الجمعة، 3 أبريل 2009

بل .. الكفن له جيوب !!- نشر بتاريخ 3 / 4 / 2006

صديقي الكاتب الصحفي "محمود الكرودسي" يهوي الكآبة، خمسة عشر عاما من الصداقة الوطيدة لم يتنازل خلالها عن "الاكتئاب"، حتي ظننته قرر أن يحترفه. ولأنني أقف علي الطرف النقيض تماما: أسخر من آلامي وأفلسف إحباطات جيلي وأحول الحزن إلي طاقة تحفزني علي الاستمرار، كنت أحاول تلقينه نظرية "صنع البهجة".

الحوار بيننا بدأ من حرب الشتائم الجارحة بين الصحفيين، والتي تناقض المطالبة بإلغاء عقوبة "الحبس"، قلت له أليس غريبا أن "جمال فهمي" حبس علي يد الكاتب "ثروت أباظة"، وأن حكما صدر بالحبس ضد الزميل "مصطفي بكري" لصالح صحفي أيضا. تعجبنا من سلوكيات أبناء المهنة التي نراها "مقدسة"، لكن الأعجب من ذلك كان الحديث عن ثروة "إبراهيم نافع" رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام السابق ، والثروات التي تتجمع في يد بعض الصحفيين الآن إما كـ "ثمن" مباشر لمواقفهم السياسية أو لعرض جزء من تاريخهم للبيع أو بشكل شريف جدا مما يسمي بيزنس الإصدارات الصحفية.

كان محمود كعادته مستغربا: ماذا يفعل شخص مثل "إبراهيم نافع" بثروة تتجاوز المليارين. قلت له: أنت لا تعرف كم هي مكلفة حياة "الأثرياء" خاصة إذا كانوا من أصحاب المناصب الرفيعة، كانت حجته أن "الصحفيين" يعملون بنفس المهنة ونحن علي مسافة مادية منهم أبعد من المسافة بين "باريس" و"بولاق الدكرور"!.

قطعا لم يجرب صديقي دفع مصاريف "الإنجلش سكول" بالجنيه الإسترليني، ولم يدخل بناته الجامعة الأمريكية، لم يقتن يوما "طائرة خاصة" مثل رجال الأعمال ليعرف كم تتكلف صيانتها وأرضية وقوفها فقط بالمطار.. حياة الأثرياء متعبة ومكلفة، هكذا حاولت التخفيف عنه من هول المبالغ التي نسمعها.

أنت -ياصديقي- إذا أصبت بآلام الديسك -لاقدر الله- باعتباره من أمراض المهنة تكتفي بـ "قربة ساخنة" ولا تضطر للذهاب إلي "كارلو فيفاري" لتتلقي أحدث وسائل العلاج الطبيعي. ثم أنك اعتدت العمل حتي لو كنت تحتضر أما هؤلاء فتنتظرهم مهام قومية عليا، وشخصيات من بينها رؤساء دول وملوك. الصحف تصدر بدوننا مع تنبيه لا يلفت نظر أحدنا وعادة نقبل "الخصم" من رواتبنا دون أي تذمر، بينما هؤلاء قد تتوقف المسيرة السياسية بدونهم!.

ولأننا "صعاليك" إذا أنعمت علينا الدنيا برحلة إلي عاصمة النور في مؤتمر أو مهرجان سنحسب بدل السفر بالـ "سحتوت"، فيما يضطر "الأثرياء" إلي الابتعاد عن "الحي اللاتيني" هربا من فضول العرب إلي الفنادق السبعة نجوم، وقطعا لن يتنازل أحدهم عن "جناح ملكي" يليق بحجم خدماته للوطن.

إننا جميعا أشبه بركاب مسافرين علي نفس الطائرة، لكن أمثالنا من ركاب "الدرجة الاقتصادية" يجلسون القرفصاء ويتناول وجبات باردة (أحيانا تأتي فاسدة)، بينما ركاب "الفرست كلاس" يفردون أرجلهم في وجوه العالم ويسترخون تماما وهم يتذوقون (الكافيار والسيمون فيميه) في امتعاض من مل مذاق الأطعمة الفاخرة!.

هل يعلم أحدكم كم تبلغ مصاريف "العزبة" أو قصور الساحل الشمالي ليدرك أن أموال الأثرياء "المساكين" مهدرة علي صيانة قصور أسبانيا ونيس "المهجورة" انتظارا لليلة عابرة؟

هل جربت أن ترمي منحة ملكية (ساعة ألماس مثلا) لأن عليها شعار المملكة وتشتري أخري أثمن وأفخم لتدلل علي ترفعك واستغنائك؟، أو أجبرت أن تكون كل ملابسك "سينيه" حتي لا تفاجأ بأحد مرؤسيك يرتدي نفس الحلة؟.

مسكين "إبراهيم نافع" وأمثاله، إن الأثرياء في محنة حقيقية لأننا نحاصرهم خلال تجولهم بأرض المعمورة، ننظر في أطباقهم ونلعن إلغاء الدعم، ونستغرب من موضات الملابس التي تجعلهم غرباء بيننا فيما نترحم علي الكستور الصيني، ثم نكتب عن ثرواتهم بجهل شديد لأننا لا نعلم قدر معاناتهم من عبء الثروة!.

العيب ليس في الثروة، لأن "المال" جاء قبل "البنون" في القرآن الكريم. العيب في "الفقراء" الذين لم يتذوقوا "زينة الحياة الدنيا" وينتظرون عذاب "المترفين".

لا داعي للفزلكة والحديث عن حسن استغلال الثروة ورأس المال الوطني والدور الاجتماعي للأثرياء، ولا حتي عن حق البلد وفقرائه. العيب ليس في مزاد الكلمة وبيعها لمن يدفع أكثر، ربما كان العيب في التعساء-مثلنا- ممن يجهلون فن التسويق وموهبة بيع المواقف، الذين يخفون فقرهم خلف المبادئ.

أعلن صديقي شعار الاستغناء: (الكفن مالوش جيوب). فقلت له: هذا "قلة الحيلة"، يبدو أننا أصبحنا مثل "قاسم السماوي" لا هم لنا إلا إطلاق اللعنات: (جتنا نيلة في حظنا الهباب).

 

هناك تعليق واحد:

V.Hayat يقول...

فعلا جتنا نيلة فى حظنا الهباب وخلاص حغير كل ملابس الى سينيه انجليزى دا يا كرودسى

تحياتى