنا شخصيا لست معنية كثيرا بعنصرية المحكمة ولا بعدم شرعيتها.. لست مهتمة بتوقيت المحاكمة السابق علي وجود حكومة عراقية منتخبة، لسبب بسيط هو أنني «انكسرت» تماما يوم سقوط بغداد. فلم أجد في تلك المحاكمة الهزيلة سوي لون الصبغة التي تغطي شعر صدام، وغطرسته وهو يقول للجميع : «اذهبوا إلي الجحيم» ربما ليلحقوا بالعراق الذي أحرقه بجنونه تماما كما فعل «نيرون»!.

ولا أجد لروحي المجهدة ملاذا سوي كلمات «نزار قباني» في قصيدة «متي يعلنون وفاة العرب»: (أيا وطني..جعلوك مسلسل رعب... نتابع احداثه في المساء.. فكيف نراك اذا قطعوا الكهرباء ؟؟).

التنين الصيني يفرض نفوذه الاقتصادي علي العالم - المقال نشر بجريدة الفجر بتاريخ 21/ 11/ 2005

السؤال الذي كان يسيطر علي ذهني قبل أن أغادر القاهرة: هل يمكن للإنسان أن ينفصل شعوريا عن أحزان الوطن وصراعاته وتناقضاته حين ينتقل لقارة أخري ؟.

هل يمكن أن يهرب من أحلامه المؤجلة وواقعه المحبط إلي عالم أكثر رحابة.. أم أن الأحلام والأحزان تسكننا وتبحر بداخلنا، وربما تسبقنا إلي أقصي بلاد الدنيا، لتستقبلنا في جمهورية الصين الشعبية أسئلة حائرة.. وموجعة حول هموم وطن تخذلنا عملته المنهارة في كل دولة.. ويدخلنا في مقارنة ظالمة مع دول تسابق الزمن في خطواتها للأمام فيما نتراجع نحن إلي الخلف.

الطريق إلي بكين

في مكالمة عابرة مع صديقتي المحامية المعروفة «أميرة بهي الدين» أخبرتها بأنني أفاضل بين تأشيرة تحملني إلي دولة البحرين لإلقاء كلمة عن مستقبل المنطقة العربية، وبين تذكرة تنقلني إلي الصين بلد الحضارة والأساطير . وحسم صوتها الاختيار: سنذهب إلي البلد الذي توطدت فيه صداقتنا.. وشهد نضالنا لنصرة المرأة.. وسجل حكايات أمسياتنا المثيرة بعد أيام العمل الشاق والتنقل بين ورش العمل. سنعود إذن ـ مرة أخري ـ إلي بلد الإبداع اليدوي ونمارس دورنا الأنثوي المنسي (يعني نلعب ستات) نفاصل بائع السجاد الحرير.. وبائعة المفارش اليدوية علي «الآلة الحاسبة» كما يفضلون.. ونضحك من قلوبنا حين يقولون بفخر إنها صناعة (خاند ميد). ذكرتها بأنني في مهمة عمل وسأكون مشغولة بحضور المؤتمر الصحفي الذي تقيمه (مصر للطيران) لتدشين الخط المباشر القاهرة ـ بكين. وأن الرحلة شاقة ثلاث عشرة ساعة طيراناً وليلتان فقط لا وقت للراحة ولا للتسوق . لكن فكرة السفر إلي بكين علي «خط مباشر» كانت فكرة مغرية في حد ذاتها، وسيطر علينا حب المغامرة.. فولد القرار.

قبل إجازة عيد الفطر مباشرة عرفت جوازات السفر طريقها إلي سفارة الصين .. وفي أول يوم عمل بعد الإجازة التقينا جميعا في مطار القاهرة. وبعد أن ربطنا أحزمة مقاعد الطائرة التقت عيناي بعيني رفيقة المعاناة والسعادة.. رفيقة السفر «أميرة» قلت لها: ألسنا مجانين.. فبادرتني بالرد: «طبعا».. وأخذنا نضحك.

فلاش باك

لأول مرة في حياتي أحمل «خريطة» خلال تنقلاتي، كان ذلك أثناء مشاركتي في مؤتمر المرأة الذي عقدته منظمة الأمم المتحدة عام 1995 في بكين. وكانت فعاليات منتدي المنظمات غير الحكومية تتم في (هواريو) علي بعد ساعة تقريبا من بكين.

«التوهان» كان سيد الموقف، فالوفد المصري توزعت إقامته بين هواريو وبكين.. والنظام الشيوعي الصارم فرض علينا التحرك أفواجا في أتوبيسات.. وحاصرنا بمواطنين لا يعرفون من لغات العالم غير اللغة الصينية. فكان علينا أن ننتظر عدة أيام لنعرف موقعنا علي الخريطة.. ونحدد بنفس القلم علامات بارزة علي مواقع سكن الصديقات. وحين نتقابل نتحدث عن شيء واحد: (الطعام) فـ «الجوع» كان القاسم المشترك بيننا في بلاد لا تقدم إلا أكلاتها المخلوطة بدهن الخنزير وكل ما يسبح في البحار عدا الغواصات، أو يطير في الجو عدا الطائرات، أو يمشي علي الأرض عدا السيارات.. وكنت مهيأة تماما للجوع أو التوهان، لكن في فندق (كاري) كانت أول معالم تغير بكين التي امتلأت بالفنادق السبع نجوم وأصبحت تقدم كل أنواع الطعام العالمي.

في أول ليلة قضيتها في بكين عام 2005 فوجئت أن هناك قناة تليفزيونية تذيع أفلام (بورنو). فتذكرت حين خرجت مظاهرة علي هامش مؤتمر المرأة عام 1995 لتحطم رمز الغزو الرأسمالي للصين الشعبية: «ماكدونالدز» وتحطم واجهته بالحجارة.. وتساءلت: تري لو عقد مؤتمر للمرأة في بكين اليوم.. هل كانت النساء ستتظاهر رفضا لتجارة الجسد و تشيئ المرأة لتصبح مجرد «سلعة»؟. لكني سخرت من نفسي وتذكرت أن تجارة الجسد هي جزء أساسي من اقتصاد الصين !

عندما تسكن في طائرة

الصحفي لا يسلم قلمه عند الحدود.. ولا يخبئ روحه الناقدة في حقيبة السفر. بل تسجل عيونه كل ما يدور حوله بدقة. وفي رحلات الطيران الطويلة لا يستسلم لغفوة قد تضيع مشهدا مهما من دفتره.

أول ما تبادر لذهني علي الطائرة هو رحلتي الأولي لبكين، في عام 1995 التي استغرقت يومين بين إقلاع وهبوط وترانزيت. من القاهرة إلي فرانكفورت ومنها إلي هونج كونج لتنتقل حقائبنا من طائرة «لوفتهانزا» إلي طائرة «الخطوط الصينية». لنصل إلي بكين حيث تنتظرنا مفاجأة مؤلمة تلخصت في ضياع حقائب بعضنا، وكانت في مقدمتهم صديقتي المحامية المعروفة «لمياء صبري مبدي» التي ظلت تترد يوميا علي المطار بعد أداء مهام المؤتمر.. وتنتظر حقائبها التي وصلت بعد أسبوع تقريبا من إقامتنا في بكين !. ولعل هذا ما شكل بداخلي عقدة ما تتحكم في تصرفاتي أثناء السفر.

فأبدأ رحلتي بمطالعة وجوه طاقم الضيافة.. أتفاءل إذا بدت الوجوه ودودة بشوشة.. وأتشاءم إذا كانت جافة وتقدم الخدمة بتذمر وكأنك في ملجأ للأيتام . المفاجأة أن طاقم ضيافة «مصر للطيران» قد تخلي عن النساء البدينات واستقبلتنا ملامح مصرية رقيقة.. انتظرت أن أري المشهد الذي طالما استفزني علي خطوطنا الوطنية، ذلك الذي كانت تتضرر فيه المضيفة من طلبات الراكب فتسكب القهوة الساخنة علي جاره في المقعد.. لكن الصورة تغيرت تماما !.

بقليل من الخبث بررت اداء طاقم الضيافة بوجود قيادات مصر للطيران علي الطائرة: الطيار أسعد درويش رئيس شركة مصر للطيران للشحن الجوي، محمد منير رئيس القطاع التجاري بالشركة، يسرية رجب المستشار الإعلامي لوزير الطيران، علاوة علي نائب رئيس هيئة تنشيط السياحة سيد محرز. لكن في رحلة العودة تأكد لي أن مستوي الخدمة قد تغير بالفعل حتي دون وجود قيادات الشركة..وبدأت فعاليات الترويج للخط المباشر القاهرة ـ بكين، وتم إجراء قرعة علي التذاكر لاختيار «المقعد الذهبي».. ولعب الحظ دوره في فوز راكبة تايلاندية جاءت من السعودية بعد أداء العمرة لتنتقل إلي بانجكوك علي مصر للطيران.. وبفوزها استردت قيمة التذكرة.. حظوظ!

تركت مقعدي لأختبر الجدوي الاقتصادية لإعادة تشغيل خط القاهرة - بكين، وأقطع وصلة النوم الهادئ علي المسئولين المرافقين للوفد بأسئلتي . وبدأت أناقش محمد منير حول التعاقدات التي تمت مع ركاب الترانزيت خصوصا من (بانجكوك) بعد أن لاحظت وجودهم بكثرة علي الطائرة وكان سفير تايلاند يجلس إلي جواره. للحقيقة فوجئت بوجود خطة مدروسة للترويج لهذا الخط يتولاها المكتب الرئيسي بالقاهرة الذي يسعي لخلق شبكة ربط مع شركات الطيران العاملة في المنطقة للوصول إلي نقاط متعددة في الشرق الأقصي. وأن قيادات مصر للطيران تدرك أهمية استثمار انعقاد دورة الألعاب الأوليمبية بالصين عام 2008 في الترويج لهذا الخط. لكن الأهم من ذلك كله هو تقرير منظمة التجارة العالمية الذي يفيد بأن الصين قد أصبحت ثاني أقوي اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية واتسعت دائرة نفوذها الاقتصادي خارج شبه القارة الصينية. وكل هذه المعطيات تفرض وجود خطوط منتظمة تواكب تنامي حركة السفر ونقل البضائع. أضف إلي ذلك تنبؤات منظمة السياحة العالمية التي تشير إلي أن الصين ستصبح المقصد السياحي الأول في العالم بحلول عام 2017 وأنها سوف تستقبل 137 مليون سائح في عام 2020.

ولأننا في بلد لا يعرف الخطط المستقبلية التي تصل بالأحلام إلي محطة التحقق بعد أكثر من عشر سنوات، كان لا بد أن أشاغب سيد محرز بأسئلتي.. سألته عن حركة السياحة الوافدة من الصين وسبل تفعيلها خاصة مع ارتفاع مستوي الدخل في بلد يصل تعداده إلي مليار ومائتي وخمسين نسمة؟. وبشكل عملي حدثني عن القافلة السياحية التي ترأسها وزير السياحة أحمد المغربي في شهر يونيه الماضي والتي ضمت كبري شركات السياحة المصرية لدفع حركة السياحة الصينية الي مصر والتي يعول عليها في تعويض العجز التجاري بين البلدين. لكن الأرقام التي ذكرها نائب رئيس هيئة تنشيط السياحة بدت هزيلة جدا مقارنة بحجم السوق الصينية التي لم تصدر إلي مصر سوي 38 ألف سائح خلال عام 2004!

وربما ما يدعو للتفاؤل نحو مضاعفة هذا العدد هو وجود الدكتور ناصر عبد العال مستشارنا السياحي في بكين، وبحكم كونه أستاذا للغة الصينية آدابها قد ذاب في المجتمع الصيني وجعل من فكرة جلب السياحة الصينية إلي مصر هماً خاصاً يؤرقه ويعمل من أجله برؤية علمية تدرك طبيعة السوق الذي يخاطبه. فإذا أضفنا لذلك وجود مكتب مصر للطيران في قلب بكين وعلي رأسه أيمن السمري ربما تأتي أرقام السياحة الوافدة من الصين بعد ذلك بمئات الألوف.

وبقدر ما استوقفني اختيار ممثلينا بالخارج توقفت طويلا أمام السيدة «مني» حرم أيمن السمري التي تمكنت برقتها وشخصيتها العذبة من إضفاء حضور دافئ علي الحضور بدءا من استقبالنا علي عتبة المطار ووصولا إلي وجودها المميز في المؤتمر الصحفي وحفل الاستقبال.

الأصل في الأشياء هو «التقليد»

عندما وصلت إلي بكين كانت عيناي تفتشان عن تلك البيوت الصغيرة ذات الأسقف الحمراء.. عن مواكب الدراجات التي تحمل البشر إلي المزارع والمصانع ليختفوا فيها طيلة النهار فلا نراهم سوي في رحلة العودة.. كنت أتجول ببصري علني ألتقط محلا للصناعات التقليدية يبيع التحف المصنوعة من الأحجار الكريمة أو متجرا للحرير الطبيعي. لكن بكين التي أعرفها اختفت تماما، وكأن شخصا ما قد محاها من علي الخريطة ووضع مكانها تلك الأبراج الهائلة وواجهات الرخام التي لا تدل علي هويتها الصينية إلا من اللغة المنقوشة علي مداخلها. تعجبت أيضا من عملية الإنشاء المستمرة استعدادا لانعقاد دورة الألعاب الأوليمبية بالصين.. صدمتني الكباري التي غيرت معالم المدينة، وكأنني كنت أبحث عن ذكريات نقشتها قبل عشر سنوات في تلك المدينة النائية - البسيطة واكتشفت أن الغزو الصناعي سرقها من علي الجدران !

تغيرت بكين.. لا بل قفزت قفزة هائلة نحو المستقبل، تحولت من بلد يمارس سياسة الإغراق الاقتصادي علي العالم بسلع رخيصة الي بلد يدخل حلبة المنافسة علي (الجودة والسعر) . ويفتح المجال أمام القطاع الخاص بضوابط لا تقلل من سطوة الحزب الشيوعي الحاكم . لتبدأ خطوط إنتاجه في تقديم كافة الماركات العالمية ( تحت إشراف مراقب جودة) مستغلة الثروة البشرية الهائلة في مواجهة القوي الاقتصادية العظمي «أمريكا» !

إنه بلد يعاني من مشاكل «الوفرة».. يخشي من تزايد معدلات التضخم. وعلي العكس من (فقرنا الدكر) يطبق سياسات صارمة لتخفيض نسبة النمو الإقتصادي من 9.5% إلي 7 %!. فتلك القفزة الاقتصادية رافقتها مشاكل يمكن تسميتها بأمراض النمو السريع علي رأسها ظاهرة السخونة الزائدةOVERHEATING يليها نقص موارد الطاقة والمواد الخام (الصين ثاني مستورد للبترول بعد أمريكا )، ثم المشكلة المشتركة بين كل الدول التي تتحول من النظام الاشتراكي إلي النظام الرأسمالي وأعني بها مشكلة التوقف عن سداد قروض البنوك. لكن الدولة التي حكمها الحزب الشيوعي بالحديد والنار وفرض علي شعبها زياً موحداً لخمسين عاما يتصدي لتلك المشكلات بتشريعات قانونية (إجراءات انكماشية) يتم تطبيقها أيضا بالحديد والنار.

ورغم ذلك فهناك بوادر ضمور للتوجه الشيوعي في إدارة الاقتصاد الصيني، فلأول مرة يوافق مجلس نواب الشعب الصيني عام 2004 علي تعديل الدستور ليتضمن نصوصا تتعلق بحماية الملكية الخاصة.

ومثل كل حالات التحول تتعرض الصين لحالة «فساد» لكن الحزب الشيوعي يتعامل مع الفساد باعتباره قضية مركزية تهدد مستقبله!

خرج المارد الصيني من قمقم الخرافة لتصل الصادرات الصينية إلي 595 مليار دولار. وتحتل الصين المركز الأول في جذب الاستثمارات الأجنبية (61 مليار دولار).

ومن الموقع الاقتصادي الفريد تمكنت الصين من لعب دور سياسي هام فوصلت إلي أفضل حالاتها مع أمريكا (بعد أن أصبح الفائض التجاري في صالح الصين) وأصبح الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأول للصين. ورغم الخلاف التاريخي مع اليابان أقامت معها بكين تجمعا للحوار الاقتصادي.

أصبحت الصين طرفا فاعلا في إدارة الأزمة النووية الكورية، فهي دولة قادرة علي حق «الرفض». ترفض تحويل الملف النووي الإيراني إلي مجلس الأمن، وترفض توقيع عقوبات علي السودان.

إنها الدولة صاحبة الحضارة العريقة منذ بناء «سور الصين العظيم» إحدي عجائب الدنيا السبع.. وهي صاحبة القوي النووية.. والقوة الاقتصادية الضاربة.. وبالتالي أصبحت قادرة علي فرض قرارها السياسي علي العالم.. التنين الصيني ليس مجرد خرافة.. إنه واقع يفرض إرادته علي العالم بما فيه «أمريكا» أحيانا !. لكن مصر لازالت تتعامل معها بطريقة: اعطني قرضا.. ولا تعلمني درسا!!.