الخميس، 27 نوفمبر 2008

الأقباط في ذمة الإخوان نشرت فى العدد السادس بتاريخ 9 / 7 / 2005

يبدو أن أوهام الزعامة تسيطر علي «محمد مهدي عاكف» المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة، إذ تصور أنه فور إعلانه الخوف من محاولة اغتياله سيتحول إلي بطل قومي يتحالف معه الجميع رغم تباين الأجندة السياسية! وبهذا التصريح تجاوز عاكف سقف الشائعات التي تتحدث عن وجود انقسامات حادة داخل الجماعة، بدأت بعزل الدكتور عبد المنعم أبوالفتوح ممثل تيار التجديد داخل الجماعة.. وبرر عزوف بعض أحزاب المعارضة والحركات السياسية عن الانضمام إلي «التحالف الوطني من أجل التغيير والإصلاح» الذي تتزعمه الجماعة وانسحاب عدد آخر منه بعد الاجتماع التأسيسي الذي اظهر احتكار الجماعة لعمل التحالف من القمة إلي القاعدة.
ولأن الجماعة واحدة من اصحاب براءة اختراع المناورات السياسية ودائما ما يتعامل مرشدها ـ أيا ما كان اسمه ـ مع الوطن وكأنه «طاولة قمار»، كل الأوراق فوقها مشروعة من منطق «الغاية تبرر الوسيلة»، أصبح سهلاً علي عاكف أن يبدل خطاب الجماعة الثابت لعدة أجيال وفي لحظة ليعترف بوجود المرأة ويضم سيدتين إلي الجماعة (الدكتورة عايدة سيف النصر والدكتورة نجلاء القليوبي)، ويبادر إلي مراجعة برنامج الجماعة لتعديل موقفها من الأقباط لتقر بأن مفهوم «الذمة» الذي يدعو إلي ضرورة دفع الأقباط للجزية هو مفهوم تاريخي لم يعد قائما الآن، وبالتالي تعترف بمفهوم المواطنة الشامل للأقباط. ورغم أن فتوي عبد الله الخطيب عضو مكتب إرشاد الجماعة بمنع بناء الكنائس في مصر وهدم الموجود منها مازالت سارية.. نجح المرشد العام في ضم عدة شخصيات مسيحية إلي تحالفه (كان أولهم الدكتور رفيق حبيب وتبعه الدكتور ميلاد حنا وجمال أسعد)، وهكذا أصبح من السهل تصدير مطالبه إلي الأخوة المسيحيين. وفي انتهازية سياسية فجة أعلن عاكف أنه يؤيد قيام حزب مدني مسيحي بمرجعية دينية علي أمل أن ينوب عنه البابا شنودة في تحقيق أهدافه. فالسماح بقيام حزب مسيحي هو الطريق الوحيد لـتأسيس حزب إسلامي.. لكن ذكاء عاكف لم يرق لفطنة الكنيسة التي لم تبتلع الطعم وأعلنت رفضها إنشاء حزب مسيحي لقناعتها بضرورة الابتعاد عن العمل السياسي.
ولا تجد الجماعة المحظورة تعارضا بين مخططها الأصلي في الاستيلاء علي النقابات المهنية والسعي للبحث عن شرعية لوجودها السياسي. لكن يبدو أن صخب الشارع السياسي أغراها هذه المرة بتصعيد اللعب داخل النقابات. فلأول مرة تضعف الجماعة أمام مقعد نقيب المهندسين (ولا نعرف بعد موقفها من مقعد الحكم)، وبعد أن كان الإخوان قانعين بمقايضة مقعد النقيب بالسيطرة علي مجلس النقابة في معظم النقابات التي احتلتها.. تراجعت الجماعة عن قرار تأييد الدكتور ميلاد حنا في حال خوضه الانتخابات علي منصب نقيب المهندسين، وتراود نفسها الآن لترشيح أحد قياداتها.
ولأن المنهج الثابت للإخوان هو اللعب علي كل الحبال.. لم يترك عاكف موجة واحدة تفلت دون أن يستغلها بدهاء شديد بدءا من مغازلة امريكا بورقة الأقباط رغم أنها رفعت الدعم عنهم.. مرورا بإستقطاب الأقباط بشعار (لهم ما لنا وعليهم ما علينا) وصولا إلي قمة النجاح الذي تمثل في انتزاع اعتراف بشرعية وجودهم بدأ ببضع مقالات تطالب الحكومة بفتح حوار معهم.. ومطالبة القيادي الوفدي الدكتور محمد علوان للحكومة باعتراف فوري بوجودهم! إضافة إلي تعاطف معظم الحركات السياسية والمدافعين عن الحريات مع معتقليهم. كل هذه المكاسب قطعا لن تشبع نهم الإخوان للسلطة التي بدأوها من القاعدة وأصبحت الآن قمتها متاحة، ولا أدري هل هناك فيروس غباء منتشر في الشارع السياسي جعل البعض يصدق كلام عاكف عن الحرية والديمقراطية.. أم أن مشروع الإصلاح أسقط من ذاكرة عتاة اليساريين والليبراليين التاريخ الأسود للإخوان المسلمين؟ أعتقد أن التيارات السياسية في المقابل تلعب علي حبال التغيير وتستخدم كارت الإخوان للضغط علي النظام. ولأن هذه التيارات تمثل أحزابا بلا قاعدة جماهيرية بينما الإخوان جماهير منظمة تبحث عن حزب تشكلت صورة ما من التكامل المرحلي.. وبالتالي فالأمر لن يتجاوز خطوات تكتيكية إلي تحالفات استراتيجية

ليست هناك تعليقات: