الجمعة، 28 نوفمبر 2008

أمة في قفص الاتهام! .. نشرت بتاريخ 24 / 10 / 2005

عقب أزمة لوكيربي سمعنا لأول مرة عن عقد محاكمة دولية للرئيس الليبي معمر القذافي. ثم توالت المشاهد بسرعة لنجد الرئيس العراقي السابق صدام حسين في قفص الاتهام من دون أن ننتبه إلي أن عجزه الواضح يجسد عجز أمة بأكملها، أمة أصبحت مكبلة باتهامات أمريكية تتراوح بين الإرهاب والديكتاتورية، وبالتالي أصبح كل حاكم عربي مداناً إلي أن يثبت العكس!
إنه مسلسل تصفية ما يسمي بالنظام العربي، وهو المسلسل الذي بدأ باحتلال العراق وتصاعدت حدته وصولاً إلي صدور تقرير "ميليس" الأخير الذي وضع الرئيس اللبناني إميل لحود والنظام السوري وبعض الفصائل الفلسطينية في خانة الاتهام. وهو وضع يبدو متوقعا في ظل اختلال موازين العدل الدولية وإحكام القبضة الأمريكية علي قرارات مجلس الأمن الدولي لرعاية حليفتها المدللة إسرائيل.
حتي سيناريو هيئة التحقيق الدولية يبدو مكررا ومطابقا لهيئة التفتيش الدولية التي صالت وجالت في العراق للبحث عن أسلحة دمار شامل، وأسقطت حصانة قصور الرئاسة العراقية تمهيدا للإطاحة بنظام صدام وابتلاع العراق.
قد لا يحتاج الأمر لاجتهاد مضن في التحليل السياسي لاستشراف مستقبل المنطقة العربية، فالصمت العربي وردود الفعل الدولية تجيب عن كل الأسئلة ببساطة: ما إن صدر التقرير حتي خرج الرئيس الأمريكي يطالب المجتمع الدولي بالتحرك "بقوة وجدية" ضد سوريا، وبدأ مشاوراته مع فرنسا وبريطانيا لاستصدار قرار من الأمم المتحدة بتوقيع عقوبات علي سوريا لتورطها المزعوم في اغتيال الحريري.
وبينما تتمادي أمريكا في تطويق النظام السوري ومحاصرة الفصائل الفلسطينية بتقرير ميليس، تكفل زعيم تيار المستقبل "سعد الحريري" بتهييج الشارع اللبناني، وخرجت المظاهرات مجددا إلي ساحة الشهداء للضعظ علي إميل لحود للتنحي عن الحكم، واحتلت صورة نجل الشهيد الحريري شاشات الفضائيات وهو يغازل الجماهير الثائرة قائلا إنه يطلب العدالة ولا يطلب الثأر!.. وكأنه تخلي عن حنكته السياسية أو أن دماء أبيه لا يعادلها - في نظره- سوي كل دماء الشعب اللبناني المطارد بشبح الحرب الأهلية، والمخترق أيضا من إسرائيل.
الحريري الصغير يقول: "إن هويتنا العربية لا تحتاج الي شهادات حسن سلوك". وفي تناقض غريب يبارك تقرير ميليس الذي يطالب بعض الحكام العرب بتقديم شهادة براءة من دم الحريري.. وكأنه أصبح طرفا في تنفيذ السيناريو المرسوم لتفكيك المنطقة، أو لعله يعتقد أن الأوطان تدار مثل الشركات وعليه أن يخلع رئيس مجلس إدارة لبنان "إميل لحود"ربما ليعتلي كرسيه فيما بعد!.
نحن نسير -عادة- في أي سيناريو يرسم لنا بكل بساطة رغم أن النهايات دائما واضحة، وبالتالي لجأ الجميع إلي بيانات النفي والتشكيك في مصداقية تقرير ميليس دون أن يسأل أي منا عن باقي حلقات السيناريو الذي يمهد له التقرير. لكن الإجابة تأتي قاطعة وسريعة علي لسان "يوفال شتاينتس" رئيس لجنة الدفاع والخارجية في الكنيست الاسرائيلي حين يقول: "ان انهاء حكم عائلة الأسد والاطاحة ببشار هو مصلحة اسرائيلية واضحة وليس مصلحة أمريكية فقط ". وحتي تكتمل الصورة يقول الناطق باسم وزارة الخارجية الاسرائيلية ليور بن دور إن التقرير تطور إيجابي يصب في الاتجاه الصحيح. والاتجاه الصحيح الذي تعرفه أمريكا هو زعزعة الأمن اللبناني الذي بدأ بالفعل مع انسحاب القوات السورية من لبنان، ووضعها علي حافة حرب أهلية لتصبح الأراضي اللبنانية مستباحة لإسرائيل من دون حرب. واسقاط نظام بشار الأسد تمهيدا لاحتلال أمريكي - إسرائيلي لسوريا. أما القضاء علي المقاومة الفلسطينية فهو الضلع الأضعف في مثلث المخطط الأمريكي. لكن الغريب أن الضلع الأضعف (الفلسطيني) يتمتع وحده بروح المقاومة والتصدي، فالوحيد الذي خرج من بين صفوف الأمة المهزومة ليطالب بمحاكمة ميليس علي هذا المخطط كان احمد جبريل الامين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.. فعلها وحده وسط صمت عربي مخز يوحي بأن أمريكا ستتولي محاكمة عدة دول.. وعلي بعض الشعوب العربية الأخري أن تحاكم قادتها
.

ليست هناك تعليقات: