الثلاثاء، 25 نوفمبر 2008

جمهورية الموز! العدد الثالث المنشور فى 18 / 6 / 2005


لا أدري لماذا برز تعبير «ترزية القوانين» الآن ليحتل مانشيتات الصحف في محاولة لتفصيل مواد قانون انتخابات الرئاسة علي مقاس شخص محدد في إشارة واضحة إلي«جمال مبارك» نجل رئيس الجمهورية ،وذلك رغم نفي الرئيس عدة مرات مبدأ توريث الحكم وتأكيده علي استمرار مصر كجمهورية برلمانية لا تخضح لطقوس الخلافة الملكية.
وحتي لا نذهب بعيدا دعونا نتذكر ما الذي فعله «حزب البعث» في سوريا ليرث الأسد الصغير عرش والده «حافظ الأسد». لقد تم تغيير الدستور بين عشية وضحاها لأن الرئيس «بشار الأسد» لم يكن قد وصل للسن المنصوص عليه في الدستور لرئاسة البلاد. وقطعا الحزب الوطني ليس في سطوة حزب البعث ولا أجهزته الحديدية المسيطرة علي سوريا، ولا يملك قادة الحزب الوطني نفس «الولاء القبلي» الذي حكم توجهات البعثيين. ورغم ذلك إذا كان في نية «جمال مبارك» الترشيح للرئاسة فلن يحول دونها ترسانة قوانين ولا مظاهرات المعارضة والحركات السياسية. فلا داعي لتأويل مواد القانون بأكثر من معني.. ولا تحميلها بأكثر من أهدافها.
المشكلة ليست في الطموح السياسي لنجل الرئيس ولا إمكانية تحقيقه.. المشكلة الحقيقية فيمن يصرون علي تشويه الواقع ومصادرة المستقبل وبتر خطوات الإصلاح السياسي، وفي نفس الوقت يمدون نيران الغضب المشتعل في الشارع بوقود «توريث السلطة» وكأنهم يقدمون الذرائع للمزايدة علي النظام والتكتل في مواجهته!
ولأن «ترزية القوانين» يتمتعون ـ للأسف ـ بالحصانة فلا مجال للحديث عن مستوي الذكاء والحنكة السياسية، فقط نقول إنهم تطوعوا بالإسراف في التنازلات بعد أن فوضهم الشعب للتعبير عن إرادته في المجالس التشريعية.. وإنهم كادوا أن يفرطوا في ثوابت وبديهيات يفترض توافرها في أي شخصية تتعاطي الشأن العام فما بالنا بمنصب رئيس الجمهورية.
الدليل العملي علي ما أقول هو اعتراض د.«نبيل لوقا بباوي» في مناقشات مجلس الشوري علي المادة 34 التي تنص علي غرس الناخب إصبعه في حبر غير قابل للإزالة قبل أربع وعشرين ساعة وذلك لضمان عدم إدلاء الناخب بصوته في أكثر من لجنة.. وكان اعتراض النائب لأسباب موضوعية: «إذا كان الدين الإسلامي وهو أساس التشريع يدعو إلي النظافة فكيف يترك الناخب إصبعه متسخا؟»، سيادة النائب يري أن النظافة أهم من النزاهة.. ويشهر سيف الإسلام في وجوهنا.. وجهة نظر!
إذا كان د. نبيل يمثل نموذجا فج في مؤازرة الحكومة التي أرادت تمرير القانون دون شرط تأدية الخدمة العسكرية لمرشح الرئاسة وعدم ازدواج جنسية المرشح، إلا أن تصدي المعارضة لهذا التفريط الرسمي في شروط مرشح الرئاسة لا يدعو للتفاؤل فحسب بل يؤكد أن علي المعارضة أن تعمل في قنواتها الشرعية (الملعب الأصلي) خاصة وأن موقفها الأخير حظي بغطاء صحفي شفاف لا يسمح بفوضي تشريعية.
لقد اعتدنا من نواب المجلس الموقر الموافقة مقدما وبالإجماع علي مشروعات القوانين بالصورة التي يتبناها الحزب الحاكم. وليس غريبا ولا جديدا ما يأتي به نواب الشعب الذين يرفعون شعار: «انصر الحكومة ظالمة أو مظلومة» فهم أنفسهم من أخرجوا القانون 93 لعام 95 الذي يجيز حبس الصحفيين ليخرسونا.. فهذه هي الشفافية التي يعرفونها وهم ـ أيضا ـ من عدلوه بالقانون 96 الذي نناضل الآن من أجل تغييره.
إذن القوانين قابلة للتغيير خاصة ونحن في مرحلة تجاوز القوانين إلي تعديل الدستور نفسه، لكن الخلاف علي مواد القانون كشف من ينتمون للنظام ويخدمونه (علي طريقة الدب الذي قتل صاحبه) وذلك بضرب مصداقية النظام والإطاحة ببوادر الإصلاح التي تطرح من أعلي.. وهؤلاء هم مشكلة النظام الحقيقية.
لقد برز من بين النواب من يقول إن المرشح لرئاسة مصر لا يجوز له أن يتلقي دعما ماديا من الخارج لأن مصر ليست «جمهورية الموز»، لكنهم في الحقيقة أرادوها كذلك لأنهم يحسبون الإصلاح بميزان المصالح.. ومصالحهم هي مصدر التوتر الحقيقي.. والمحرك الأساسي لصراعات شلت حركة التغيير.. ويبدو أن التغيير لن يحدث قبل تصفية «فريق الدببة» واختفائه من الساحة السياسية

ليست هناك تعليقات: