الخميس، 27 نوفمبر 2008

محلل سياسي! نشرت بالعدد السابع بتاريخ 16 / 7/ 2005

هل تدار السياسة الخارجية وفقا لمصالح كل دولة وثقلها الإقليمي وتوازناتها الدولية أم أن علينا الاعتراف بأننا سلمنا إرادتنا وقرارنا ودخلنا بيت الطاعة الأمريكي؟ هل تحتكم للمواثيق والأعراف الدولية أم لمعيار الأخلاق والفضيلة المختلف عليها؟ هذه الأسئلة أوجهها لرئيس الوزراء الدكتور أحمد نظيف الذي اعتبر استمرار الوجود المصري في العراق "قضية أخلاقية" لن نتنازل عنها!
إن البعض ـ وأنا منهم ـ يري أن إضفاء الشرعية علي الحكومة العراقية الموالية لقوات الاحتلال مسألة غير أخلاقية بالمرة، وقبل أن أنزلق إلي عبارات فضفاضة دعونا نعترف أولاً بأن تلك المسألة تتعارض مع الأمن القومي العربي ككل.. فقد يتحول العراق فيما بعد إلي منصة لقصف إيران وضرب سوريا. كان علي الدكتور نظيف أن يراجع اغتصاب الرجال قبل الإناث ووحشية المارينز التي تجاوزت حد الجنون في سجن "أبو غريب" قبل استخدام "الأخلاق" في تبرير استمرار البعثة الدبلوماسية هناك. هل يعتقد أننا نمر بحالة غيبوبة حالت دون متابعة الصفقة المخجلة التي عقدتها وزيرة الخارجية الأمريكية "كونداليزا رايس" في القاهرة وتنازلت بمقتضاها عن مطالب الإصلاح الأمريكية، مقابل إرسال السفير المصري"إيهاب الشريف" إلي بغداد.
ولن تخيفنا غلظة الوزير أحمد أبو الغيط في مواجهة الكاميرات، حين سئل عن ثمن الدم المصري الذي أراقته أياد تستهين بمقدرات الأمة .. لن نتراجع أمام عصبيته وهو ينهر الصحفيين في عصبية: "كفي هزلاً".. بل علي الحكومة المصرية أن تكف هي عن الهزل واللعب بمصير البلد وشعبه. ولا تحسب أن تكريس الموديل الأمريكي للديمقراطية في العراق ستنأي بالنظام عن رياح التغيير العاتية، فالصديق الأمريكي لم يتحرك خطوة لإنقاذ السفير المصري، رغم اعتراف وزير الدفاع دونالد رامسفيلد بوجود قنوات حوار مع جماعات مسلحة عراقية. وأظن أن تصريحات رامسفيلد باستثناء جماعة "الزرقاوي" من الحوار مجرد محاولة لوصم المقاومة العراقية كلها بتهمة الإرهاب.
ونحن بالتبعية علينا أن نتبني الخلط الأمريكي بين المقاومة المشروعة لقوات الاحتلال والإرهاب الذي يروع الآمنين والمدنيين، ولا نصدق التقرير الصادر عن معهد الدراسات الاستراتيجية الدولية في أمريكا والذي يقول: "إن عملية الدمقرطة التي تبنتها واشنطن في الشرق الأوسط وحربها علي الإرهاب أسهمتا في تحسين الأمن في المنطقة العام الماضي، لكنها في العراق زادت من أنصار
القاعدة". وهذا معناه ببساطة أن "بوش" يتولي الآن مهمة تجييش الشباب في صفوف الجماعات الإرهابية. ورغم أنه يعتبر العراق بمثابة "الجبهة المركزية في الحرب ضد الإرهاب" فإنه يبحث عن طوق نجاة ينتشله هو وجنوده من مستنقع العراق بعد أن تدنت شعبيته وأظهر آخر استطلاع للرأي أن 60% من الأمريكيين يريدون انسحاب القوات من العراق. وزاد من مأزق الإدارة الأمريكي مطالبة 128 من أعضاء الكونجرس لبوش بالإعلان عن خطة للانسحاب من العراق مع نهاية هذا العام. وفي رحلة البحث عن متنفس سياسي عثر "بوش" علي من يقوم بدور "المحلل السياسي" لحكومة "شيعية" تسكن فراش "المتعة" مع الأمريكان.. حكومة ترفض قرار مجلس الأمن الذي ينص علي انتهاء ولاية القوة متعددة الجنسيات مع نهاية العام الحالي بل وتطالب ببقائها بحجة مكافحة الإرهاب. إذن فليذهب كل "شريف" إلي الجحيم طالما كان اغتياله يدعم وجود الاحتلال الأمريكي في العراق، وليحصد الإرهاب أرواح الأبرياء في "لندن" ليجد "توني بلير" ذريعة مقنعة لتبعيته المطلقة لأمريكا. إنه مسلسل "بقاء الأنظمة" وكلنا في الهم "شعب": في الشارع الأمريكي يلوح "بوش" بكارت الإرهاب فيهرع المواطنون إلي صناديق الانتخاب ويختارونه بكل ديمقراطية لولاية ثانية، وحين يهددوننا هنا: "كفي هزلاً" ننسي أنهم فرطوا في هيبة دولة وأهدروا دماء أبنائها باسم "الأخلاق"!.

ليست هناك تعليقات: