الجمعة، 28 نوفمبر 2008

مجرد كلام !! .. نشرت بتاريخ 31 / 10 / 2005

المسافة بين المنهج الثوري والقواعد الدبلوماسية أشبه بالمسافة التي تفصل بين أمريكا وإيران. والرئيس الإيراني "محمود أحمدي نجاد" أعلن بوضوح أنه ينتمي لمدرسة الثورة ليس بحكم عضويته السابقة في الحرس الثوري وتشدده الديني فحسب بل بتصريحاته الأخيرة في مؤتمر "العالم من دون الصهيونية". وطبقا لتعاليم تلك المدرسة فهو لايعترف بالخطوط الحمراء في العلاقات الدولية ولا يضع سقفا للطموح الوطني.. ولا يتبع أية محاذير في تصريحاته السياسية. وبالتالي فمن السهل أن يدفع نجاد العالم كله إلي خندق الذعر والتوتر بتصريح واحد !. لكن التحالف الدولي ضد ما يسمونه "الشيطان الأكبر" سرعان ما خرج من نفق التوتر المؤقت ليواجه طهران بتهديدات ملتهبة كألسنة النار وحادة كسيوف ظلت متحفزة طيلة الوقت للنيل من رأس النظام الإيراني، وقد كانت مطالبة نجاد بمحو إسرائيل من الخريطة كفيلة بإشهار السيوف.. وإعلان النوايا.. ليبدأ العد التنازلي للصدام المتوقع بين أمريكا وإيران ببيان إدانة من مجلس الأمن.
البعض رأي في تصريحات "نجاد" عودة بإيران إلي نهج الثورة الإسلامية في الثمانينيات، فهو يتبني مقولة الإمام الخميني الراحل: "ان الكيان المحتل للقدس يجب أن يزول عن الوجود" ويعيد صياغتها ليبشرنا بإمكانية إيجاد عالم خال من أمريكا وإسرائيل !. لكن فن الخطابة مختلف تماما عن قواعد اللعبة السياسية، فتلك الخطب الرنانة قد تلهب مشاعر الجماهير العربية لكنها في الوقت نفسه تحفز العالم كله لتشديد العزلة الدولية علي إيران وإحالة ملفها النووي إلي مجلس الأمن الدولي، تمهيدا لفرض عقوبات دولية تجهض مشروعها النووي.
لقد وصل الرئيس الإيراني إلي أقصي درجات التشدد في سياسته الخارجية، وعمد إلي إثارة العالم كله ضده بخطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي، عندما تمسك بحق بلاده في إنتاج الوقود النووي. ولعل التصعيد الدولي ضد بلاده عقب ذلك الخطاب هو الذي دفعه للتهديد المباشر لإسرائيل ليصبح (اللعب علي المكشوف).
ولأن اللعبة السياسية لا تعرف الخجل وربما لم تعد تعترف بالعدالة الدولية، فقد أثارت تصريحات الرئيس الإيراني "قلق" الأمين العام للأمم المتحدة "كوفي عنان"، وسارع بتذكير جميع الدول الأعضاء بأن إسرائيل عضو في الأمم المتحدة لها نفس الحقوق والالتزامات كما لبقية الأعضاء!.
كان علي "كوفي عنان" ألا يتطرق لالتزامات الدول الأعضاء في الأمم المتحدة طالما لا يري المجازر التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني !.
وألا ينهي عن تهديد الدول الأعضاء لبعضها البعض طالما ظل العراق محتلا بفضل تقارير مجلس الأمن المغلوطة.
لكن يبدو أن "كوفي عنان" يتحسب ليوم قد يضطر فيه لتنفيذ رغبة "شارون" في طرد إيران من الأمم المتحدة، ليحظي برضا البيت
الأبيض فيضمن بذلك بقاءه في موقعه. أما ساكن البيت الأبيض نفسه فكان يعتقد أنه نجح في نزع ريش الطاووس الإيراني بحرب التقارير من "ميليس" إلي "لارسن". وأن نجاح أمريكا في استصدار قرار مجلس الأمن رقم 1559 لتصفية "حزب الله"، بالإضافة إلي السعي لتوقيع عقوبات دولية علي سوريا، كلها أوراق كفيلة بتحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة العربية . ولم يتوقع الرئيس الأمريكي أن "أحمدي نجاد" سيحتفل بـ "يوم القدس" علي طريقته، وأنه سيطلق بتصريحاته آهة حبيسة في صدور المسلمين تجذب انتباه العالم الإسلامي المغيب.. وتوجه الأنظار لمقدساتنا السليبة.
ولأننا شعوب عاطفية بالفطرة شعرنا بالزهو لغرور الطاووس الإيراني الذي يواجه التحرش الدولي بكل تحدٍ،وخرجت المظاهرات دعما لتصريحات الرئيس الإيراني. وتابعنا ابتسامة نجاد الغامضة وهو يسير ضمن حشود المتظاهرين دون أن ننتبه إلي أنه قد أهدي المجتمع الدولي ذريعة لضرب إيران سياسيا وعسكريا. فتصريحاته تعزف علي وجدان شعوب مقهورة تبحث عن كرامتها في لهجة تحدٍ.. لكن الخطاب العنتري الذي أقلق المجتمع الدولي لم يوقف الغارات علي غزة ولن يفلح في استصدار قرار من مجلس الأمن يدين وحشية قوات الاحتلال في العراق. فالأمة الإسلامية عاجزة عن حماية نفسها.. عاجزة عن تحقيق مصالحها. نحن لم يتبق لدينا من نظريات الثورة سوي الكلام.. أما الفعل فقد تركناه لأمريكا وإسرائيل!

هناك 3 تعليقات:

رامز عباس يقول...

من الممتع أن نري صحفية في قامتك تجاورنا كشباب في عالم التدوين فرغم ثقلك الصحفي والأعلامي والمساحات المتاحة لكي للتعبير في مهنة صاحبة الجلالة
إلا أن حبك للحرية والدفاع عن البسطاء دفعكي لعالم التدوين لتشبعي تلك النفس التواقة للحرية بأسمي معانيها وليس هذا تحدثاً بأسمك
ومصادرة لأسبابك الجميلة التي أوجدتك بيننا
فرغم مشاغلك فأنتي الان مدونة وأظن خبراتك
التي صقلتها الحياة الصحفية والادبية
ستجعلك نجمة مميزة وسط النجوم الكثيرة في عالم التدوين لنتعلم منك ما لم نتعلمه فيما سبق
لقد قرأتك مقالك عن أسر ياسر في يوم نزوله ولكنني الأن تعجبت خمس دقائق فأنا ظننت ان اصحاب المشاغل والهموم الوطنية لن يكونوا متفرغين للانترنت ومتاعبه فمرحبا بكي وسطنا اختات وانسانه

رامز عباس يقول...

اركي بصحه وعافية يا سحر الحرية كوني صديقتنا

sahar el gaara يقول...

اللحقيقة أنا بأتعلم من الشباب أكثر مما تعلمت من جيلى وأساتذتى، حبيت أجمع المقالات فى مكان واحد ، أتواصل من خلاله معكم .. صحيح كسلانة شوية فى الأرشيف .. إستحملونى هأتعلم
شكرا يا رامز على رسالتك الرقيقة